فرنسا والجزائر تدركان اليوم بأنهما ملزمتان بتطبيق المقولة الأمريكية ''ليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة بل هناك مصلحة دائمة''، ومشروع تجسيد مصنع ''رونو الجزائر'' في وادي تليلات في وهران، أحسن دليل على ذلك، وما فعله وزير الدفاع الفرنسي السابق جيرار لونغي بحركة ''ذراع شرف'' على الهواء مباشرة، دليل على سياسة ''الوقاحة في الخفاء'' التي تنتهجها فرنسا مع الجزائر، التي حلمت بأن تملكها وتستنزفها و''تتبول'' على ترابها وسكانها باسم القوة والتطوير. إن ''ذراع الشرف'' الذي هز الجزائريين في ذكرى الاحتفال باندلاع الثورة، أثلج صدور كثير من الفرنسيين من اليمين أو من اليسار، لأنهم يرفضون الاعتراف بجرائمهم، فما بالك بمشاركة الجزائريين احتفالاتهم بخمسينية الاستقلال أو اندلاع الثورة. ومع كل ما يقال، لا تزال فرنسا هي أول ممون للجزائر بحوالي 71 مليار دولار أمريكي، وسيرتفع الرقم مع مرور السنوات، باسم الصداقة الجامدة التي تعززت في عهد نيكولا ساركوزي وتزايد بها العداء للجزائريين باسم الإسلام وقضية مقتل محمد مراح خير دليل على ذلك. فرنسا اليوم تعطينا ''ذراع شرف'' باليسرى وتصافحنا ب''ذراع المصلحة'' باليمنى. وقد نفهم بأن الجزائر تريد أن تمد جسور الصداقة مع فرنسا، ولو بالتنازل لها عن كل شيء، ولو كانت المفاوضات تجري مع من قدم لنا ''ذراع الشرف'' !. وتصمت الخارجية الجزائرية ولا ترد وزارة المجاهدين التي حركت كل هذه الضجة بعد دعوة الشريف عباس بضرورة الاعتراف بالجرائم الاستعمارية، ولا يرد إلا خالد بونجمة بوقاحة مماثلة تعبد له طريق الانتخابات المحلية، على حساب صمت الدولة الجزائرية، التي ردت ب''صمت الشرف''. وإن كانت الصداقة العلنية التي تكنها فرنسا للجزائر بعد 05 سنة من الاستقلال ''محتشمة''، فإن المفاجآت التي يخفيها قصر الإليزي لنا قد تكون بحجم ''ذراع الشرف'' الذي هز مشاعر الجزائريين، وقد لا ينفع وقتها الصمت، لأن وقاحة الصداقة بذلك قد تتخطى كل الحدود وستتجاوز مستشار الرئيس الفرنسي فوزي لمداوي، الذي يبقى رده على ''ذراع الشرف'' موقفا شخصيا، لا يعكس موقف فرنسا وفرانسوا هولاند القادم إلى الجزائر الشهر القادم.