في الثمانينيات، طلبت فرنسا من الجزائر السماح لها باستخدام الأجواء الجزائرية لتموين الحرب بين ليبيا والتشاد في إقليم أوزو.. ورفض المرحوم اللواء بلوصيف، قائد الأركان، هذا الأمر بشدّة.. رغم أن جهات في الجيش والرئاسة، آنذاك، كانت لا ترى حرجا في ذلك. وقد قال لي اللواء بلوصيف رحمه الله: إن مسؤولين في رئاسة الجمهورية توسطوا لسفير فرنسابالجزائر من أجل أن يستقبله ويطرح عليه الموضوع.. وأن السفير طرح على قائد الأركان، آنذاك، السماح له باستخدام مطار بوفاريك العسكري للمرور إلى التشاد، ولكن قائد الأركان قال لسفير فرنسا: ''لا يمكن أن نسمح بضرب دولة شقيقة وجارة مثل ليبيا انطلاقا من أراضينا''؟! واليوم، تطلب فرنسا وأمريكا من الجزائر استخدام جيشها.. وليس أجوائها فقط لضرب شمال مالي، لحلّ أزمة داخلية في حكم مالي ناجمة عن تدخل فرنسي أرعن في شأن مالي مالي داخلي، حيث قامت فرنسا بتنصيب عميل لها في باماكو غير مرغوب فيه من سكان شمال، وتطلب فرنسا من الجزائر أن تستخدم جيشها لدعم هذا الرئيس الموالي لفرنسا.! نعم، الناتو، الآن، لم يعد قوة عسكرية غربية فقط، بل أصبح قوة كونية، مهمتها ضمان السلم والأمن الدوليين بواسطة الشرعية الدولية المسماة شرعية مجلس الأمن. المشكلة لم تعد في ضرب دول الناتو أو السائرة في ركابها شمال مالي، سواء برضا الجزائر أو بعدم رضاها.. بل المشكلة، الآن، هي كيف تتفادى الجزائر نتائج هذه الحرب وانعكاساتها على الأمن الوطني الجزائري في جنوب البلاد خاصة.؟ كل الدلائل تشير إلى أن حكومة باماكو الفرنسية التي تشكلت بإرادة فرنسية وخارج أي تأثير للجزائر، يمكن أن تجعل من حكاية علاقة الجزائر بسكان شمال مالي حصان طروادة للمساس بأمن بلادنا، أو محاولة عودة الإليزي إلى الجزائر من الإليزي؟! ولهذا، يجب على الجزائر أن تكون جدية في مناقشة مسألة مالي سياسيا مع من بيده رأس حكومة باماكو، وهي فرنسا..! أي الحديث مع الحاكم الفعلي في باماكو وهي فرنسا.! بصراحة، يجب أن تخيّر فرنسا بين مصالحها المهمة والكثيرة في الجزائر، وبين مصالحها في مالي.! وأن يفهم الفرنسيون بأن تهديد أمن الجزائر بواسطة أزمة مفتعلة في مالي، يمكن أن يؤدي إلى ضرب مصالح فرنسا في كامل المنطقة وفي العمق.! في الحقيقة، المعركة بين الجزائروفرنسا ليست في باماكو، بل هي في باريس والجزائر. وما ''الذراع'' الذي أعطاه وزير الدفاع السابق للجزائر في عيد ثورتها، إلا صورة لأصل المعركة.! ينبغي أن يفهم الفرنسيون بأن المساس بالأمن والاستقرار في مالي من أجل خلق حالة للمساس بالأمن والاستقرار في الجزائر، معناه المساس بالأمن والاستقرار في فرنسا نفسها.. هذا ما يجب أن تقوله الجزائر، وبوضوح، تام للفرنسيين، وهم يلوّحون لنا بالعصا في مالي والجزرة في ''رونو'' وغيرها؟! والجزائر التي لم تقبل أن تسيّر من باريس، فهل تقبل أن تسيّر من باماكو؟!