في أي شيء يمكن أن يختلف أوباما الثاني عن الأول؟ سؤال يطرح، في الواقع، كلما تكرر انتخاب الرئيس الأمريكي لولاية ثانية. سؤال طُرح مع بيل كلينتون ومع جورج بوش الابن ومع من سبقهما. والسؤال يُطرح، خاصة في المنطقة العربية، لأن هناك الكثير من الأمنيات عند الشعوب وحتى عند الحكام. يطرح السؤال أيضا لأنه يقال عادة إن الرئيس الأمريكي يكون أكثر جرأة في العهدة الثانية، فالحسابات، كما تقول بعض التقديرات، تتغير. ولكن هناك تحليلات أخرى لا تقل جدية تصف العهدة الثانية ب''لعنة الولاية الثانية''. علينا الانتباه إلى أن هناك الواقع ومعطياته وهناك الممكن في النظام السياسي الأمريكي وهناك غير الممكن. فقواعد عمل النظام السياسي الأمريكي لا تتغير إلا في حدود ضيقة جدا وأحيانا ذات طابع تقني، والتحالفات لا تتغير إلا ببطء شديد والعقيدة الاستراتيجية الأمريكية في السياسة الخارجية، لا تعرف التحول إلا عند حدوث تحولات كبرى تغير من معطيات التوازن العالمي. وهذا لم يحدث. لكن ينبغي القول إن العقيدة التي يستند إليها أوباما ومنظرو الحزب الديمقراطي، مختلفة بوضوح جلي في الكثير من المسائل ومنها بالخصوص: الحرب والقوة. فإدارة أوباما عملت وقد تعمل بشكل أوسع على تعميق تصحيح صورة أمريكا في العالم. لقد وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في خطاب الاحتفال بولايته الثانية، شعبه بنهاية حروب استمرت عشر سنوات في العراق وأفغانستان. إلا أن عددا من المحللين السياسيين والخبراء الإستراتيجيين، يرون أن الملفات الموضوعة أمام أوباما تظل من دون تغيير: ملف الشرق الأوسط والبرنامج النووي الإيراني وخاصة الأزمة السورية التي قد تستدعي تدخلا عسكريا بشكل أو آخر. لكن الواقع يقول إن إدارة أوباما ستكون غارقة في المشاكل الاقتصادية الضّخمة والتي تهدد حتى مكانة الولاياتالمتحدة في الاقتصاد العالمي، ذلك أن تقديرات جادة تقول إن الصين ستصبح العام 2016 القوة الاقتصادية الأولى عالميا. أما بخصوص سياسة أوباما الخارجية في المرحلة المقبلة، فإن تقارير وتقديرات كثيرة تؤكد أنها لن تعرف تغييرا كبيرا. ''وورلد تريبيون'' نشرت تقريرا على موقعها الإلكتروني، أعده المدير التنفيذي لمعهد أبحاث واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، روبرت ستالوف، ورأى هذا التقرير أن ما ينتظر أوباما من مهام وأولويات، في الشرق الأوسط، هي ومن دون ترتيب: تعزيز العلاقات مع الإسلاميين في مصر، إبرام ''صفقة كبرى'' مع إيران، تعزيز قوة الثوار السوريين. التقرير قلل من فرص ضغط أوباما على إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية ورأى أنه سيركز على الوضع الاقتصادي الداخلي. ديفيد أغناتيوس، الكاتب الأمريكي في الواشنطن بوست، المقرَّب من دوائر البنتاغون، يرى أن أوباما يفتقِد إلى الحسْم والكفاءة الإستراتيجية، ويميل إلى التفاعل مع الأحداث، بدل صنع الحدث، وإلى تجنُّب الخسارة، بدل العمل على الرِّبح. وكتب أغناتيوس بعد إعلان نتائج الانتخابات، يقدم النّصح للرئيس أوباما. ورأى أن السياسة الخارجية، وبالخصوص قضايا الشرق الأوسط، هي المجال الذي يمكن تحقيق إنجازات فيه وأن هناك ''صفقات'' ضرورية. صفقة مع إيران بهدف تجنُّب الحرب. صفقة في أفغانستان، تساعد على تخطّي الحرب الأهلية، بعد مغادرة القوات الأمريكية العام .2014 صفقة في سوريا، لتحقيق انتقال سياسي بتنظيم المعارضة السورية، ثم منح فلاديمير بوتين جائزة نوبل للسلام لمساعدته على تحقيق تسوية. وأخيرا صفقة لإقامة دولة فلسطينية، تحقق أمْن إسرائيل وتعطي العالم العربي فرصة للمُضي قدماً في عملية التحديث والدّمقرطة. خبراء آخرون كثيرون توقعوا أن يظل أوباما بعيدا عن الانغماس في قضايا الشرق الأوسط، ورأوا أنه سيركز على إدارة الوضع القائم وضمان الاستقرار والأمن لإسرائيل ولن يعمل، كما يأمل بعض العرب، على الضغط على نتنياهو وإسرائيل ولن يعمل على تغيير معطيات الوضع. لهذا ينبغي القول إن المشكل الحقيقي هو الواقع المرير لشعوب المنطقة وضعفها وهشاشة أنظمتها ودولها واقتصاداتها ونخبها. فالتغيير لن يأتي من أمريكا بل من الداخل، وليس من قوة الرئيس الأمريكي على إسرائيل، بل من قوة العرب وذلك يتطلب تحرير الشعوب على أعدائها في الداخل والخارج. [email protected]