تعدّ لوحة الترقيم بمثابة بطاقة التعريف، أو هوية، لأي سيارة أو مركبة، لهذا يحرص صانعوها على التدقيق في الأرقام التي تحملها البطاقات الرمادية. وبين مطرقة القانون الذي يفرض عليهم عقوبات صارمة، في حال ارتكابهم لأي خطأ، وسندان الوضع الاجتماعي المتردّي، بسبب تراجع هامش الربح، يئنّ هؤلاء لضمان استمرار مهنة هجرها محترفوها الأصليون، ويحاول الغرباء الاستحواذ عليها من أجل البزنسة والربح السريع. ما يجهله أصحاب السيارات لوحة ترقيم بسيطة قد تُحدث ''الكارثة'' لو علم صاحب السيارة ما يمكن أن تتسبّب فيه لوحة ترقيم سيارته، إذا تمّ تصميمها وتركيبها بطريقة غير مطابقة للقانون، تكون وراء تغريمه لاحقا، لأعاد حسابه، ألف مرة، في المحل الذي يقصده لترقيم سيارته، لأن أصحاب المهنة أنفسهم اليوم يواجهون دخلاء يزجّون بهم في قضايا لا نهاية لها، رغم بساطتهم وشحّ مدخولهم. يتوزّع 1200 صانع لوحة ترقيم عبر التراب الوطني، تبدأ مهمّتهم بشراء اللوحات الفارغة والإشراف، فيما بعد، على تدوين الأرقام التسلسلية التي تحملها البطاقة الرمادية، وهم مطالبون بالدقّة في تدوين هذه الأرقام، لأن أي خطأ قد يكلّفهم الدخول في متابعات قضائية، في حال ما إذا تمّ سرقة سيارة، أو تسجيل هذه الأخيرة لمخالفة عدم تطابق الأرقام مع ما تحمله البطاقة الرمادية لصاحب السيارة. كل ذلك يجعل صانع هذه اللوحات تحت ضغط العمل والقانون معا. وحسب ما استقته ''الخبر'' من تصريحات عدد منهم، فإن هناك الكثير من صانعي اللوحات وجد نفسه مضطرا لتغيير نشاطه، بناءً على ما ذُكر سابقا، وأيضا لعوامل أخرى، منها هامش الربح الذي ''لا يُغني ولا يُسمن من جوع''، حسب تعبيرهم، لأن المقابل المادي زهيد في ظلّ تدهور القدرة الشرائية، كما إن وجود الدخلاء على المهنة، حسبهم، عمّق هذا الوضع، حيث يُقدمون على تخفيض الأسعار لجلب أكبر عدد من الزبائن، على الرغم من أن هذا النوع من الألواح غير مطابقة للقوانين، وتُستعمل فيها مواد صينية سريعة التلف، ما يُجبر الكثير من الزبائن على تغيير لوحاتهم لاحقا. كما يتعمّد هؤلاء الدخلاء صنع لوحات دون المادة العاكسة للضوء، للسماح لبعض الزبائن المتورّطين في قضايا مختلفة تعوّدوا عليها، من تمرير سيارات مسروقة وبيعها دون أن تتوصّل مصالح الأمن لذلك. وهنا دعا أصحاب المهنة إلى ضرورة فتح تحقيق موسّع في حقّ هؤلاء لتطهير مهنتهم ممن يحاولون تشويه سمعتهم وزجّهم في مشاكل لا حصر لها. في المقابل، يواجه صناع ألواح الترقيم مشاكل كبيرة بتعاملهم بواسطة السجل التجاري، وطالبوا الوصاية بإيجاد صيغة جديدة لهم لإنقاذهم من الضغوط الممارسة عليهم، في الوقت الذي أصبح استئجار محل يمثّل الشغل الشاغل لهم، بسبب الإجراءات المتبعة من أجل ذلك، وكذا مدخول المحل الذي لم يعد يكفي لتغطية باقي المصاريف كدفع الضرائب، واقتناء التجهيزات اللازمة لتحضير اللوحات لاستعمالها مباشرة على السيارات، حيث يُشرفون، سنويا، على تزويد السوق الجزائري بأكثر من مليون لوحة، والعملية تتطلّب وسائل دقيقة يستوردونها من الخارج، وهي تكلّفهم مبالغ معتبرة، إذا ما تمّ مقارنة هذه المصاريف مع مجموع المداخيل. الجزائر: رشيدة دبوب
شاهد من أهلها
مدير الإنتاج بمؤسسة ''سوفيكلي'' خير الدين زموري ''صانعو لوحات الترقيم بحاجة إلى اعتماد وليس لسجل تجاري''
يرى مدير الإنتاج بمؤسسة ''سوفيكلي''، المتخصّصة في صناعة لوحات الترقيم، أن مهنة تزويد السيارات باللوحات مهمّة وحساسة، لذا ينبغي إعادة النظر فيها وتقنينها، بتحويل السجلات التجارية التي يتعامل بها أصحاب هذه المحلات إلى اعتمادات تُمنح لمن هو أهل لها. في البداية، وباعتباركم الشركة الوحيدة التي تقوم بصناعة ألواح الترقيم، هل يمكن أن توضّح لنا تفاصيل عملية صناعتها؟ كان تحدّيا كبيرا أن يتحوّل طموح مؤسسة ''سوفيكلي'' من استيراد لوحات الترقيم جاهزة وتزويد محلات تركيبها، إلى الانطلاق في صنعها بالجزائر منذ ثلاث سنوات. إلا أننا نجحنا في رفع التحدّي، ونسعى اليوم لتصديرها نحو دول أوروبية كفرنسا وبلجيكا. كما إن هناك اتفاقيات مع المغرب لتمويلها بهذه الألواح، وهذا بعد أن تمكّنا من تغطية الحاجة الوطنية، ولنا فائض ب10 مرات. أما بخصوص سؤالكم فالمادة الأولية للألواح هي الألمنيوم يضاف لها مادة عاكسة للضوء، تنفيذا للقوانين الدولية التي تعمل بها الجزائر. كما إن هناك مقاييس محدّدة تخص حجم هذه الألواح، فالمخصّصة للسيارات طولها 52 سم وارتفاعها 11 سم، فيما تختلف الألواح المخصّصة للشاحنات وبعض الأنواع الخاصة من السيارات. بما أنكم الجهة الوحيدة التي تقوم بتصنيع هذه الألواح، فأي خطأ بها تتحمّله مؤسستكم، خاصة وأن مصالح الأمن تسجّل مخالفات كثيرة لألواح لا تراعي المقاييس ولا يكشفها جهاز الرادار، وتساهم، أيضا، في تسهيل عملية سرقة السيارات.. نحن الجهة الرسمية الوحيدة التي تقوم بصنع هذه الألواح، ونحن نغطي 95 بالمئة من الاحتياج الوطني، إلا أن هناك جهات غير قانونية تعمل، حاليا، على صنع هذه الألواح دون اتّباع المقاييس التي تمّ ذكرها سابقا، ولا تحترم الشروط المحدّدة في المنشور الصادر في 23 جوان 1975، والمرسوم رقم 80-152 المؤرّخ في 24 ماي 1980، والخاص بترقيم وإعادة ترقيم السيارات وشروطها، وهو ما يؤدّي إلى المخالفات، ونحن لا نتحمّل أخطاءها، وهناك جهات مختصة دورها مراقبة ذلك. وبالحديث، دوما، عن القانون، ينبغي التذكير أن هناك مخالفات تأتي بسبب لوحات الترقيم ذات الشريط اللاصق، التي وعلى الرغم من أن القانون ينصّ على ضرورة تغييرها في ظرف 48 ساعة، إلا أنه يلاحظ أن هناك الكثير من السيارات تحتفظ بها طيلة سيرها بالبطاقة الصفراء، ويمتد الوضع لأكثر من 6 أشهر حتى الحصول على البطاقة الرمادية، وهي فترة طويلة تفلت فيها هذه السيارات من أجهزة الرادار. بالعودة إلى المحلات التي تموّلونها بالألواح، هل تنتهي مهمّتكم عند التسليم؟ نحن نبيع الألواح وهي فارغة، إلا أنها تحمل الألوان التي ينص عليها القانون، بيضاء للجهة الأمامية للمركبة وصفراء للجهة الخلفية. كما إننا نحن من نزوّدهم بالآلات المستعملة في الترقيم التي نستوردها من الخارج، بالإضافة إلى عملية التحسيس بأهمية المهنة ودقّة التركيز بها، وهنا يمكن التأكيد أن تكوين هذه الفئة شبه غائب رغم أهمية التكوين، والسبب يعود، ربما، إلى محدودية المستوى العلمي لعدد كبير منهم، وقد سجّلنا ذلك خلال اعتراضهم على عملية الفوترة، فنحن في مؤسستنا نتعامل بواسطة الفواتير أثناء عملية البيع، ضمانا لحقوقنا وحقوق الزبائن، إلا أنهم يرفضون العملية، وهو ما يجعلنا نبذل جهدا لإقناعهم بذلك. وهنا يعاب على الجهات الوصية التعامل مع المهنة كمحلات تجارية، حيث يتعاملون بالسجلات التجارية، رغم إن أهميتها تتطلّب وضع اعتماد لها. الجزائر: حاورته رشيدة دبوب
بورتريه
ياسين مرزوقي يتحدّث من منطلق خبرة ست سنوات ''الشغف بعالم السيارات جرّني لدخول عالم صنع اللافتات'' ''أصبحت مهنتي منذ 6 سنوات، بعد أن كانت مجرد شريط عابر في حياتي.. هي اليوم مصدر رزق وراحة ومتعة''. بهذه الكلمات بدأ الشاب ياسين مرزوقي، صاحب ال27 سنة، كلامه عن مهنة تركيب لوحات ترقيم السيارات. هذا النشاط الذي قال إنه كان مجرّد طيف عابر أقل ما يعرفه عنه كان عن طريق شقيقيه، اللذين يكبرانه سنا ويزاولان نفس المهنة منذ سنوات طويلة، بشارع البحتري، المعروف ب ''لافالي''، بالمرادية في أعالي العاصمة. قصدنا محل ياسين، حيث وجدناه منهمكا في تصميم وتركيب لوحات الترقيم لزبائنه، فكان تارة يتكلّم معنا وتارة أخرى يلبّي طلبات زبائنه، حيث استهلّ حديثه بالكلام عن المهنة التي قال إنه ورثها عن أخيه ''سفيان'' الذي يكبره ب5 سنوات، ورغم حبّه وشغفه بهذا المجال، منذ كان صغيرا، إلا أنه لم يلتحق به إلا بعد عزوفه عن الدراسة، والتحاقه بإحدى المدارس الخاصة التي تحصّل منها على شهادة تقني سام في الإعلام الآلي، وهي الشهادة التي طرق بواسطتها عدة أبواب من أجل التوظيف، إلا أن ذلك لم يحدث، ليضعه القدر أمام محل شقيقيه. كان يعمل في البداية لمساعدتهما، إلا أنه وجد نفسه، بمرور الوقت، يحترف المهنة، خاصة بعد مغادرة أحد إخوته المحل. كما يؤكّد ياسين أن الشهادة التي تحصّل عليها ساعدته كثيرا، خاصة وأن مهنة صناعة ألواح الترقيم تتطلّب دقة متناهية. من جهة أخرى، أشار الشاب مرزوقي إلى أن هذه المهنة تتطلب تركيزا وانضباطا كبيرين، كما إنها مهنة شبابية، بحكم التعب والمصاعب التي تواجه صانع لوحات الترقيم، خاصة مع الضغط الذي يعيشه رفقة المواطنين، لأن ''عقلية الجزائري ومزاجه المتقلّب يوميا يختلف من شخص لآخر''. لكن كل هذا لم يكن عائقا أمام محدّثنا، الذي اعتبر التعب والمشقة التي يلاقيهما من بين محفّزات عمله اليومي، ولا تحول دون تركيزه في الأرقام الصحيحة التي تحملها البطاقة الرمادية، وهو ما يدفعه، أحيانا، لإعادة تصميمها إذا اكتشف وجود خطأ ما. وعن المشاكل التي تؤرق صانعي لوحات الترقيم، يقول محدّثنا :''هناك من يهدّد المهنة، خاصة الذين يلهثون وراء الربح السريع. وأقصد هنا صانعي اللافتات الذين يعملون بطرق غير قانونية''، حيث أشار ياسين إلى أن المهنة دخلها متطفّلون لا يراعون المقاييس المعمول بها في هذا المجال، ما انّجر عنه عدم ثقة الكثير من الزبائن في محلات تركيب اللافتات، بفعل لجوء الدخلاء إلى تركيب نوعيات رديئة من البلاستيك، في حين يصرف ياسين مرزوقي، حسب تقديراته، مبالغ كبيرة في سبيل جلب طوابع وآلات لضغطها على اللوحات من الخارج. الجزائر: سمير بوترعة