الإسلام، ومن خلال نظمه وتشريعاته، هو دين التّوحيد بين قوى الكون جميعًا، ففيه تلتقي القيم الاقتصادية والقيم الخلقية، ويتم التوازن بين أشواق الروح ومظاهر الحياة، فلا عجب إذا بلغ الذروة من التسامي الروحي والقمة الشامخة من العدل الاجتماعي. إنّ الأمّة الإسلامية إذ تحتفل بميلاد السنة الهجرية الجديدة تدرك لا محالة أنّها إذا رضيت بالقعود عن الجهاد في سبيل اللّه، خوفًا على الحياة أو على المال أو على اللذائذ والمصالح والمتاع، فإنّها مهدّدة في عزّها وسلطانها. والعذاب الّذي يتهدّدها ليس عذاب الآخرة وحده، فهو كذلك عذاب الدنيا، عذاب الذلّة الّتي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، والغلبة عليهم للأعداء، والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين. وما من أمّة تركت الجهاد إلاّ ضرب الله عليها الذل، فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلّبه منها كفاح الأعداء.. وفي هذا يقول جلّ علاه: {يا أيُّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتُم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل × إلاّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قومًا غيركم ولا تضرُّوه شيئًا والله على كلّ شيء قدير} التوبة:83-93. وما يحجم ذو عقيدة في الله عن النفرة للجهاد في سبيله إلاّ وفي هذه العقيدة دخل، وفي إيمان صاحبها وهن. لذلك يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن مات ولم يغزُ ولم يحدّث نفسه بغزو مات على شُعبة من شعب النِّفاق''. ويضرب الله لنا معشر المسلمين من الواقع التاريخي الّذي نحفظه، على نصرة الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بلا عون من أحد ولا ولاء، والنّصر من عند الله يؤتيه مَن يشاء، {إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزَن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه، وأيّده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الّذين كفروا السُّفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيزٌ حكيمٌ} التوبة:04.