نظرا للاتصالات العديدة التي وصلت إلى مكتب الجريدة حول الكتاب القيم الذي نشرنا فصوله على صفحاتنا والمعنون ب ''فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء الجزائر'' لمؤلفه عبد المالك رمضاني أحد اكبر العلماء الجزائريين، والذي نقل فيه فتواي علماء الأمة من تحريم الخروج عن الحكام، وكذا تحريم ما يحدث في الجزائر على يد جماعات ضالة احترفت مهنة القتل في صفوف المسلمين، ولتعميم الفائدة، وتنوير الرأي العام بضالالات هذه الجماعة، ونزولا عند رغبة القراء الكرام ستشرع ''السياسي'' في نشر فصول كتاب آخر في نفس الإطار تحت عنوان: ''السبيل إلى العز والتمكين''، وهو كتاب من بين أحسن الكتب وأفضلها في الرد على افتراءات وشبهات الجماعات الضالة في الجزائر· العدة المادية قسمان: عدة عسكرية وعدة بشرية ؟العدة العسكرية: من تمام التوكُّل على الله إعدادُ الأسبابِ الماديَّة التي أمر الله بها عبادَه الذين حقَّقوا الإيمان لمواجهة عدوِّهم، حيث قال: -وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ- (الأنفال : 06)· فأيُّما قوَّة تكون لدى المسلمين لا يرهبها العدوُّ فليست بقوَّة شرعاً، وتأمَّل حسنَ موقعِ كلمة -تُرْهِبُونَ- من الآية· وهذه الفائدة القرآنية استفدتُها من شيخي العلاَّمة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله· وقد بيَّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم معنى القوة المذكورة في الآية، فقال: ''ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ، ألاَ إنَّ القوَّةَ الرَّميُ''، رواه مسلم· فخص اللهُ عزَّ وجلَّ الخيلَ بالذِّكرِ؛ لأنَّها أحسنُ ما يُقاتَلُ عليه يومئذٍ، وخصَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرَّميَ بالذِّكر؛ لأنَّه أقوى ما يُقاتَل به يومئدٍ، تنبيهاً للمسلمين على أنَّ الإعدادَ هو ما كان على مستوى أرقى ما لدى العدو· فكيف يأتي اليوم من يوهمنا أنَّ المسلمين قد وصلوا إلى هذا، وهم لا يزالون يستوردون الإبرةَ من عدوِّهم؟! فالَّلهمَّ اهدِ عبادَك وانصرهم· وهذه الفائدة الحديثية استفدتها من شيخي العلامة حمّاد بن محمد الأنصاري رحمه الله· تنبيه: قد دلَّت النصوص على أنَّ الله جعل الخيرَ في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، فعن عروة بن الجعد، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: سالخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامةس، متفق عليه· ومعلومٌ أنَّه لا يزال أهل الحروب يستعملون الخيل إلى يومنا هذا على الرَّغم من الاختِراعات الرهيبة، حتى إنَّهم ذكروا أنَّه لم يُستغن عنها في الحروب العالمية القريبة، بل إنَّنا نَجد جهاتٍ رسميَّة في الدول لا تزال تستعمل الخيلَ كالحرس الجمهوريِّ أو الحرس الملكيِّ وغيرهما، فتأمَّل! القسم الثاني: العدة البشرية ضابطُ العُدَّة البشريَّة أن يكون عددُ المقاتلين الكفَّار على الضِّعف من عدد المقاتلين المسلمين، فإن زادوا على ذلك لَم يجب على المسلمين دخول المعركة، وقد كان اللهُ أوجب عليهم في أوَّلِ الأمر أن يُقاتِلوا الكفَّارَ، ولو كان هؤلاء عشرة أضعافِهم، ثمَّ نسخ ذلك إلى الضِّعف، قال الله تعالى: فيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ · الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَف (الأنفال: 56 - 66)· فكيف يأتي اليوم مَن اجتمع لديه ألفٌ أو ألفان أو عشْرةُ آلاف يواجِه بهم مليون مقاتِل، ومَن تخلَّف عنه فهو عندهم ضعيفُ الإيمان أو منافقٌ أو مرتَدٌّ؟! رد شبهة لا يقولنَّ قائل: إنَّ المسلمين اليوم كثيرٌ، فما لهم لا دخلون المعاركَ مع عدوِّهم، لأنهَّ لا معنى لثروة بشريَّة لا تُزكِّيها أعمالُها، لذلك أخبر الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنَّ الإسلامَ لا يُنصَرُ بالغُثاء، فقد صحَّ في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' يوشِكُ الأُمَمُ أن تداعى عليكم كما تداعي الأَكَلَةُ إلى قَصعتِها· فقال قائلٌ: ومِن قلِّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، لكنَّكم غُثاءٌ كغثاءِ السَّيل، ولَينزعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، ولَيَقْذِفِنَّ اللهُ في قلوبِكم الوَهْنَ· فقال قائلٌ: يا رسول الله! ما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت س· فدلَّ الحديث على أمرين: الأول: أنَّ الإسلامَ غنِيٌّ عن الغثائيَّة مهما كانت كثرتها· الثاني: أنَّ أصلَ المرض من القلب؛ لأنَّ '' حبّ الدنيا وكراهية الموت س مرضان قلبيَّان، والعقيدة محلُّها الأصلي هو القلب، فبان بهذا أنَّ تصحيحَ العقيدة هو مبدأ الإصلاح، وهذا أولى ما اشتغل به المسلمون، حتى لو أنَّ عدوّاً قويّاً غاشِماً أرادهم بسوءٍ لردَّه الله خاسئاً، ولو جَمَع له مَن بين المشرق والمغرب، قال الله تعالى: فقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَف (البقرة : 942)· تحذير ليكن القارئُ الكريم على حَذَرِ مِمَّن يُملي عليهم منهجُهم الإغضاءَ على الأخطاء العَقديَّة، ويُملي عليهم سوءُ أدبِهم مع كلام الله أن يضربوا لله الأمثالَ على نقضِ ما نحن بصدده، بزعم أنَّ المسلمين في تاريخ كذا ثد ظفروا بالنَّصرِ على عدوِّهم مع أنَّ عقيدَتَهم كانت مخالفةً لعقيدة المهاجرين والأنصار ···!! والحقيقةُ أنَّه لا يصدرُ مثلُ هذا إلاَّ مِمَّن ضعُف يقينُهم في صدقِ كلام الله -وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ-، وهؤلاء لا يُفرِّقون بين النصر الحقيقيّ والاستدراج الذي هو هزيمة في حقيقته، قال الله تعالى: -فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ · وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين ٌ(القلم: 44 - 54)، والله العاصم· العدة الإيمانية أسبق وإنّني أريد أن أُنبِّه إخواني على أنَّ البدءَ بتحقيق العُدَّة الأولى - أعني العُدَّةَ الإيمانية - هو الأصل، وهذا أولى ما ينبغي أن يهتمَّ به المسلمون؛ لأنَّها سابقةٌ لتلك؛ ألا ترى كيف نهى اللهُ المؤمنين في أولِ الأمر عن التوجُّه العسكري وأمرَهم بالتوجُّه التعبدي فقال: -أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ- (النساء : 77)، فأمرهم الله عزَّ وجلَّ إبَّان نزول آيات التوحيد بتحقيق حقوق التوحيد، وهي الصلاة والزكاة، فالصلاةُ مابين العبد وربِّه، والزكاة ما بين العبد وأخيه· ولا معنى لقوَّةٍ ماديَّة إذا أقفرَت القلوب من تقوى الله عزَّ وجلَّ، وقد قيل: إنَّما السَّيفُ بضاربه· وقال الشاعر: إذا لم يكن للسَّيف قلبٌ وراءه فما السيف إلاَّ غَمْدُه والحمائلُ وقال الآخر: تقلَّدَتْنِي الليالي وهي مدبرةٌ كأنَّني صارمٌ في كفِّ منهزمِ بل قد تكون الكلمة النَّابعة من قلب المؤمن بقوَّةٍ ويقينأنكى في العودِّ من السَّيف المُصلت، فعن جابر بن عبد الله قال: '' قاتَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحاربَ خَصَفَة بنخلٍ، فرأوا من المسلمين غِرَّة، فجاء رجلٌ منهم يُقال له: غَوْرَث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال: مَن يمنعُك منّي؟ قال: الله! فسقط السَّيف من يدهِ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَن يمنعُك منّي؟ قال: كنْ كخير آخِذ، قال: أتشهد أن لا إله إلاَّ الله؟ قال: لا، ولكنِّي أُعاهِدك أن لا أُقاتِلَك، ولا أكون مع قومٍ يُقاتِلونك، فخلَّى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابِه، قال: قد جئتُكم مِن عند خير الناس س· أخرجه أحمد واللفظ له، والبخاري ومسلم· كونوا أولياء الله تنصروا لو لَم يكن المسلمون بمثابة الغُثاء، وإنَّما كانوا أصحابَ إيمانٍ حقيقةً، فاهْتَبَلَ الشيطانُ غفلتَهم البشرية، وحرَّك مِن أنفسهم العُجبَ بكثرتهم، لَم يحالفْهم النَّصرُ كما حصل ذلك لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، حتى قال الله تعالى: ''لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين''· َ(التوبة : 52)· وهذا درسٌ بليغ، وحجَّة دامغة لِمَن يهتمُّون بالتجميع وصفوفهم مهزوزةٌ بالخلاف العقدي والتمزُّق الطائفيِّ البدعي، فإن الحديثَ السابق قد بيَّن بنصِّه أنَّ فساد القلوب - التي هي المحلُّ الأصليُّ للعقيدة - بحبِّ الدنيا وكراهية الموت يُحرِم أهلّها من رهبة عدوِّها منها، فكيف بالنَّصر؟! وأمَّا الآيةُ الأخيرة، فقد بيَّنت أنَّ الذينّ حقَّقوا الإيمانّ، لكنَّهم غفلوا لحظةً من جهادهم غفلةً ما عن ربِّهم فمُنُوا بالهزيمة، ولولا أنَّ الله عزَّ وجلَّ رأى منهم الصدق في المبدأ والأوبةَ في المنتهى لطال الأمرُ، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً· فكيف يطع في النَّصر من استدام الغفلةَ عن الله، بل استثقل الحديثَ عن التوحيد الذي هو حقُّ الله، بل استحلَّ الخروجَ عن عقيدةِ السَّلف، ورَكَن إلى فلسفة مّن خَلَف؟! ونقول لمن يكره هذ اللّغة، ويحسبها تثبيطاً: مهلاً مهلاً؛ فإنَّ غُثائيَتَكم - ولو كانت حركيثَّةً - لا تزيد المسملين إلاَّ وَهْناً وَهْناً! والأغرب في هذا أنَّ الذين يرون أنفسهم مهمومين بالقضيّة الإسلامَّة دون غيرهم إذا سُئِلوا عن عقيدةِ مَن يَدْعمون مِمَّن يُسمُّونهم (مجاهدين!)، قالوا: ليس الوقتُ وقتَ السُّؤالِ عن هذا؛ لأنَّهم - حسب فلسفتهم الميكافيليَّة - يُذَبَّحون وأنتم تسألون عن تديُّنهم؟!! ولم ينتبهوا إلى أنَّ الله سلَّط عليهم من يُذَبِّحُهم بسبب ذنوبهم، ولو كانوا صالحين لولاذهم ربُّهم، وما تركَهم نهباً لعدوِّه وعدوِّهم، ففي القرآن: -إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ- (الأعراف : 691)· وهذا الجواب الذي يجنزّه الحركيّون على بكرةِ أبيهم أضحى عندهم - على اختلافهم - كالإِرثِ المُشاع، وترك المسلمين قِصاعاً بين جِياعٍ، ولا يكادون يدخلون معركةً اليومَ إلاَّ خرجوا منها مهزومين، وأكَّدُوا للكفَّار أن لا ناصرَ للمسلمين، فلم يشكَّ الكفَّارُ أنَّ دينَ المسملين كذِبٌ، فأيُّ جِنايةٍ على الإسلام والمسلمين أعظمُ مِن هذه؟! سبيل الولاية بالرجوع إلى الدين الصحيح إذا كان حديثُ ثوبانَ السَّابق قد شخَّص الدَّاءَ، وذلك بقوله: ''حب الدنيا وكراهية الموتز، فإنَّ في حديثِ ابنِ عمرَ الآتي وصفاً وافياً للدّواء، فعن ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سإذا تبايعْتُم بالعِينَة، ورضِيتُم بالزَّرع، واتَّبعْتُم أذْنابَ البقَر، وتركْتُم الجهادَ، سلَّط اللهُ عليكم ذُلاًّ لاَ ينزِعُه عنكُم حتَّى ترجِعوا إلى دِينِكمس رواه أحمدُ وأبو داودَ، وهو حسنٌ· وهاهنا فائدتان: الأولى: أنَّ هذا الحديثَ لم يخرجْ بتفصيله للأدواء عمَّا في حديثِ ثوبان، لأنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: ''إذا تبايعتم بالعينةس إلى قوله: ''واتَّبعْتُم أذناب البقرس هو تفصيلٌ لقوله المجمل: ''حُبُّ الدنيا س· وقولُه صلى الله عليه وسلم: '' تركتم الجهاد س هو المُسبَّبُ عن قوله صلى الله عليه وسلم: '' كراهية الموت س، كما قال الله عزَّ وجلَّ: -يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ- (التوبة : 83)، فتأمَّلْ لفظَ الحديثين، فقد خرجَا من مِشكاةٍ واحدةٍ· الثانية: أنَّ النّاس قد اختلفوا في معالجة هذه الأدواء المذكور، فمنهم من يرى الحلَّ السياسيّ، ومنهم من يرى الحلَّ الدَّمَويّ، ومنهم من يرى الحلَّ الحضاريّ، ومنهم ··· ومنهم ··· وأمَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك الحلَّ الدينيّ الدَعَويّ التربويّ؛ لأنَّ النّاسَ إذا تديَّنوا بدين الحقّ، وعملوا بسنَّة سيِّد الخلق، صلُحَ أمرُهم جميعاً، وأمَّا إذا تخلَّفوا عن الرجوع إلى دينهم، فإنَّه حريٌّ بهم أن يجبُنوا عن تحقيق بقيُّة الحلول، ولذلك كان أهلُ السُّنَّة السلفيُّون أولى النّاس برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأسعدَهم بدعوته، لِما يدْأَبون عليه من تعليم الناس الهُدى والصبَّر على ذلك، حتَّى يريهم الله من قومهم استجابةً غالبةً، ''وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ · بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيم''· (الروم: 4 - 5)، وأمَّا إن لم يُستجَبْ لهم، لا سِيمَا في دعوة التوحيد، فإنَّهم صابرون على هذا الطريق لا ينحرفون عنه حتَّى يلْقَوُا اللهَ على الرَّبَّانيَّة التي قال الله فيها: -وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ- (آل عمران: 97)· ولهذا لم يصحّ اجتهادُ أصحاب الحلول السياسيّة أو الدّمويّة أو الحضاريّة أو غيرها، مع قوله صلى الله عليه وسلم الصريح: ''حتى ترجعوا إلى دِينِكم س، ولا سبيل إلى الرجوع إلى الدّين إلاَّ بتعَلُّمِه، فعاذ الأمرُ إلى التّعليم، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: '' إنَّما العلمُ بالتَّعلُّم، والحِلمُ بالتَّحلُّم س رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو صحيحٌ·