يعتقد الدكتور عمار محند عامر، أن جيش الحدود ساهم في وصول أحمد بن بلة إلى السلطة، لكنه لم يستول عليها. وأضاف عامر، وهو باحث بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية ''كراسك'' وهران، أن كل الفعاليات السياسية اعترفت في نهاية الأمر بالمكتب السياسي المؤسس في تلمسان يوم 22 جويلية 1962، وهو ما يعطي النظام آنذاك شرعية لا غبار عليها. منذ الاستقلال ونحن نردد أن جيش الحدود هو من ساعد بن بلة على الاستيلاء على السلطة، وأنتم ترون العكس، كيف توصلتم إلى هذا الاستنتاج؟ بداية، أريد أن أقدم التوضيح التالي، وهو أنه على غرار قوات سياسية وعسكرية أخرى، ساهم جيش الحدود في وصول أحمد بن بلة إلى السلطة وليس الاستيلاء عليها، لكن ذلك كان في نطاق تحالف سياسي بحت، وفي إطار ما يسمى بجماعة تلمسان التي كان أبرز روادها بن بلة، الزعيم الطبيعي، إضافة إلى فرحات عباس، باعتباره الضمان المعنوي لهذه المجموعة، وكذا محمد خيدر ورابح بيطاط، المحسوبين على الشرعية التاريخية النوفمبرية، بينما الطرف العسكري لهذا التحالف والذي يصدره جيش الحدود لم يكن له دور أساسي في تلك الفترة أي في شهري جويلية وأوت، لأن الإشكال القائم آنذا ك بين الأطراف المتنازعة على السلطة كان سياسيا وتم حله بطرق سلمية. أولا، باعتراف كل المسؤولين لجبهة التحرير الوطني دون استثناء، المدنيون والعسكريون، بالمكتب السياسي المؤسس بتلمسان يوم22 جويلية1962 وليس بطرابلس في شهر جوان، والذي يخلو من القادة العسكريين، سواء من جيش الحدود أو ممثلين من الولايات السبعة. ثانيا، بتزكية هذا الاعتراف من طرف جماعة تيزي وزو، أي محمد بوضياف، كريم بلقاسم ومحند ولحاج، قائد الولاية الثالثة، وذلك بالاتفاق التاريخي المبرم بين الجماعتين في الجزائر العاصمة يوم 2 أوت، والذي سمح لأعضاء المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني، باستثناء حسين أيت احمد، أن يجعلوا من ''فيلا جولي'' مبنى ومصدر السلطة في تلك الفترة. فدور جيش الحدود في أزمة صيف 1962 يبدأ في الأيام الأولى لشهر سبتمبر، بأمر من المكتب السياسي، من دون بوضياف، لما قهرت قواته الهائلة عدٌة ورجالا، الولاية الرابعة التي عارضت بن بلة وأسلوبه في إدارة شؤون البلاد. وكيف تم نسج هذه الأسطورة التي تعيدون فيها النظر اليوم؟ التاريخ الرسمي، الملحمي، الأسطوري.. يكتبه الفائزون. فجيش الحدود هو الذي استحوذ على الحكم، فكتب تاريخا على مقاسه، حيث أعطى أهمية للأحداث وهمّش صنّاعها. والحصيلة، الآن، وجود مغالطات كبيرة وأخطاء شائعة جسيمة متداولة عند العامة والخاصة. وسبب آخر لهذه الحالة المزرية، هو عَجْز كبير في مجال البحث الأكاديمي. ينقص الجامعة الجزائرية مئات من الباحثين الجدّيين في تاريخ الحركة الوطنية وحرب التحرير الوطني. هل معنى هذا أن بن بلة وصل إلى السلطة بطريقة ديمقراطية؟ دون شك.. بن بلة كان براغماتيا في هذه الأزمة، حيث نجح، في آخر المطاف، أن يجمع حول اسمه وشخصه عددا كبيرا من الفاعلين السياسيين والعسكريين. وما يعاب عليه هو وكل من ساندوه، تهشيش المؤسسات الموروثة من الحرب، الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والمجلس الوطني للثورة الجزائرية، التي، رغم الأزمات الكبيرة والشائكة التي واجهتها، وصلت بالثورة التحريرية إلى مبتغاها. أمٌا جماعة تلمسان والمكتب السياسي، فلم يفلحا في إرساء مؤسسات قوية ودائمة. فتجربة جماعة تلمسان هي، حقيقة، انتهت بانقلاب السلطة العسكرية على السلطة المدنية يوم 19 جوان .1965 هل يمكن القول إن مثل هذه الأساطير هي نتاج تسييس تاريخ حرب التحرير، وخضوعه لمنطق الصراع بين الأشخاص؟ التاريخ الوطني حبيس السياسة ورهانات الذاكرة ومازال يلعب دورا لا يتماشى مع مهامه الطبيعية العلمية المعرفية.. إنه حبيس ورهينة في نفس الوقت، لأن مسألة فتح أرشيف حرب التحرير مازالت عالقة. هذه الوضعية تشجع كتابة تاريخية محدودة وتمنع تجديدها.