يقول الله سبحانه وتعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} هود: 112.113 المتأمّل في هذه السورة العظيمة يلحظ فيها بجلاء كثرة الخطاب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومنها هذه الآية الكريمة {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}. وقد ورد في شأن الاستقامة قوله سبحانه أيضًا: {واسْتَقِمْ كما أُمِرْتَ ولا تَتَّبِعَ أهْوَاءَهُم} الشورى: 15، وقوله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ إْلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} فصلت: 6، وقوله تعالى: {وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} الجن: .16 والاستقامة تعني السَّداد والاعتدال، وتعني أيضًا: تجنُّب الإفراط والتّفريط في الأمور كلّها، وتعني أيضًا: إقامة التّكاليف، والتزام شرع الله أمرًا ونهيًا. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة، أن تستقيم على الأمر والنّهي، ولا تروغ روغان الثعلب. وقد قام سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإسداء النُّصح بلزومها لمَن سأله عن قول فصل يصلح به جماع أمره، حيث جاء في الصّحيح: أنّ سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قُل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قل: ''آمنتُ بالله، ثمّ استقم'' أخرجه مسلم. روي أنّ بعض العلماء رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النّوم، فقال له: يا رسول الله! بلغنا عنك أنّك قلت: شيّبتني هود وأخواتها، فما الّذي شيّبك منها: قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ فقال له: لا، ولكن قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} هود: .112 قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: ووُجّه الأمر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ تنويهًا بشأنه، ليبني عليه قوله {كَمَا أُمِرْت}، فيُشير إلى أنّه المُتلقّي للأوامر الشّرعية ابتداء. وهذا تنويه له بمقام رسالته، ثمّ أُعلم بخطاب أمّته بذلك بقوله {وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}. وقد وردت بعض الأحاديث والآثار المتعلقة بقوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، من ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنّه قال: ما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية أشدّ من هذه الآية، ولا أشقّ، يعني قوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}. وعن سفيان الثوري في قوله تعالى {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت}، قال: ''استقم على القرآن'' رواه الطبراني. وما رواه الدارمي عن بعضهم، قال: دخلتُ على ابن عباس رضي الله عنه، فقلت: أوصني! فقال: ''نعم، عليك بتقوى الله والاستقامة، اتّبع ولا تبتدع''. ومنها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري، أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، قال: ''شَمِّرُوا، شَمِّرُوا''، وما رُئي بعدها ضاحكًا. ويكفي في بيان عظم أهمّيتها، قوله صلّى الله عليه وسلّم، لمّا سأله الصحابي أبو عَمْرَةَ الثقفي عن أمر يعتصم به، فأجابه صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ''قل: ربّي الله، ثمّ استقم'' رواه الترمذي.