عندما اشتد البرد في الأيام الأخيرة ازداد الطلب على قارورات غاز البوتان، والأمر عادي جدا، لكن ما حدث أن مواطنين، ممن يستعملون هذه الطاقة في غياب الغاز الطبيعي، سيما في البلديات الغربية لولاية الطارف، طرحوا مشكلة قارورات غاز البوتان التي تقوم بتعبئتها وحدة خاصة تقع بولاية فالمة. هؤلاء المواطنون أكّدوا، في شكاوى كثيرة حملوها إلى ''الخبر''، أن تلك القارورات لا تستجيب للمقاييس، كنفاد الغاز منها بسرعة ''البرق''، واحتوائها على كمية من الماء، وغياب الرائحة في حال تسرب الغاز، وبعض الملاحظات الأخرى، كانت كافية لنتحرّك للتحقيق في الأمر، سيما وأن الأمر يتعلق بأمن وسلامة وحياة مواطنين. فنّد المدير العام لمؤسسة ''الفجر'' لتعبئة قارورات غاز البوتان بفالمة خرق المواصفات التقنية والنوعية في المنتوج، وذلك بعد أن تطرقت ''الخبر'' لشكاوى زبائن من محلات وعائلات تتحدث عن نفاد مادة الغاز بسرعة من القارورة، واحتواء الأخيرة على كمية من المياه وخلو الغاز من الرائحة المميزة. وقائع هذه الإشكالية طفت إلى السطح، بعد معالجة ''الخبر'' لموضوع تضمّن تصريحات بعض الزبائن، من العائلات ومحلات الأطعمة السريعة والأفراد، يشتكون فيها من سرعة نفاد محتوى قارورات غاز البوتان التي تروّج في البلديات الغربية بولاية الطارف، وهي الشط، بن مهيدي، البسباس، الذرعان سيدي مبارك، شبيطة مختار، داغوسة والقرى التي تقع بأقاليمها، ويشككون، بذلك، في احترام مؤسسة ''الفجر''، بعين بن البيضاء بإقليم ولاية فالمة، للوزن المعمول به، رسميا، في القارورة الواحدة، زيادة على ملاحظة أخرى تتعلق بكون المنتوج به نسبة مياه تخرج من القارورات وتتسبب في توقفها، وكذا عدم إضافة المادة التي تميز غاز البوتان، قصد تجنب الحوادث الخطيرة في حالات التسرب، والتي قد تتسبب في حصد أرواح بشرية، وأن هذه الإشكاليات تطرح، بقوة، في الظروف السيئة للأحوال الجوية، حيث مازالت بعض العائلات والمحلات التجارية ومستودعات الدواجن تعتمد عليه، نتيجة عدم ربطها بالغاز الطبيعي، وهي الشهادات التي تضمّنتها تصريحات بعض المواطنين من أصحاب المحلات التجارية، في مقابل تصريحات عكسية لأشخاص آخرين أرجعوا الأمر إلى حرمان العائلات من القارورات في الأرياف، لتوجّه إلى المطاعم ومستودعات البيض والدواجن، التي من المفروض أن تستعمل غاز البروبان. وقد استنفرت هذه الشكاوى كل المديريات المحلية بولاية فالمة وبعض المصالح الأمنية، في ظل تأكيد المؤسسة المعنية عدم استناد تلك التصريحات لأدلة علمية وقانونية ورسمية. وأمام هذا التضارب في وجهات النظر تقربت ''الخبر'' من المصالح المكلفة بالمراقبة، لسماع جميع الأطراف المتداخلة في عملية التموين بهذه المادة الإستراتيجية وتوزيعها. وزارة التجارة طلبت توضيحات والولاية شكّلت لجنة تحقيق فورية كشف مدير التجارة لولاية فالمة، في مقابلة مع ''الخبر''، أن الوزارة الوصية طلبت إجراء تحقيق فوري في هذه المعلومات، بالرغم من أن إجراءات المراقبة تتم بشكل دوري وعادي، باعتبار حساسية منتوج غاز البوتان على حياة المواطن. وقال المصدر ذاته: ''شكّلنا فور نشر هذه المعلومات لجنة مختلطة مع مديرية الطاقة والمناجم، وبصفة عامة لم نسجل أي شكوى رسمية.. وبخصوص الوزن، فإن الوحدة تمتلك تجهيزات وزن إلكترونية لا تقبل تحويل القارورة على سلسلة الخروج النهائي إلا في حال احترام الكمية، وهي 12 كغ للقارورة و13 كغ من غاز البوتان. ثانيا أن المؤسسة حائزة، بتاريخ 11 جانفي 2013، على شهادة مطابقة لأجهزة قياس الوزن من فرع الديوان الوطني للقياسات القانونية المتواجد بالولاية''. وأوضح المسؤول ذاته أن عمال الوحدة، وكل المشرفين عليها، لا دخل لهم في مكونات المنتوج، وحتى الرائحة المميزة، التي تسهل الإنذار بالتسربات، تدخل،أصلا، في إنتاج مصالح ''نفطال'' بسكيكدة، التي تموّن مؤسسة الإنتاج ''الفجر''. ولم يتم التوصل، من خلال تحقيق مشترك لهيئات التفتيش لمديريتي التجارة والمناجم، لأي خروقات، حتى على مستوى الأسعار، فالمؤسسة تسوق المنتوج للموزعين أو البلديات ب50, 161 دينار، ليصل المواطن، من تجار التجزئة، بالسعر القانوني. وأكد مدير التجارة لولاية فالمة بأن هذه الوحدة، أو غيرها من الوحدات، تخضع لدوريات منتظمة ودورية لفرق التفتيش، سواء المختلطة مع المصالح الأخرى، أو الخاصة بمديرية التجارة في إطار قمع الغش والتلاعب بمصلحة المستهلكين، ''لأننا نقف بالمرصاد لهذه الممارسات التي لن نترك فيها مجالا للتسامح''، وهي المعلومات نفسها التي طرحتها مديرية الطاقة والمناجم بعد إتمام زيارة التفتيش والتحقيق. الحماية المدنية: سجّلنا 11 حادثا خفيفا والسبب سوء الاستعمال كشفت مديرية الحماية المدنية بولاية الطارف أنها سجلت، سنة 2012 ، سقف 11 حادث تسرب بسيط، لم يؤد إلى حالة وفاة أو إصابات خطيرة، وأوضحت المصلحة ذاتها أن الأمر يتعلق، فقط، ب7 حالات لهذه المؤسسة المنتجة لقارورات غاز البوتان. وبحسب ما تأكد للمصالح نفسها، فإن سوء استعمال القارورة، وأمكنة ربطها بأي معدات تدفئة وطهي، يقف وراء هذه الحالات التي تعد استثناء، وليست مقياسا لتعميم فكرة خرق شروط المطابقة من قِبل المؤسسة، مثلما تحدث عنه بعض المواطنون. الدرك يؤكد سلبية التحقيق وينفي تقدّم أي طرف بشكوى قال قائد مجموعة الدرك الوطني بولاية فالمة، قانة بن عودة، إن فرقة الدرك الوطني تلقت معلومات بشأن هذه المشكلة، وفتحت إجراءات للبحث والتحري في معلومات خرق شروط المطابقة وتهديد حياة المواطن، من خلال ترويج قارورات غاز البوتان. وأكد المسؤول الأمني أن الجهة الأمنية ذاتها لم تتلق أي شكوى لأطراف متضررة تسببت فيها قارورات غاز البوتان، التي مصدرها مؤسسة ''الفجر'' بعين بن البيضاء، أو أي متعامل آخر خاص أو عمومي، وأضاف أنه بالرغم من ذلك أخذت القضية على محمل الجد، وأتمت فرقة الدرك الوطني تعميق إجراءات البحث والتحري لدى الوحدة والتقرب من المواطنين، ولم تسجل أي خروقات قانونية قد تهدد أمن وسلامة المواطن من خلال تسريبات غازية أو تلاعب بالأسعار، أو أي شكل من أشكال الاحتكار التي يعاقب عليها القانون. مدير مؤسسة ''الفجر'' يفنّد خرق المواصفات في المنتوج في رده على هذه الانشغالات المطروحة قال مدير مؤسسة ''الفجر''، بن عمارة، في مقر وحدته بعين بن البيضاء بطريق النوادرية في ولاية فالمة، إن مؤسسته لم تتلق، إلى غاية اليوم، أي شكوى رسمية من قِبل الزبائن بكل فئاتهم (المحلات التجارية أو العائلات)، منذ أن انطلقت الوحدة في التعبئة سنة 2004 ، وبعد أن تحصلت على اعتماد رسمي من وزارة الطاقة والمناجم، ويقول إن ''دفتر شروط واضح ودقيق يعتبرنا كمنتجين، ولسنا مجرد وسائط لتقديم الخدمات، وبالرغم من تعرضنا لعدة ضغوطات وعراقيل بيروقراطية حققنا إنتاج 4800 قارورة يوميا، ونموّن، فعلا، البلديات الغربية لولاية الطارف، وبعض بلديات ولايتي فالمة وعنابة''. وتطرق المتحدث ذاته إلى أن هذه الوحدة تعتمد، حاليا، على غرار 31 وحدة أخرى موجودة على مستوى التراب الوطني، في التموّن بغاز البوتان على نفطال سكيكدة، بمعدل 60 طنا يوميا، عدا في حالات الأزمة والندرة، أي حسب وتيرة ارتفاع الطلب والسوق، و''رفعنا التحدي لتكوين حظيرة مخزون قارورات خاصة بالوحدة، تقدر ب11 ألف قارورة، اقتُنيت من مؤسسة إنتاج القارورات بباتنة ''قاب''، و4 آلاف قارورة أخرى مؤجرة من نفطال ندفع عنها 21 دينارا لدورة التوزيع الواحدة تسدد فوريا''. وقال بن عمارة: ''وقد استمرت العراقيل بداية من منعنا، في بداية الأمر، من تعبئة قارورة الغاز التي تحمل العلامة التجارية للمؤسسة والمورّدة من مصنع باتنة، وتمادت نفطال في ذلك بمنع الاستعمال العكسي، أي منع الوحدات ال14 من تعبئة قارورة نفطال والعكس، أي أن نفطال ذاتها تمتنع عن تعبئة قارورات الخواص''. وفيما تعلق بترويج معلومات عن خروقات في مطابقة المواصفات كذّب مدير المؤسسة إمكانية تغيير تركيبة المنتوج، لأنه يأتي في شاحنات ذات صهاريج من آخر التكنولوجيات ويفرّغ في أجهزة ضغط ترفض كل مادة غير مطابقة، كما إن معدات الوزن لا تقبل التلاعب بوزن 13 كغ من المادة، إضافة إلى 12 كلغ كوزن للقارورة. وسمحت جولتنا في أجنحة الوحدة بمعاينة سلسلة الإنتاج التي تتوفر على أحدث تجهيزات الإنذار والأمن. كما أشار بعض المشرفين التقنيين في عين المكان إلى أن حياة الزبون أغلى من كل شيء، ''لقد استبعدنا قرابة ال2000 قارورة من التعبئة والاستعمال لتجنب الحوادث، غير أن أغلبتها من قارورات نفطال''، يقول هؤلاء. وبخصوص المادة التي تميز غاز البوتان، قال مسؤول الإنتاج بالوحدة: ''نحن لا نضيف أي مادة، نحن نأتي بالمنتوج ونقوم بالتعبئة فقط، أي أنه في حال سُجل نقص في المادة، فيجب أن يوجه السؤال إلى نفطال سكيكدة، وهو أمر غير موجود أصلا''. وقال مسؤولو وحدة التعبئة: ''إن كانت هناك حوادث بسيطة فالمؤسسة غير مسؤولة عن كيفية استعمال الزبون للقارورة.. فهناك مثلا محلات تجارية تسخّن القارورة في الماء الساخن وتستغلها دون جهاز المد ''التوندور'' وأنابيب بلاستيكية قديمة.. نحن نحرص، دائما، على صمامات القارورة وتكرار خبرة التسربات من الأقفال إلى جميع الأجزاء''، متسائلين عن ''خلفيات ترويج هذه الشائعات، بالرغم أننا متواجدون بالمنتوج على مستوى 3 ولايات لم تصدر منها شكاوى رسمية''. قارورات ''نفطال'' تجاوز عمرها 30 سنة ولم تُسحب من دورة التوزيع سمحت لنا جولتنا في حظيرة مؤسسة ''الفجر'' بأن نقف على قرار المؤسسة، المتضمن استبعاد أكثر من 1500 قارورة من دورة التوزيع، 80 بالمائة منها من تلك التي تحمل علامة ''نفطال''، وفيها قارورات تعود إلى سنوات 1976 و1977 و1978 و1979 ، وتعرضت إلى صدمات كثيرة، من خلال رطمها بالأرض ونقلها، وتهشمت حتى أقفالها، وتعرضت نوعا ما للتآكل، حتى على مستوى حيز تعبئة غاز البوتان. وقد انتقد صاحب المؤسسة إلزامه، من خلال العقد رقم 5، على تحمل نفقات تأجير هذه القارورات، في مقابل أن الوحدة تبذل مجهودات كبيرة لتقديم خدمة رفيعة للزبون، من خلال الحرص على حياته واستثمار أموال ضخمة في معدات النقل والتعبئة والتخزين والأمن والإنذار. وتُطرح، حاليا، على مستوى ''نفطال'' إشكالية مدى فعالية إجراء الخبرات بصفة منتظمة على القارورات المستغلة، والتي لا تزال في دورة التوزيع، بحيث يقف المواطن على مستوى الولايات ال48 على قارورات كان من المفروض الإسراع في تحرير محضر إتلافها، بالنظر إلى العمر الاستعمالي الذي تجاوز نصف قرن بعشر سنوات، بينما يتعرض الخواص إلى ضغوط بالرغم من حيازتهم لقارورات مصنوعة في مصنع باتنة، طبقا لمواصفات عالمية، وتصدّر إلى دول كثيرة في العالم.