أمر الرئيس بوتفليقة حكومته ببناء ثلاث جامعات في الطب بكل من بشار والأغواط وورفلة، وكأن بطالي الجنوب في حاجة إلى جامعات ''طبية'' حتى يوقفوا حركتهم الاحتجاجية... هذه الخطوة على غرابتها تعني أن السلطة مصرة على مواصلة نفس السياسة التي لم توصل الجامعة الجزائرية إلى الحضيض فقط، وإنما أوصلتها إلى المستوى الذي لم تعد فيه مصنفة ولو في ذيل ترتيب مختلف جامعات العالم... نعم جامعتنا اليوم موجودة خارج التصنيف العالمي، وهو ما يعني أنها من غير مستوى، وليست ذات مستوى ضعيف ومتدن وضحل فقط. قبل هذا الأمر الرئاسي... كان كل عاقل في هذا البلد يستغرب وجود جامعة في الجزائر العاصمة وأخرى في البليدة وثالثة في بومرداس ورابعة في تيزي وزو... وقبل هذا الأمر الرئاسي كل صاحب عقل يحتار في تفسير إقامة جامعة في وهران وأخرى في تلمسان وأخرى في بلعباس ورابعة في تيارت، وكان يضحك كذلك من انتشار ثلاث جامعات في كل من المسيلة وبرج بوعريريج وسطيف، ولا داعي للحديث عن جامعات أخرى في بسكرة وباتنة وما جاورهما من ولايات مجاورة لحوض سطيف البرج المسيلة... أمام هذا المنطق الساذج، هل بقي لنا أن نستغرب مطالبة أحد نواب ولاية بسكرة الوزير الأول عبد المالك سلال، أثناء مناقشة برنامج حكومته، بإقامة جامعة ببلديته، وإن لم تخني الذاكرة هي بلدية أولاد جلال؟ وكنتيجة لهذه السياسة التي لا يمكن تصنيفها في أي خانة، نبهني صديق إلى أن كل الطلبة الذين سجلوا هذا الموسم بجامعة العلوم السياسية بالجزائر هم من أبناء العاصمة، ولأني لم أصدقه سألته عن السبب، فقال لي بأن فروع العلوم السياسية أصبحت موجودة بكل الجامعات، والجامعات أصبحت منتشرة بكل الولايات، وكل طالب مجبر على تسجيل نفسه في جامعة ولايته.. فهل هذا معقول؟ لمسؤولينا نقول إن الجامعة ليست مدرسة ابتدائية حتى تبنى في كل مكان، والجزائر في حاجة إلى جامعة كبرى وضخمة واحدة في جنوبنا الكبير، ولتكن جامعة في الطب، وفي حاجة إلى جامعة كبرى وضخمة أخرى في شرق البلاد، ولتكن متخصصة في العلوم الإنسانية أو أي تخصص آخر، وفي حاجة كذلك إلى جامعتين كبيرتين وضخمتين، واحدة في عاصمة البلاد وثانية في غربها، وإذا ما فرضت الضرورة استحداث فرع لجامعة الجنوب في تندوف أو إليزي أو الوادي أو تمنراست أو بشار فليكن، والأمر ينسحب بطبيعة الحال على بقية جامعات الشرق والغرب والوسط... هل انتبه مسؤولونا إلى أن سياساتهم في مجال التعليم العالي ستجبر غالبية أبناء الجزائر على أن يقضوا حياتهم من الولادة إلى الممات في نفس المنطقة التي ولدوا بها، وهذا لأنهم يزاولون دراستهم الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية بولاياتهم. أخطر من هذا وذاك... مثلما تتباهى سلطتنا الموقرة ببناء جامعة في كل ولاية، فقد تباهت وتغنت في وقت سابق بجزأرة التدريس داخل جامعاتنا، وهي سياسة لم تقدم عليها لا الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لم تؤمرك جامعاتها، بل عملت وتعمل على استقطاب كل الكفاءات من كل بلدان العالم، ولم تقدم عليها لا فرنسا ولا بريطانيا ولا ألمانيا التي لم تفكر في فرنسة أو أبرطنة أو ألمنة جامعاتها، فأي ذكاء خارق هذا الذي يتميز به حكامنا؟ [email protected]