لا شيء بإمكانه الدوام في هذا العالم السفلي. كلنا نعرف أننا مجرد كائنات، مصيرها الزوال. لكن، لما يغادرنا كائن غال ويسبقنا، يغمرنا الحزن. ها قد مرت سنة على رحيل والدي، أحمد بن بلة. سنة تمر في لمح البصر، وكأن ذلك حدث بالأمس. كان عليّ قبول فراق والدي، فذلك مكتوب ومقدر. إنها الوضعية البشرية. لكن والدي لم يكن والدي فقط، فهو والد كثير من الأحداث التاريخية التي عرفتها الجزائر. كان أحمد بن بلة. لقد ارتبط اسمه بالجزائر بشكل حميمي، ولذلك استحق كل جزائري جزءا منه. والدي الذي أشهد على لطفه وكرمه، كان رجلا عاديا يشبه كل الرجال. المقرّبون منه، هؤلاء الذين كانوا يتعاملون معه يوميا، يعرفون ميوله لمساندة المستضعفين، والوقوف إلى جانب الشعب البسيط الذي تربطه به جذوره الشعبية والفلاحية، والتي جعلته يكتسب إحساسا بالألم تجاه الظلم، هذه الكلمة الفظيعة التي كان يعرف مغزاها، أكثر من أي شخص آخر. سيتذكرون التواضع المطلق لهذا الرجل تجاه مصيره وتجاه زملائه، والذي لم يبخل يوما من وقته تجاه أي كان. وهو من كان يتناقش ويتبادل وجهات النظر حول أي لاعب كرة كبير مع أشخاص يلتقي بهم صدفة، أو إصراره على فرض زين الدين زيدان فوق الجميع، على هرم مجد الرياضة، ونفس الشيء بالنسبة لميسي، ومارادونا، وآخرين. لكن في ذكرى رحيله الأولى، يحتفظ رجال من جيله، من طينة هؤلاء المهووسين بمبادئ المساواة التي تبرز ضمن المبادئ المؤسسة لثورة أول نوفمبر، بذكرى كونه كان أول رئيس للجمهورية الجزائرية. وكان بمثابة رئيس واجه عند مطلع الاستقلال وفي ظروف قاسية، وبأياد فارغة، الخطوات الأولى لشعب فقير، عانى من ويلات الحرب. لقد كان مناضلا صادقا، عرف كيف يحفظ وحدة التراب الوطني، في وقت كانت فيه الجزائر مهدّدة بأن تعرف مرحلة شبيهة بتلك التي عرفتها ''الكونغو'' آنذاك. كان بن بلة ثوريا، وضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، وقد تجاوز نضاله ضد الظلم حدود الجزائر. ولم يتوقف عن استنكار الاستعمار، والحرب الإمبريالية، والمجاعة عبر العالم، ونهب كوكب الأرض، بيتنا المشترك الذي وجد نفسه في خطر بسبب النظام العالمي الجائر والمفترس. لم يكن صوته مسموعا في الغالب، لكنه ظل إلى غاية آخر لحظة من حياته وفيا لأفكاره، جزائريا وسط الجزائريين، في السرّاء والضرّاء.. لقد استوقفته كل القضايا الإنسانية، بما في ذلك قضية المرأة. هذا المسلم المؤمن كان يدافع عن إسلام تنويري، ضد ''شياطين التخلف والايديولوجيات القاتلة''، وكان يرفض أطروحات هؤلاء الذين كانوا يعطون صورة متدهورة عن ديننا الحنيف. كان والدي ضد فكرة أن يحرّف أناس عاديون رسالة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم. بن بلة، يا رئيسي، نم هنيئا. لقد أنجزت مهمتك في هذا العالم. إليك، وإلى رفاقك، هؤلاء الشجعان، لنا كل الفخر، نحن النساء والرجال الأحرار. نم هنيئا، والدي العزيز. والخلود لشهدائنا الأبرار. إنا لله وإنا إليه راجعون.