أظهرت ردود الفعل السياسية إزاء لجنة تعديل الدستور، التي عينها رئيس الجمهورية، أن الأحزاب السياسية، خصوصا من جانب المعارضة، غير مرتاحة من تركيبة اللجنة ومما سوف تنتجه كمشروع دستور للبلاد. ولم تكتف بذلك، بل لوحت بتصعيد مواقفها إذا لم يستجب المشروع لمقترحاتها، وهو ما يعني أن الطبقة السياسية تنتظر السلطة في المنعرج لإقامة الحجة عليها، من خلال وثيقة مشروع تعديل الدستور الذي سيعلن عنه قريبا، بعدما سجلت خيبة أملها في قوانين الإصلاحات الماضية. فهل سيكون مشروع تعديل الدستور بمثابة القشة التي تحدث انقطاع الثقة كليا بين السلطة والمعارضة، وبالتالي إعادة رسم التوازنات السياسية المستقبلية التي تؤطر معركة رئاسيات 2014 والتحالفات الجديدة في الساحة الوطنية ؟ تحسبا لتعديل الدستور ورئاسيات 2014 السلطة تواصل إغراق الساحة بأحزاب جديدة تشهد الساحة، قبل كل استحقاق سياسي، ولادة عدد جديد من الأحزاب السياسية. وتطلق السلطة يدها في اعتماد تشكيلات جديدة، رغم حالة التشبع الكبير الذي تعرفه الساحة السياسية في الجزائر، والتجربة الخائبة للأحزاب الجديدة في الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة. أعلن الأسبوع الفارط عن ولادة خمسة أحزاب سياسية جديدة، توجد قيد التأسيس، وهي'' الجبهة الجزائرية للتنمية والحرية والعدالة - فضل -'' بقيادة الطيب ينون الإطار السابق في حزب جبهة التحرير الوطني، وحصل الحزب على اعتماده في 19 مارس الماضي، وحزب ''الحركة الوطنية للتواصل'' بقيادة عبد المجيد بوقفة الذي كان يقود حركة لدعم الرئيس بوتفليقة، وحزب ''الاتحاد من أجل التغيير والرقي'' بقيادة العضوة السابقة في المجلس الانتقالي زبيدة عسول، ويضم الحزب الجديد الذي عقد مؤتمره التأسيسي في الثالث أفريل الجاري بالعاصمة، نوابا منشقين عن حزب العمال، كما أعلن عن تأسيس ''الحزب الوطني للحرية والمساواة'' بقيادة كمال عياشي، الذي عقد مؤتمره التأسيسي في الرابع أفريل الجاري في العاصمة، إضافة إلى حزب ''التجديد والتنمية'' بقيادة الدكتور أسير طيبي الذي ينتظر اعتماده بعد عقد مؤتمره التأسيسي، وأصدر بيانا عبر فيه عن انشغاله من تأخر وزارة الداخلية في منحه الاعتماد. وتطرح هذه الأحزاب الجديدة نفسها في الساحة، رغم أن عددا من الأحزاب التي اعتمدت سابقا، بدأت تفكك نفسها، وبعضها قرر تجميد نشاطه كحالة ''جبهة التغيير''، خاصة أن هذه الأحزاب الجديدة لا تظهر من خلال بيانات تأسيسها المعلنة وأدبياتها السياسية عن أية أفكار مستجدة بشأن مقترحات حلحلة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، وتبدو استنساخا لبرامج وأفكار الأحزاب التقليدية النشطة حاليا، إضافة إلى افتقارها إلى البعد الإيديولوجي، وكون قياداتها مغمورة سياسيا وإعلاميا، وكانت على الأكثر في الصف الثالث أو الرابع في أحزابها التي انشقت عنها. والواضح أنه في الفترة نفسها من السنة الماضية ,2012 وقبل أشهر قليلة عن الانتخابات البرلمانية التي تلت بدء تطبيق قوانين الإصلاحات السياسية، أطلقت السلطة يدها في اعتماد الأحزاب السياسية بعد 13 سنة من الغلق السياسي، وكان واضحا أن السلطة كانت تستهدف، -تحت مبرر الانفتاح السياسي وتكريس حرية إنشاء الأحزاب - إغراق الساحة بأكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية، وتعويم المشهد السياسي حتى تجاوز عدد الأحزاب المعتمدة 50 حزبا، وهو ما خلق حالة من الالتباس الكبير في الانتخابات، أفضى إلى انتخاب برلمان مهتز المصداقية وفقا لما خلصت إليه اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات، والى مجالس محلية مهترئة. وبالصورة نفسها، وبالنظر إلى المواقف السياسية لقيادات الأحزاب الجديدة، تبدو غالبية الأحزاب الجديدة منخرطة في نفس المسعى، هذه المرة ليس لتكريس إصلاحات تصفها الأحزاب بأنها مغشوشة، لكنها تدخل في ''سياق البحث عن داعمين جدد للعهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة''، ولمشروع ''تعديل الدستور''، خاصة بعد موجة التمرد التي أبدتها أحزاب اعتمدتها السلطة بعد الإصلاحات السياسية، وتوجهها إلى رفض الانخراط في دعم العهدة الرابعة وتعديل الدستور.