بعدما انتهت سنة ,2012 هل ستكون السنة الجديدة المحطة التي سيكشف فيها بوتفليقة عن دستوره الجديد، خصوصا أنها سنة العدّ التنازلي لرئاسيات 2014؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح، ليس فقط لأن السلطة وعدت بذلك في 2012 ولم يتحقق لها ذلك، بل أيضا جراء انطلاق ترتيبات رئاسيات 2014 مبكرا من قبل الأجنحة داخل النظام وليس من طرف مرشحي المعارضة المحتملين، وهو مؤشر يفتح علامة استفهام كبيرة تتمثل في: هل الدستور الجديد سيولد من قبل الرئيس صاحب العهدة الرابعة؟ أم أن الرئيس المبرمج فوزه بعد سنة من الآن والذي بدأ بعزل أحمد أويحيى من سباقه، هو الذي سيصدر هذه الوثيقة التي توصف بأم القوانين؟ إن زحزحة موعد تعديل الدستور من سنة إلى أخرى، تقف وراءه أسباب على علاقة بصراع الأجنحة داخل النظام وليس مجرد تأخير تقني. 2013 سنة ''تعميق تغيير الدستور'' المؤجل منذ 14 سنة بوتفليقة متخوف من العزوف وحائر في المضمون قبل الاستفتاء على تعديل دستور ,1996 أطلق الرئيس السابق اليمين زروال استشارة موسّعة باتجاه الأحزاب وال شخصيات ومختلف التنظيمات، يطلب تصوّرهم لما ينبغي أن يكون عليه القانون الأعلى. وأجرت السلطة آنذاك عملية شرح وتوعية لحشد التأييد الشعبي، واستغرق ذلك شهورا من التحضيرات. حاليا لا يوجد في الأفق ما يفيد بأن البلاد مقبلة في 2013 على هذه الخطوات. لو نفّذ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الوعد الذي قطعه بمناسبة خطاب 15 أفريل ,2011 ستعرف البلاد استحقاقا خلال العام الجديد يسبق الانتخابات الرئاسية المنتظرة في ربيع العام المقبل، ويتعلق بالأمر باستفتاء حول ''تعديل دستوري عميق'' حسب تعهدات الرئيس الذي لم يخف، منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم، عدم رضاه عن دستور زروال، وأبدى رغبة في تعديله جذريا، ولكنه اكتفى بعد 14 سنة من ممارسة السلطة بتعديلين ''طفيفين''، أجراهما عن طريق البرلمان، أحدهما فتح به لنفسه الاستمرار في الرئاسة العام ,2008 والثاني أعطى بموجبه للأمازيغية صفة ''لغة وطنية''، وكان ذلك العام .2002 وتعهد الرئيس بإنشاء ''لجنة من الخبراء'' تتولى إعداد صياغة الدستور الجديد، ولكن بعد أكثر من 20 شهرا من هذا التعهد، لا أحد يعرف شيئا عن هذه اللجنة ولا أعضائها، بل سكت صاحب الشأن عن الموضوع، ما يوحي بأنه متردد. ويمكن إعطاء تفسيرين لهذا التردد. الأول أن الرئيس يخشى من نسبة تصويت ضعيفة تقل عن 50 بالمائة، وبعيدة عن التزكية الشعبية الواسعة التي نالها ''دستور التعددية'' في عهد الشاذلي بن جديد العام ,1989 ودستور زروال الذي فتح الباب للتداول على الرئاسة بالحد من الترشح لأكثر من عهدتين، وسوف يفهم ذلك على أنه صفعة لكل فترة حكمه، وإنقاص من شرعية الدولة في عهده. وما يعزز هذا الاحتمال، وجود شبه إجماع على أن العزوف كان من أبرز سمات الاستحقاقات الماضية. وفي حال كان ذلك مصير الاستفتاء المنتظر، معناه أن الشعب غير مقتنع بنظام الحكم. أما عن التفسير الثاني لتردد رئيس الجمهورية، فيعود على الأرجح إلى أنه لم يحدد مضمون التعديلات المرتقبة. وتتركز التخمينات بهذا الخصوص، على ما سيفعله الرئيس بالمادة 74 من الدستور. فهل سيترك الترشح للرئاسة مفتوحا بعدما ألغى ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين، أم يعود إلى الصيغة التي كان عليها في دستور زروال؟ وهل من اللياقة سياسيا وأخلاقيا، أن يلغي الرئيس فلسفة هذه المادة، بحجة أنها تحول دون حرية الشعب في التمديد له، وبعد فترة قصيرة يكتشف العكس فيتراجع عنها؟! وحتى لو عاد بوتفليقة إلى الصيغة القديمة، سوف لن يأتي بأي جديد يعطي للوثيقة بصمة خاصة بها، تبرر في المستقبل الحديث عن ''دستور بوتفليقة''، كما يجري حاليا الحديث عن ''دستور زروال'' و''دستور الشاذلي'' و''دستور بومدين'' الذي حدد التوجهات السياسية للدولة في السبعينيات. وتتجه الأنظار أيضا بشأن مضمون التعديل الدستوري، إلى طبيعة النظام السياسي. فالرئيس ورجال السلطة الفعلية بشكل عام، غير واثقين على ما يبدو بأن النظام البرلماني هو الأنسب، لاعتقادهم أن الطبقة السياسية لم تبلغ النضج الذي يسمح لها بتبنيه وممارسته، إذ لا يوجد أي حزب في الساحة يملك التجذر الشعبي الذي يعطيه شرعية تؤهله لتشكيل طاقم حكومي يطبق برنامجا يترجم الأفكار التي يعرضها خلال الحملات الانتخابية. ولم يفعل النظام أي شيء منذ 50 سنة، من أجل إيجاد نخبة تقود الفعل السياسي لا أن تتحرك بإيعاز. المعارضة ترى أن الدستور الحالي منحه سلطة مطلقة هل يتنازل بوتفليقة عن جزء من صلاحياته؟ تأخذ أحزاب المعارضة عدة مآخذ على الدستور الحالي الذي ركز كل الصلاحيات في يد شخص واحد، هو رئيس الجمهورية، ما أفرغ بقية مؤسسات الدولة الأخرى كالحكومة والهيئة التشريعية والقضائية من أي دور فعال تلعبه، وجعلها هيئات دون محتوى. فهل يعاد توزيع الصلاحيات بمناسبة التعديل الدستوري المقبل؟ رغم رغبة المعارضة وحتى أحزاب من السلطة، في تبني نظام برلماني، باعتباره يحقق عملية فرز بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، غير أنه ليس ضمن ''أجندة'' توجهات منظومة الحكم في الجزائر، على الأقل في المدى المنظور، لأن السلطة ترى أن نظاما شبه رئاسي من شأنه، حسبها، ضمان استقرار المؤسسات، في ظل افتقاد البلاد لتقاليد حزبية وتعددية قائمة، حتى وإن كان سبب ذلك هو عدم رغبة السلطة في تحقيق ذلك بعد أكثر من 20 سنة من فتح باب التعددية الحزبية. وعدم الذهاب إلى نظام برلماني يضمن لمنظومة الحكم عدم الخضوع للمفاجآت التي قد تحدث في الانتخابات، حيث ليست مجبرة على منح جزء من السلطة (رئاسة الحكومة) إلى الحزب الفائز بالأغلبية، مثلما حاصل حاليا، فالأفالان صاحب الأغلبية في البرلمان، لم يمنع من تعيين وزير أول وهو عبد المالك سلال، ضمن تمرير برنامج حكومته دون أن تكون له أغلبية حزبية. من جانب آخر، صحيح أن الحكومة تقدم برنامجها للبرلمان الذي بإمكانه صوريا إقالتها، من خلال ''ملتمس الرقابة'' المنصوص عليها في المادة ,135 لكن الواقع أثبت أن الحكومة مسؤولة أمام الرئيس وليس أمام البرلمان، لأنها تطبق برنامجه، وهو ما تكرس من خلال ما سمي ب''جلسات الاستماع للوزراء''، مقابل تنصل، تقريبا، كل الحكومات السابقة من تقديم بيان السياسة العامة لممثلي الشعب، مثلما تقره المادة 84 من الدستور. هذا الأمر باعتراف النواب أنفسهم بأن الهيئة التشريعية مجرد ''علبة بريد'' ولا تمارس سلطتها التشريعية فعليا. من جانب آخر، فإن صلاحيات السلطة التنفيذية التي تتضمن قرابة 27 مادة في الدستور، تعد في معظمها صلاحيات لرئيس الجمهورية وليس هناك سوى دور شكلي للوزير الأول الذي اختصرت مهمته في التنسيق والسهر على حسن سير الإدارة العمومية. عدم التوازن في الصلاحيات ما بين رأسي السلطة التنفيذية يصعب من الرقابة والحساب وحوّل الحكومة إلى مجرد ''كبش فداء'' يضحى به عند نشوب أي أزمة داخل الحكم. هل بإمكان الرئيس في تعديله الدستوري المقبل، إن وقع حقا، أن يتنازل عن جزء منها لفائدة المؤسسات الدستورية الأخرى؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه، في نظام يريد ديمقراطية الواجهة ولا يؤمن بفصل السلطات ويطبق دوما ''قانون غير مكتوب''. نقاش قسنطيني يتوقّع تعديل الدستور قبل نهاية السنة الجارية تعيين نائب للرئيس ومنح الجيش صفة حارس الدستور يتوقع فاروق قسنطيني، أن يكون التعديل الدستوري، في غضون العام الجاري، حيث يفرض التحضير للانتخابات الرئاسية ,2014 ''أن تكون كل الأمور واضحة''، وتنجلي قواعد اللعبة، بما في ذلك معرفة المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية. يدافع رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، عن صياغة دستور قار، غير قابل للتعديل في كل مرة. ويتوقع أن يقرر الرئيس بوتفليقة التعديل الدستوري قبل نهاية السنة الجارية، حيث تكون قواعد اللعبة مكشوفة قبل الانتخابات الرئاسية ,2014 بما في ذلك معرفة الشخصيات التي ستقدم ترشيحها لمنصب القاضي الأول في البلاد. ويؤكد قسنطيني ضمن حزمة التعديلات التي يرى أنه يتوجب إدراجها في الدستور، على تعيين نائب رئيس الجمهورية من قبيل الاحتياط. ويرى رئيس اللجنة الحقوقية أن ''الدستور ينص على أن الرئيس هو الضامن لحماية الدستور وتطبيقه، لكنني أرى كذلك لو أن الجيش الشعبي الوطني هو حارس الدستور، لأن الضامن والحارس مهمتان مختلفتان وهذا الأمر لا يوجد حاليا''. ويقول قسنطيني إن نموذج المقترحات التي يدافع عنها، موجودة في النظام الدستوري التركي، حيث لا يتغير الدستور في كل مناسبة وكل يعدله حسب رأيه، وقدم مثالا بفرنسا التي لم تغير دستورها إلا بعد خمسين سنة، كما لم يتغير دستور الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ قرنين. كما يدافع قسنطيني عن دستورية اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي يرأسها، وكذلك المجلس الإسلامي الأعلى، وقال إن المقترح رفع للرئيس بوتفليقة في فصل التوصيات، ضمن التقرير السنوي الأخير لحقوق الإنسان في الجزائر، وعزا مبرره إلى ''تعزيز استقلالية اللجنة''، وقال ''لا نريد أن نتهم بأننا خدام الحكومة أو أي طرف كان''. ويعتقد قسنطيني أن تعديل الدستور، من قبل حزبي التجمع الوطني الديمقراطي وحزب جبهة التحرير الوطني، كونهما يمثلان الأغلبية في البرلمان، فعل يتنافى مع الأخلاق الديمقراطية، باعتبار أن نتائج الانتخابات التشريعية منحت للحزبين صفة ''الأقلية'' بالنظر إلى الكتلة الممتنعة عن الانتخاب، لذلك يؤكد المتحدث أنه يقترح إبعاد التعديل الدستوري عن قبة البرلمان. رغم ذلك، يؤكد رئيس الهيئة الحقوقية أن ''تعديل الدستور ليس أولوية في نظري، حاليا''، ويشدد على أن الأولوية بالنسبة له أوردها في محور ضمن التقرير الحقوقي السنوي، ويتعلق الأمر بالجانب الاقتصادي، إذ ينتقد ما يسميه ''مجتمع الاستهلاك'' ويشدد على وجوب منح ''الحق في الإنتاج''. الحقوقي والبرلماني مصطفى بوشاشي ل''الخبر'' المؤسسات القائمة ليست محل ثقة لوضع دستور جيد لماذا برأيك يتماطل الرئيس بوتفليقة في تعديل الدستور؟ هذا التماطل يعكس التحضير لاستراتيجية في المستقبل، لا أعتقد أن الهدف منها وضع دستور جيد وإنما إعداد ترتيبات لضمان استمرار النظام القائم. ويبقى هذا مجرد افتراضات في الوقت الحالي، ولكن منذ الإعلان عن إصلاحات والحديث عن أن أهم وثيقة فيها هي تعديل الدستور، لاحظنا أن هناك تجاذبا لوضع خطة لضمان استمرار النظام. ماذا تتوقع أن يكون محتوى الدستور المنتظر؟ أنا متشائم كثيرا من كون النظام القائم والمؤسسات الموجودة هي التي ستتولى إعداد الدستور، لأن التجربة أثبتت منذ 2008 مرورا ب2011 و2012 بأن كل المشاريع والوثائق التي أعدّت، كرّست تراجعا عما هو موجود على صعيد الحريات والفصل بين السلطات، ونزاهة الانتخابات وتأسيس الأحزاب والجمعيات وقانون الإعلام. ومنظومة الإصلاحات التي وعد بها الرئيس لم تر النور، وما صدر منها كان دون تطلعات الجزائريين وأقل من السقف الذي بلغته بلدان مجاورة. إنني غير مطمئن لما ستكون عليه مسودة الدستور الجديد، لأن النظام الحالي والرئيس الحالي والهيئة التشريعية لا يمكن أن نثق فيهم ليضعوا دستورا يعبّر عن آمال الشعب وتطلعاته. فهذا الرئيس عدّل الدستور في 2008 ليمنح لنفسه عهدة ثالثة قبل أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية، وهو شيء لم يفعله فلادمير بوتين في روسيا! وما يزيد في عدم اطمئناني، هو الأغلبية البرلمانية التي تتشكل من حزبي التحالف الرئاسي، فهي بمثابة أدوات في يد النظام لصياغة الدستور على الطريقة التي يريدها. الحل إذن يكون بدستور يعدّه مجلس تأسيسي حقيقي. كل واحد من رؤساء الجزائر ممن تركوا بصمة في حكم البلاد، وضع دستورا يسمى اليوم باسمه إلا بوتفليقة. لماذا؟ التعديل الذي أدخل على الدستور في ,2008 يمكن اعتبار صياغته النهائية على أنها دستور الرئيس الحالي، لكن أكثر ما يلفت الانتباه فيه أنه تضمن مزيدا من تركيز السلطات والصلاحيات في يد الرئيس، وأصبح رئيس الحكومة مجرد وزير منسّق يطبق برنامج الرئيس ويتحمل مسؤولية تنفيذه. ما جرى في 2008 كان رسما كاريكاتوريا، وما جاء بعده من إجراءات وممارسات، يدفع إلى التشاؤم بخصوص مستقبل الإصلاحات، لأن النظام متعنت في إبقاء الجزائر خارج المسارات الإقليمية والدولية التي تعرفها البشرية اليوم. الجزائر: حاوره حميد يس