''زوليخة''.. أسطورة ألهمت الجميع، فكانت الأولى الأديبة الجزائرية العالمية آسيا جبار المنحدرة من المنطقة نفسها، والتي خصصت لها شريطا مصورا. كما ذكر أحد أفراد عائلتها أنه استقبل، مؤخرا، باحثة أمريكية تهتم بتاريخ الجزائر، عبّرت له عن رغبتها في إنجاز عمل تاريخي حول الشهيدة ''زوليخة''، بالإضافة إلى شريط تسجيلي أنجزه المخرج علي فاتح عيادي سنة 2012 . ''الخبر'' زارت عائلتها لتكتشف خبايا هذه الشخصية الأسطورة. ''.. أرملة أوداي، وعليش محمد وآخرون تمكنوا من الفرار..''، هذه الفقرة من محضر حرّره محافظ الشرطة لمنطقة شرشال، إيف كوست، مارس1957 ، حول تفكيك المنظمة السياسية العسكرية لمدينة شرشال، تم تكذيبه بعد انقضاء 27 سنة، وبالتحديد في سنة 1984 ، عندما كشف أحد المواطنين عن قبر الشهيدة شعيب يمينة ''زوليخة''، أرملة الشهيد أوداي لعربي، بعد أن عُثر عليها جثة هامدة مرمية على قارعة الطريق وآثار التعذيب محفورة على جسدها. تمرد وقوة ظهرتا منذ الطفولة كانت زوليخة، المولودة سنة 1911 بحجوط في تيبازة، تتمتع بشخصية قوية وتتقن اللغة الفرنسية التي تعلمتها بمدارس الفرنسيين، لأن والدها أحد كبار ملاك الأراضي، كان منتخبا ورئيس مدارس الأهالي ''الأنديجان''. وتركت وفاة شقيقها، خلال الحرب العالمية الثانية أثناء تجنيده، أثرا عميقا في نفسية ''زوليخة''، وهو ما يفسر كرهها للمستعمر الفرنسي. يروي العميد أوداي حادثة انتقادها، بصفة علنية، لطريقة تكفل السلطات بضحايا زلزال الأصنام من الفرنسيين، على حساب الجزائريين، سنة 1954 ، وهو الإحساس الذي جعلها تطلب من ابنها الشهيد ''لحبيب'' تأجيل زواجه لغاية الاستقلال، وكُتبت له الشهادة في 1957 على أيدي الجيش الفرنسي، بناحية سيدي الكبير خارج البليدة، مباشرة بعد تبرئته من قِبل العدالة الاستعمارية، بعد القبض عليه في البليدة. وكشف محدثنا، في هذا الصدد، قائلا: ''فيما بعد عرفت أن شقيقي، الذي لقبته الصحف الفرنسية ''رجل دراجة الفيسبا''، قام بعدة عمليات فدائية في نواحي البليدة، حيث كان ينشط منذ عودته من الهند الصينية سنة 1955 ، متأثرا بجروح بعد أسره من الثوار الفيتناميين، وكان في عداد المفقودين''. ماتت تحت التعذيب ولم تشِ برفيقات السلاح كشف ابن ''زوليخة''، العميد المتقاعد أوداي محمد، خلال لقاء جمع ''الخبر'' معه بوهران قائلا: ''بقيت الأغلال في أيدي والدتي الشهيدة التي توفيت دون البوح بأسرار الشبكة التي كانت ترأسها بشرشال، بعد استشهاد والدي لعربي أوداي سنة 1956''. استدل محدثنا على كلامه بشهادة المجاهدة بن مقدم، التي صرحت، خلال تجمع للمجاهدين، أنه ''لو كشفت زوليخة عن أسرارها لما كنا هنا اليوم، ولربما كنا في عداد الموتى''. احتفاظها بالسر، رغم قساوة التعذيب لمدة 15 يوما بمنطقة غردوس، تحت إشراف العقيد ''لو كونت''، سمح ببقاء شبكة النساء التي كانت تنشط في منزل العجوز ''البية'' لغاية الاستقلال. بفضل التنظيم السري المحكم الذي كرّسته ''الشهيدة''، بعد ترأسها للشبكة، خلفا للشهيد عليوي بلقاسم رئيس فريق مولودية شرشال، استمر علال لبحيري في نشاط جمع الاشتراكات لفائدة الثورة بمدينة شرشال. قام الجيش الفرنسي، بعد توقيفها سنة 1957، بربطها إلى مدرعة واستعراضها للسكان كدعاية، لكن ''زوليخة'' خاطبت السكان قائلة: ''أرأيتم كيف سخّرت فرنسا جيوشها المدججة بالأسلحة ضد امرأة. لا تخافوا ناضلوا من أجل الاستقلال..''. هنا حاول الضابط إسكاتها فبصقت على وجهه أمام مرأى الجميع. وتضمّن محضر الشرطة، كذلك، حقائق تاريخية منصفة لبعض الشخصيات التي ساندت الثورة ودعّمتها، بحيث كتب المحافظ كوست في أعقاب تفكيك شبكة شرشال ما يلي: ''قمنا بوضع النقيب بن شريف والمساعد بناي بشير تحت تصرف الأمن العسكري في الجزائر..''، وهي إشارة واضحة لمساندتهما للثورة وبقائهما في السجن لغاية الاستقلال، علما أن النقيب بن شريف، الذي كان ضابطا في ثكنة شرشال، هو أحد أقارب العقيد أحمد بن شريف.
المرأة التي تقلّدت أعلى المناصب في الجيش يكفي قراءة محضر محافظ الشرطة ''كوست'' للتأكد من أهمية المنصب الذي تقلدته الشهيدة زوليخة، وجاء فيه أن: ''أرملة أوداي لعربي هي المكلفة بتسليم الأموال والإعانات للمحافظ السياسي للمنطقة بوعلام بن حمودة (وزير سابق)، الذي خلف غبالو حميمد في هذا المنصب..''. علما أن بن حمودة أُلقي عليه القبض لاحقا، وسجن في بوغار رفقة عبد الحميد بن زين، الذي كتب فيه مؤلفه ''المعتقل''. وكان مركز جيش التحرير متواجدا بمنطقة بني مناصر (بيك مارسو)، بقيادة المجاهدين الأوائل من بينهم حميد ''حميمد'' غبالو، سعدون مصطفى، بوشمعة سي لخضر، عبد الحق نوفي وآخرون. ويمكن الجزم، على ضوء الكتابات التاريخية وبعض الدراسات الجامعية، على غرار تلك التي أنجزتها الباحثة خولة طالب الإبراهيمي حول مشاركة المرأة في الثورة، أن ''زوليخة أوداي''، باعتبارها رئيسة شبكة دعم وتمويل بشرشال، تقلّدت أعلى منصب وصلته امرأة خلال ثورة التحرير، خاصة في السنوات الأولى من الثورة. لقد تحاشى محافظ الشرطة الكتابة بأن ''زوليخة'' هي مسؤولة التنظيم، لكي لا تنكشف ''قلة حيلته'' أمام جرأة ''زوليخة'' التي استرجعت منه 300 ألف فرنك فرنسي، كانت بحوزة زوجها الشهيد، عند قتله بثلاث رصاصات في الرأس، بعد أن أقنعت المحافظ ''كوست'' بأن الأموال ملك للعائلة وليست اشتراكات جبهة التحرير. ولكم أن تتصوروا موقف ''كوست'' إذا تسرّبت هذه المعلومة، وبأن الأموال المسترجعة تم تسليمها فعلا لجيش التحرير. يتذكر العميد أوداي محمد بعض تفاصيل الزيارات الليلية لوالدته ''زوليخة''، التي كانت تدخل شرشال خلسة لتفقّد أحواله، رفقة إخوته الصغار، في منزل الجيران لدقائق معدودات. كما استعاد ذكريات أول قصف جوي كطفل قائلا: ''ذات يوم وبعد خروجي من المدرسة قصدت، مع والدتي وإخوتي، الجبل لزيارة قبر والدي، وتصادف تنقلنا للمكان مع قيام طائرات فرنسية بقصف جوي للموقع مازالت تلك المشاهد راسخة في ذاكرتي''. وعن سؤال ''ماذا سيكون إحساس والدتك عندما تعرف أن ابنها أصبح جنرالا في الجيش الشعبي الوطني؟''، سكت برهة واكتفى بالقول: ''ستكون فخورة بلا شك''.