مرّت الأديبة الجزائرية يمينة مشاكرة بمراحل ومنعرجات متعثرة بين الصمت أحيانا والخوف وحتى أرق الكتابة، قبل أن يختارها القدر، وتنتقل إلى جوار ربها مؤخرا، بعد صراع طويل مع المرض، إنها الكاتبة التي استطاعت أن تخلّد حب الأدباء لها وكل من عرفوها، كما لمسنا احترامهم لها في صمتهم أيضا، عند توديعها وإلقاء آخر نظرة على جثمانها أول أمس، بقصر الثقافة ''مفدي زكريا''. بدا الفنان أحمد بن عيسى، الذي سبق وأن اقتبس إحدى أهم رواية للراحلة ''المغارة المتفجرة'' إلى المسرح جد متأثر برحيلها، فيمينة لم تكن تشتك، وفضلت أن تعيش ك''الشهاب''، وتترك أعمالا أدبية رغم قلتها إلا أنها تستحق أن تترجم إلى اللغة العربية. يقول الأديب واسيني الأعرج الذي ساهم في أول ظهور إعلامي لها في التلفزيون سنة 2000 في معرض حديثه عن يمينة الأديبة: ''كان يبدو عليها حب العزلة ومرتبطة بذاكرة كاتب ياسين، تألمت كثيرا.. حتى صمت طويلا وكل نصوصها إنسانية ثورية وهي من قالت لي مرّة إنها كاتبة تحتاج إلى الأمان''. أما سامية زنادي مديرة دار نشر ''أبيك''، فقالت ''أنا قرأت لها هي خسارة كبيرة لجميع الأجيال، لأنها ظلت غير معروفة حتى لدى أبناء جيلها، رغم نصوصها الجيدة والعميقة''. وتعترف مديرة دار نشر ''أبيك'' بأنها لم تتعرف على يمينة إلا مؤخرا، ملقية اللوم على المدرسة ''الجزائر لم تهتم كثيرا بالنصوص المعمّقة في البرامج التربوية، وهي تواصل الإهتمام بالنصوص العربية القادمة من المشرق، على حساب النصوص التي يقدّمها الأدباء الجزائريون أمثال يمينة مشاكرة''. وصفت المترجمة الشابة لميس سعيدي من جهتها، الأديبة الراحلة بذات اللغة الشفافة المتفجرة، وقالت لميس التي جمعتها محاولة لترجمة واكتشاف بعض نصوصها الخالدة في ''المغارة المتفجرة'': ''كنت أبحث عن نص يعيد لي شغف الترجمة، حين وقفت على نص يمينة مشاكرة، وجدت فيه اللغة الشفافة والمتدفقة التي تحكي علاقة الإنسان بالأرض، وأن نكتشف علاقة المرأة بالأرض، من خلال تجسيد دور المرأة الإنسانة عبر نص حاد''. وحسب لميس، فإن تأثر يمينة بنصوص كاتب ياسين له لونان، لون الحب ولون الاختلاف: ''ولكن ليس كحدة الرجل التي نجدها في نصوص كاتب ياسين، هي لغة دافئة فيها حياة، وهذا الإحساس تملّكني خلال عملية ترجمتي لبعض من نصوص يمينة مشاكرة''. عاشت يمينة مدينة للأديب كاتب ياسين، الذي وصفها يوما ما بالمرأة التي تزن بارود، كما أن المشاعر الإنسانية العالية في نصوص يمينة، لم تكن إلا انعكاسا للصمت الذي اختارها ورافقها إلى مسافات طويلة من السبعينيات حتى التسعينيات، لتعود إلى كتابة ثاني أعمالها ''أريس'' متعاطفة مع النساء الأمهات وآلامهن، ثم تسافر في كتابة أعمال أخرى لم تر النور بعد، كما يقول البروفيسور صالح مشاكرة: ''لدى شقيقتي يمينة رصيد أدبي من الأعمال الأديبة المكتملة والتي لم تنشر بعد''. مضيفا: ''لم تأت الفرصة لكي تنشر أعمالها، وكانت لديها إرادة قوية من أجل مواصلة الكتابة ومسيرة العطاء الأدبي''. وأجمع الأدباء على أهمية أن يتم تشكيل لجنة من شخص أو اثنين تجتمع حول أعمال يمينة وطبعتها بتقديم مفصل حول سيرتها خدمة للذاكرة الفردية والجماعية للجزائر. وهو التعهّد الذي قطعته وزارة الثقافة على لسان رئيسة الديوان زهيرة ياحي، التي أكدت ل''الخبر'' أن جميع أعمال الراحلة سوف يتم ترجمتها للغة العربية قريبا، كما قالت ياحي: ''لأن الناس لا يعرفونها كثيرا فسوف نقوم بترجمة جميع أعمالها إلى اللغة العربية قريبا، وإن لم نحدد بعد الشخص الذي سيكون له شرف ترجمه أعمال يمينة مشاكرة''.