لا يمكن أن نبرّئ المصالح المكلفة بالسهر على أمن البلاد من حكاية سوء تسيير الملف الصحي للرئيس بوتفليقة، بل لا يمكن أن نبرّئ هؤلاء من محاولة اللعب والتلاعب بأخبار مرض الرئيس، لزيادة التوتر في البلاد خدمة لأجندة سياسية مجددة. لكن الأكيد أن هؤلاء أساءوا لأنفسهم بسوء استخدام ملف مرض الرئيس، أكثر مما أساءوا للرئيس نفسه! هل يعقل مثلا أن تسرب جهة ما خبرا بحجم خطورة خبر نقل الرئيس بوتفليقة من فرنسا إلى الجزائر، وهو في حالة غيبوبة، دون أن تعلم به المصالح الأمنية؟! والحال أن الخبر يحمل، في طياته، محتوى تكذيبه أو كذبه.. بل ربما يحمل في طياته عناصر الأهداف التضليلية المقصودة من نشره؟! هل يعقل أن يسمح مستشفى بحجم مستشفى فال دوغراس بنقل مريض في ''الكومة'' إلى قارة أخرى؟! خلافا للأعراف الطبية المتعارف عليها.. فما بالك إذا كان هذا المريض رئيس دولة؟! غباء الذين سربوا مثل هذه الأخبار لا يعادلها إلا غباء الذين يريدون ممارسة السياسة بمثل هذه الأمور البليدة، وهم معتادون على ذلك بلا محاسب؟ نعم الفرنسيون سيروا الملف الصحي للمريض بوتفليقة بكفاءة عالية، فلم تخرج أي معلومات تسيء للمريض من الجهة الفرنسية، وهي حالة تثير الإعجاب فعلا.. فهناك العديد من الأطباء والممرضين ورجال الأمن الفرنسيين في المستشفى فال دوغراس يعرفون، ولكن لا أحد تحدث! وهذا هو الانضباط والمهنية واحترام رغبة المريض. لكن في المقابل هل الجزائريون، هنا، (وخاصة رجال الأمن) لا يعرفون الحقيقة.. حقيقة أن الرئيس ليس في الحالة الصحية التي روج لها المعتوهون إعلاميا؟! وإذا كانوا يعرفون ذلك.. فلماذا تركوا الأخبار المغرضة تملأ الرأي العام بلبلة؟! هل سلامة وأمن الرئيس ليست من اختصاص هؤلاء؟! وإذا كانوا يعرفون ذلك وسكتوا عنه أو شجعوا عليه فما هو الهدف؟! أو ليست هذه قلة وطنية؟! احتمالا أقول قلة مسؤولية؟! المؤسف أن الإعلام المؤدلج والمسيس، والذي وضع نفسه خادما للصراعات السياسوية، بواسطة التضليل بالأخبار، هو الذي احتل الحيز الكبير في بلبلة الرأي العام، بواسطة نشر الأخبار المضللة حول مرض الرئيس، وبهذا كان المسؤولون الرسميون والمؤسسات الفاقدة للمصداقية، بما يقولونه، كمن يؤذن في مالطة! وإذا كانت قضية تسيير الملف الصحي للرئيس قد كشفت عن هوة سحيقة بين المسؤولين والشعب، فإنها كشفت، أيضا، عن قابلية رهيبة من قِبل أشباه الإعلاميين للتضليل.. بل وكشفت عن علاقة غريبة بين بعض أجهزة الدولة ومصادر المعلومات المضللة.. ترى كيف يكون حال هؤلاء عندما يعود الرئيس إلى أرض الوطن، ويعرف أن جهات مسؤولة عن الأمن المعنوي للشعب كانت وراء هذه البلبلة الإعلامية الخطيرة؟! لا جواب عندي الآن، وعلينا أن ننتظر.