تشهد عمليات تحويل اللاعبين بين أندية الرابطة المحترفة الأولى، حاليا، صراعا محموما بين الأندية الغنية التي ترعاها مختلف المؤسسات التي تتفرّع عن الشركة البترولية الأم "سوناطراك"، تحسبا للموسم القادم 2013/ 2014. ويشتد الصراع بين هذه الأندية من أجل الفوز بأحسن الصفقات، خاصة أن البطولة الجزائرية لا تتوفّر على عدد كبير من اللاعبين الذين يمتازون بمهارات عالية، بدليل المنتخب الأول الذي يضمّ في صفوفه اللاعبين المغتربين الذين ينشطون في مختلف البطولات الأوروبية. وأكبر صورة عن الصراع المسجل هي الأرقام المالية الخيالية التي تقترحها هذه الأندية على لاعبين يمكن وصفهم بالمتألّقين في بطولة الموسم المنقضي، وعلى رأسهم ثنائي وفاق سطيف المهاجم محمد أمين عودية ووسط الميدان أمير قراوي، وصانع ألعاب شبيبة الساورة بلجيلالي، ووسط ميدان أولمبي الشلف صبري غربي. ولم يقتصر الصراع فقط بين هذه الأندية على اللاعبين، بل تعدتها، أيضا، إلى المدربين، خاصة الأجانب، من خلال سعي المسيرين إلى إقناعهم بمبالغ يمكن وصفها بالمبالَغ فيها، من أجل ضمان اللعب على الأدوار الأولى في الموسم المقبل، ومن ثم كسب تأييد الآلاف من الأنصار الشبان. تمويل سوناطراك للأندية قرار سياسي تأكّد بأن اختيار ”سوناطراك” للأندية الأربعة: مولودية الجزائر (سوناطراك الأم)، شباب قسنطينة (فرع الطاسيلي للطيران)، مولودية وهران (فرع نفطال)، شبيبة الساورة (فرع إينافور للتنقيب) لرعايتها ماليا كان قرارا سياسيا اتخذ في أعلى هرم السلطة في البلاد، ولم يكن اختيارا اعتباطيا، مثلما يحاول رئيس الرابطة المحترفة، محفوظ قرباج، إقناع الرأي العام به، في مختلف خرجاته الإعلامية، لكون الشركة البترولية العملاقة اختارت الأندية التي تتمتع بقواعد جماهيرية كبيرة جدا في الجهات الأربع للوطن (الوسط- الشرق- الغرب- الجنوب)، من دون غيرها من بقية الفرق الأخرى. ويبقى الهدف الأول من هذا القرار هو ضمان الاستقرار والهدوء في المدن الأربع الكبيرة في الوطن، من خلال تخصيص أغلفة مالية خيالية تكون سببا في انتداب أحسن اللاعبين والمدربين، ومن ثم ضمان حضور عشرات الآلاف من الأنصار عند بداية كل أسبوع إلى مدرجات الملاعب لتشجيع أنديتهم، من دون الانشغال كثيرا بأوضاعهم الاجتماعية. ”الطاسيلي” تخصّص 60 مليارا وتعرض 10 ملايير على بجيلالي كشفت شركة ”الطاسيلي للطيران”، الراعية الرسمية لعميد أندية الشرق الجزائري، شباب قسنطينة، في بيان رسمي، أنها خصصت ميزانية أولية قدرها 60 مليار سنتيم لصالح خزينة النادي مع بطولة الموسم القادم، بهدف انتداب أحسن العناصر في البطولة الوطنية، وهو ما جعل المكلّف بالانتدابات في هذا النادي، محمد بولحبيب، المعروف رياضيا باسم ”سوسو”، يعرض مبالغ خيالية تداولتها مختلف وسائل الإعلام، منها 10 ملايير سنتيم من أجل نيل وثيقة تسريح صانع ألعاب الساورة بلجيلالي، ومليون أورو بهدف استقدام الجزائري بلايلي المحترف في الترجي التونسي. ومن دون أدنى شك، ستنجح إدارة هذا الفريق في تكوين تشكيلة قوية في خطوطها الثلاثة، مع تحديد هدف اللعب من أجل نيل لقب البطولة، وليس الاكتفاء بالأدوار الثانوية في الموسم القادم. حاج عيسى أخذ ”حقه” كاملا من الريع يعدّ اللاعب لزهر حاج عيسى من المواطنين القلائل جدا في الجزائر الذين أخذوا حقهم كاملا من أموال ريع البترول، مثله مثل رجل الأعمال السابق عبد المومن خليفة والوزير السابق شكيب خليل، وهذا لأن ابن مدينة باتنة نال من أموال ”سوناطراك”، منتصف الموسم المنقضي، مبلغا يتجاوز مليار سنتيم من دون أن يلعب شوطا واحدا، بسبب تراجع مستواه ومعاناته من الإصابة. والأخطر في الموضوع أن مسؤولي شركة ”سوناطراك” لم يفتحوا تحقيقا لمحاسبة الذين كانوا وراء قدوم هذا اللاعب لعميد الأندية الجزائرية، لسبب بسيط وهو أن الأموال لم يكن مصدرها من جيوب المسؤولين في وزارة الطاقة والمناجم، وإنما أموال جميع الجزائريين دون استثناء. وستواصل ”سوناطراك”، المموّلة الرئيسية للمولودية، توزيع الأموال يمينا وشمالا مع مطلع بطولة الموسم الجديد، من خلال اقتراح مبالغ مالية خيالية للاعبين المستهدفين في صورة محمد أمين عودية (250 مليون سنتيم شهريا)، أمير قراوي (180 مليون شهريا)، من دون اهتمام إدارة هذا الفريق بالفئات الشبانية، لأن تشكيلة صنف آمال مولودية الجزائر، على سبيل المثال في بطولة الموسم المنقضي، كانت تتلقى هزائم ثقيلة داخل الديار وخارجها، لأن الأموال المخصصة لصالح اللاعبين الشبان أخذها شاوشي في جيبه هو وبقية زملائه في صنف الأكابر. الحلّ في توزيع الأموال بالتساوي على الأندية بات من الضروري على السلطة العليا في البلاد أن توقف ”المهزلة” التي تعيشها، حاليا، البطولة الجزائرية، خوفا من شعور أنصار ومحبي الفرق الأخرى أنهم ”محڤورين” في وطنهم، ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال مطالبة شركة ”سوناطراك” العمومية بتوزيع الأموال المخصصة من جانبها على جميع الفرق، دون استثناء، مع تسمية البطولة الوطنية باسم ”بطولة المحترفين سوناطراك”، اقتداء بالتجربة السعودية التي تسمى ”بطولة زين للمحترفين”، حيث وفي هذه الحالة ستكون حظوظ جميع الفرق متساوية في اللعب من أجل نيل لقب البطولة، ومن ثم ارتفاع المستوى بين الأندية، والأكثر من هذا فإنه سيتم تسجيل أهم نقطة إيجابية، وتتعلّق بشعور جميع العاشقين للكرة المستديرة ب«جزائريتهم”، كي لا يشعروا بأي ”طبقية” تمارسها الدولة عليهم. الأولوية لبناء الملاعب الجديدة اقتداء بالجيران كان من الأفضل على شركة ”سوناطراك”، مادام أنها تريد خدمة الرياضة بصورة عامة في البلاد، أن تخصص أغلفة مالية معتبرة من فوائدها المالية السنوية من أجل إنجاز ملاعب جديدة في أرض الوطن، قياسا بالمعايير الدولية الحديثة، عوض تخصيصها لصالح لاعبين إمكاناتهم لا تسمح لهم حتى بالجلوس على كرسي الاحتياط في المنتخب الأول. وبالرغم من مرور 50 عاما على استقلال الجزائر، لا تزال بعض الأندية تستقبل منافسيها في ملاعب يعود تاريخ إنجازها للعهد الاستعماري، مثل اتحاد العاصمة (ملعب عمر حمادي ببولوغين) وشباب عين فكرون (ملعب الإخوة دمان ذبيح بعين مليلة) واتحاد الحراش (ملعب لافيجري بالعاصمة). وتجربة المغرب شاهدة على نجاعة الاستثمار في إنجاز الملاعب، حيث سيحتضن هذه السنة كأس العالم للأندية البطلة، بعد اختياره من قِبل الهيئة الدولية ”الفيفا”، نظرا لامتلاكها ملاعب من الطراز الأول وهياكل قاعدية هامة تفتقدها الجزائر، التي لا تستطيع تقديم ملفات الترشح لاحتضان مثل هذه الفعاليات الدولية الهامة التي يتابعها الملايير من البشر في جميع بقاع كوكب الأرض، بالرغم من البحبوحة المالية التي جعلت الجزائر تقوم بمسح الديون عن الدول الإفريقية والعربية. وإذا أرادت ”سوناطراك” التراجع عن تدعيم الرياضة فما عليها سوى توفير المبالغ المالية الهامة لضمان التغطية الأمنية الكافية في مختلف محطاتها البترولية في الصحراء الجزائرية، حتى لا تتكرر مجددا ”كارثة تيڤنتورين”.