تعتبر البطاطا من أكثر الخضروات استهلاكا لدى الجزائريين، سواء في موسمها أو في بقية المواسم، إلى درجة أنه مرت سنوات ظلت الجزائر تستورد المنتوج من عدة دول، خاصة من كندا التي ارتبط اسمها بفضيحة “بطاطا الخنازير”، إلا أنه في السنوات الأخيرة شهد إنتاج البطاطا ارتفاعا ملحوظا، قابله ارتفاع في الأسعار، بسبب المضاربين وبارونات السوق. كان وزير الفلاحة والتنمية الريفية، رشيد بن عيسى، قد أكد، في العديد من التصريحات الصحفية، أن إنتاج البطاطا بالجزائر سيرتفع إلى حدود 40 مليون قنطار سنويا مع حلول عام 2014، بعدما بلغ إنتاج المحصول خلال سنة 2013، أكثر من 30 مليون قنطار بزيادة تعادل 4 ملايين قنطار مقارنة بالموسم المنصرم، وهذا راجع، حسب الوزير، إلى تحسين المردودية. أما بخصوص البذور، فأشار بن عيسى إلى أن الجزائر ليس لديها اكتفاء في بذور البطاطا، ما يستلزم استيراد أزيد من 150 ألف قنطار، سنويا، من فرنسا والدنمارك وهولندا. كما قامت الوزارة بإنشاء مخبر تحسين وإنتاج بذور البطاطا ببلدية السبعين بمدينة تيارت، الذي يضاف إلى 3 مخابر متواجدة باسطاولي في العاصمة وسطيف وسيدي بلعباس، يتم من خلالها التحكّم في إنتاج البذور، وكلّف المخبر الذي أنجز في إطار الشراكة الجزائرية الكورية استثمار قدره 1,8 مليون دولار، حيث سيمكّن من إنتاج 10600 طن من بذور البطاطا سنويا. أمراض البطاطا والأعباء تثقل كاهل الفلاحين يشتكي العديد من الفلاحين، خاصة بمعسكر والوادي التي تعتبر من أكثر المناطق إنتاجا للبطاطا في الجزائر، من عدة مشاكل تثقل كاهلهم كغياب الدعم الفلاحي، سواء بالنسبة لاقتناء البذور أو الري أو الرشّ بالأسمدة، وخاصة الأمراض التي تصيب المنتوج، وخاصة الفطرية ك«الميلديو” على الأوراق والسيقان والدرنات، وكذا الجرب، والديدان السلكية وحشرة السوسة والمنّ التي تصيب المنتوج بأضرار، بالإضافة إلى الخنازير البرية التي تستهدف حقول البطاطا وتلحق خسائر كبيرة بالفلاحين. المضاربون وبارونات السوق يلهبون جيوب المواطنين بالرغم من وفرة الإنتاج إلا أن المضاربين الذين يقتنون المنتوج من الفلاح، ويعمدون إلى تكديسه في غرف التبريد، قصد خلق الندرة لرفع الأسعار، خاصة مع اقتراب المواسم وشهر رمضان، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد إلى أكثر من 70 دينارا، ووصل في عديد المرات إلى 100 دينار، حتى أضحى سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا أغلى من سعر 1 كغ من الموز. وبالرغم من تسخير مصالح وزارة الفلاحة لفرق تفتيش، إلا أن عصابات كبار التجار وبارونات السوق يعرفون كيف يتواطأون لفرض منطقهم في السوق، علما أن معظم البطاطا التي تخزن في غرف التبريد تفقد خصائصها، وغالبا ما يصيبها التلف والتعفن بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي. الجزائر: محمد الفاتح خوخي
شاهد من أهلها
مدير الفلاحة بالوادي لعلي معاشي “لا خوف على البطاطا من منافسة الزيتون والقمح”
عرفت ولاية الوادي زراعة البطاطا بداية التسعينيات، وتطورت إلى درجة تضاعف معها الإنتاج في السنوات الأخيرة، حيث وصل في الموسم الفلاحي المنصرم إلى 11 مليون قنطار، مشكّلة نسبة 26 بالمئة من الإنتاج الوطني، ولكنها تواجه تحديات كثيرة ومنافسة من مزروعات أخرى دخلت المنطقة، ما يهدد بتحوّل الفلاحين عنها إلى غيرها، في ظل مشاكل متعددة في أرض الواقع. يجيب عنها مدير الفلاحة بالولاية، لعلي معاشي. رغم الإنتاج الوفير للبطاطا في المنطقة واحتلال الولاية المرتبة الأولى وطنيا، غير أن هذه الزراعة ظلت ذات طابع تجاري، أي عملية إنتاج وبيع بين الفلاح والتاجر والمستهلك، في غياب الدولة المنظمة للمهنة.. لا خطر إطلاقا على إنتاج البطاطا في المنطقة. والدولة تدخّلت، بمرافقة الفلاح بالإرشاد وسائل التخزين ومد المسالك والكهرباء الفلاحية، حيث تتوفر الولاية حاليا على 428 كلم من المسالك و461 كلم من الكهرباء الفلاحية، إضافة إلى 100 كلم مسالك ومثلها كهرباء منحهما وزير الفلاحة مؤخرا، من أجل توسيع المساحات الفلاحية، وخاصة البطاطا والخضراوات. لعل المشكل الكبير المطروح هو عملية التسويق، وخاصة بالنسبة للبطاطا الموسمية، حيث تبدأ الزراعة نهاية ماي وتمتد إلى نهاية شهر جويلية، وهي فترة تمتاز بشدة الحرارة، فيصعب على الفلاح إبقاء الإنتاج مخزّنا تحت التربة لأنه يتلف. أما في موسم البرودة فليس هناك مشكل، فبإمكان الفلاح ترك الإنتاج تحت الأرض لكونها باردة. ولحلّ هذا المشكل قام القطاع بإنشاء مركّب تبريد ضخم تابع للدولة، يحتوي على غرف تبريد ذات سعة كبيرة، وضع الوزير حجره الأساسي يوم 20 أفريل الماضي في بلدية طريفاوي. وسيوضع هذا المركّب في متناول الفلاح لتخزين إنتاجه من البطاطا والخضراوات. هذا بالإضافة إلى وحدات لغرف التبريد تابعة للخواص أنجزت مؤخرا لتلبية الحاجة نفسها. بوجود نحو 4000 مستثمرة تنتج مختلف الخضراوات، وعلى رأسها البطاطا، ظهرت زراعات هامة جديدة منافسة لها تتمثّل في الزيتون والقمح وخضراوات وفواكه أخرى توجّه الفلاحون إلى زراعتها. ألا تخشون تقلّص إنتاج البطاطا لصالح الخضر الأخرى والفواكه؟ نحن نشجع هذه الزراعات الجديدة في المنطقة، وهي تعتبر رافدا إضافيا للفلاح، حيث نقوم بتنظيم الدورة الفلاحية وتستفيد كل زراعة من الأخرى. فحينما تُستهلك الأرض الفلاحية من نوع واحد من الزراعة، مثلا البطاطا، فيجب أن ترتاح التربة، فلا تُزرع فيها البطاطا ولكن يزرع القمح أو الخضراوات الأخرى مثلا، ثم هكذا دواليك، بشكل تبادلي، حفاظا على خصوبة الأرض ومضاعفة الإنتاج والقضاء على الطفيليات الضارة تحت الأرض، في حال ما إذا استمرت الأرض تنتج النوع نفسه من الزراعة. كما استفدنا من زراعة القمح لصالح تخصيب الأرض لتهيئتها لإنتاج البطاطا، حيث نوصي الفلاحين بالإبقاء على قصب القمح في الأرض، حيث يعتبر مخصبا لها، حتى نخفّف، من جهة، من نفوذية التربة الرملية التي يعاني منها الفلاحون، والتي تستهلك الكثير من مياه السقي، ومن جهة أخرى التقليل من شراء سماد الدواجن المستعمل في زراعة البطاطا. الاعتماد على البذور المستوردة من الخارج لإنتاج البطاطا يجعل هذا المنتوج رهينة الخارج. أليست هناك حلول لإنتاج بذور محلية؟ لحلّ هذا المشكل طالبنا بفتح فرع بالوادي للمعهد الوطني لزراعة الخضراوات والزراعة الصناعية، حيث تمّ تلبية طلبنا وسيفتح قريبا، وتعهّدنا بتوفير المقر، وسيقوم هذا الفرع بإيجاد حلول لقضية البذور إن شاء اللّه. الوادي: خليفة قعيد
بورتريه
المستثمر بهاء سعد وإخوته من تغزوت بالوادي “نحن أول من زرع البطاطا وجعلناها مهنة مستقلة في الوادي” الإخوة بهاء مجموعة من الأشقاء، سعد وحسين ومبارك والصادق والعيد ومسعود، هم أول من جرّب زراعة البطاطا في منطقة بوبياضة الفلاحية ببلدية تغزوت في الوادي، حيث تحوّل الأمر من تجربة بسيطة إلى مهنة مستقلة بذاتها في المنطقة. يتحدث شقيقهم سعد، البالغ من العمر 40 سنة، عن تجربتهم لزراعة البطاطا، والتي توسّعت، فيما بعد، من مزرعته الصغيرة إلى بقية أنحاء الولاية. سمعنا أنكم أول من زرع البطاطا في الوادي. كيف ذلك؟ كنا نقوم بفلاحة معاشية بسيطة، القصد منها توفير بعض الخضر والمواد الغذائية لأنفسنا، كما كنا نبيع بعض الخضر في السوق المحلية لنساعد أنفسنا ماديا. ولكن فيما بعد فكّرنا في تجريب زراعة البطاطا كمغامرة، قد ننجح وقد نخسر فيها. وكل شيء ناجح عادة ما يبدأ بتجربة. في الموسم الفلاحي 1990/1991 طلبنا من أحد أشقائي، وكان يتردد على الأسواق الفلاحية بشمال الوطن أن يتدبّر لنا كمية من البطاطا العادية الموجهة للاستهلاك لكي نجرب زراعتها هنا، لعلها تعطي نتائج طيبة. فقام بشراء 50 كلغ من البطاطا من أحد الأسواق من نوع “ديامون” و«ديزيري”، حيث أعطت إنتاجا وفيرا تفاجأ به جميع فلاحي الجهة، وحتى مسؤولو قطاع الفلاحة الذي جاءوا لمشاهدة الإنتاج. وكيف استمرت تجربتكم في تحويل تجربة بسيطة إلى مهنة قائمة بذاتها؟ في الموسم الفلاحي الموالي منحنا المعهد التقني للفلاحة الصحراوية، الكائن بمنطقة الأغفيان الفلاحية ببلدية جامعة، كمية من البذور اشتريناها وزرعناها فأعطت نتائج طيبة، ثم طلبنا من مديرية الفلاحة توفير المزيد من البذور في الموسم الذي بعده، فاشترينا 20 قنطارا عن طريق تعاونية الخدمات الفلاحية، وبدعم تقني وإرشادي من التقسيمة الفلاحية بڤمار. ومنها انطلق الإنتاج وصار فلاحون من المناطق المجاورة، مثل باقوزة بالبلدية نفسها واميه صالح ببلدية ڤمار والعرفجي في بلدية الرقيبة، يترددون على مزرعتنا، وأخذ معلومات عن التجربة الناجحة، حيث صرنا نتوفر حاليا على مساحة 60 هكتارا للاستصلاح الفلاحي، وعلى رأسها البطاطا. وهكذا عمّت زراعة البطاطا، التي أصبح إنتاجها بملايين القناطير، كما صارت مصدر رزق لآلاف العائلات في ولاية الوادي. وهل قدّمت لكم الدولة مساعدات عينية تشجيعا لكم للاستمرار في زراعة البطاطا؟ بصراحة منحني رئيس بلدية تغزوت وقتها، عوادي بلقاسم، سنة 1994، أرضا فلاحية خارج المحيط تقدّر مساحتها ب24 هكتارا كتشجيع لي على المبادرة الناجحة، كما تلقيت مساعدات تقنية من قطاع الفلاحة، متمثلة في وسائل رشّ وتقطير. ولكن الآن نحن نعتمد على وسائلنا الخاصة في الرش المحوري الذي أعطى نتائج مشجعة. ألا تخشون على اختفاء هذه المهنة، في ظل منافسة زراعات أخرى ونقص المسالك والكهرباء؟ هناك مشاكل كبيرة تواجهنا في الميدان، على غرار قلة المسالك الفلاحية والكهرباء، حيث إن بعض أراضينا الفلاحية تعتمد في سقيها على الموّلدات الكهربائية. كما أن غياب غرف التخزين تسبب في خسائر فادحة لنا وللفلاحين، وصرنا نبيع البطاطا بمعدّل 14 دينارا للكيلوغرام الواحد بسعر الجملة، خوفا من التلف لغياب وسائل الحفظ والتخزين. الوادي: خليفة قعيد