"طاڤ على من طاڤ" في الأسبوع الأول و"قيس قيس" بداية من الثاني "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”، مقولة قد تنطبق على سائر الأيام، لكن في شهر رمضان، تتدخل ضوابط أخرى للإنفاق تفاديا للإسراف، لاسيما أن بعض الجزائريين اعتادوا، مع حلول شهر رمضان، إعداد العدة للتمتع بكل ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات دون مراعاة المداخيل. فكيف السبيل إلى ضبط ميزانية هذا الشهر وتفادي الوقوع في الاستدانة؟ يرتبط الإنفاق في شهر رمضان سواء أكان معتدلا أو مسرفا، بثقافة وسلوك الإنفاق طيلة أشهر السنة، على اعتبار أن الفرد المتعود خلال 11 شهرا على ثقافة معينة، تترسخ لديه أكثر خلال شهر الصوم. ويرجع السبب وراء التبذير المبالغ فيه لدى الجزائريين في رمضان، من تنويع المأكولات والفواكه وتزيين الموائد بمختلف الأطباق، إلى غياب المقصد الشرعي من عبادة الصوم، أي حسن التعبد لله تعالى والتمكن من تسيير النفقات. وككل رمضان، يهرع المواطنون إلى اقتناء أكبر كمية من المواد الغذائية التي تعتبر من طقوس الشهر، بغرض تخزينها، ظنا منهم أنها ستختفي وبالتالي يرتفع سعرها في سائر أيامه بسبب الطلب المرتفع عليها، وهو ما جعل مواد مثل “البرقوق” والليمون و"المعدنوس” و"الحشيس” تتحول إلى عملة صعبة وسبب للصداع. وخلال جولة استطلاعية ل"الخبر” في محلات بالعاصمة، أخبرنا عيادي محمد بائع “حشيش ومعدنوس”، منذ أزيد من 14 سنة، أن لهفة الشراء تعتري الصائمين في أوائل الشهر الكريم لا غير وبالتقريب في الثلاثة أو الأربعة أيام الأولى منه، ليعتاد بعدها الجزائريون على متطلبات الشهر. ويكثر السؤال لدى البائع عن كل من “الحشيش والمعدنوس والنعناع” التي لا تخلو سفرة الجزائريين من إحداها، طيلة شهر الصيام. كما لا تخلو قفة الصائمين من الخضر على أنواعها، وإن كان الإقبال على شرائها، يقول محمد، لا يبارح الأيام الأولى من شهر رمضان كذلك، لينتقل بعدها المواطنون لاقتناء رطل أو كيلوغرام، كحد أقصى، من كل نوع. ومهما بلغ سعر الخضر، فالإقبال عليها لا يتوقف مثلما هو الحال مع الجزر، الليمون، الفلفل الأخضر والطماطم التي يكثر عليها الطلب حتى لو امتلك المشتري مبلغ 100 دينار في جيبه، فهو لا يتردد في اقتناء القليل من كل نوع من الخضر. 50 دجاجة في اليوم بهذه العبارة، أوضح بوعلام، بائع دجاج ل"الخبر”، إقبال المواطنين على اقتناء اللحوم البيضاء عشية رمضان وفي بدايته. كما اعتاد البعض، يضيف بوعلام، اقتناء دجاجتين أو أكثر لادخارها، في حين يستنجد البعض الآخر باللحوم المجمدة التي يبقى سعرها أقل ثمنا. أما بالنسبة للجزارين، فهم كذلك يشهدون توافدا كبيرا عشية رمضان، وبالتحديد في ليلة الشك، مثلما يقول إبراهيم، جزار بحي أول ماي، حيث يتلخص طلبهم الرئيسي في شرائح لحم الغنم واللحم المفروم طيلة الشهر. التحكم في المصروف لا يقتصر على رمضان يقول إسماعيل دباح، باحث في المناهج التربوية ومدرب في التنمية البشرية، إنه يتوجب على الأسرة الجزائرية، مع اقتراب رمضان، التحكم في مصاريفها، ويعود ذلك أساسا إلى عدم تدربها على تنظيم وتوزيع الميزانية بشكل معقول في الأشهر السابقة، لذا فإنه ينصح الأسر التي ليس لها عادة تنظيم الميزانية الحسنة، أن تجعلها سنّة عائلية بدءا من شهر رمضان، حسب قدرة كل عائلة. كما أن الأسرة “الرشيدة” اقتصاديا، هي التي تحسن التكيف مع مستجدات شهر رمضان، خاصة أن الارتفاع الجنوني للأسعار وجشع بعض التجار، أصبحا عادة لصيقة برمضان، ما يزيد من صعوبة تحكم الأسرة في ميزانيتها. ومن النصائح أيضا، فتح نقاش داخل العائلة، لضبط الاحتياجات والتعاون على تفادي الإسراف، مع التقليل من الكماليات التي تستهلك الميزانية دون ضرورة أو منفعة، بمشاركة الزوجين والأبناء، لاسيما الذين يتمتعون بدرجة من الفهم والاستيعاب “فالجميع شركاء في سفينة البيت، وفي مواردها وادخارها، لأن الادخار ضروري لكل أسرة مهما كانت قيمة دخلها الشهري، فالادخار سلوك وثقافة دائمة مدى الحياة”. خطوات إعداد الميزانية يبدأ التحضير لميزانية شهر الصيام، بنظر مدرب التنمية البشرية، قبل حلول الشهر بحوالي أسبوع أو أسبوعين، أي بمدة كافية تسمح بترتيب أوجه الإنفاق الأساسية التي تختلف من أسرة إلى أخرى، في جدول يتضمن مثلا اللحوم، الفواكه، الخضر، وتحديد الغلاف المالي المخصص لكل عنصر من العناصر السابقة الذكر، للتمكن من تقدير ميزانية الشهر بشكل مقبول، مع ادخار جزء من الأموال تحسبا لحالات الطوارئ. ودون أن يفطر الصائم بالضرورة على اللحم طيلة رمضان، حسب دباح، فالمسألة مرتبطة بالذهنيات والقناعات وكذا القدرة على التخلي عن العادات السيئة، فإنفاق الإنسان مهما كان دخله، يتناسب مع قدرته ومن غير المقبول لا شرعا ولا عقلا ولا عرفا، أن يقع الإنسان في الاستدانة، بما يحول الشهر الكريم إلى شهر للتعاسة والندم. .. وللسهرات حظها وبخصوص ميزانية السهرات الرمضانية، فمن المستحسن وضعها لوحدها، خارج ميزانية الإفطار، مع مراعاة تحديد ميزانية كذلك للصدقات خلال شهر الرحمة، والذي يعد سلوكا وخلقا يتوجب على كل عائلة ترسيخه في أبنائها، مهما كان الغلاف المالي المخصص للصدقة. كما أن الكثير من العائلات الجزائرية، فضلت، مؤخرا، قضاء عطلتها الصيفية خلال شهر رمضان، لتزامن الأخير مع فصل الراحة والاستجمام، لذا يمكنهم، حسب إسماعيل دباح، استثمار نفقات الأكل والشرب في العطلة ضمن نفقات رمضان، وبذا تستفيد الأسرة أكثر لأنها ضربت عصفورين بحجر واحد، راحة وصيام. ويضيف محدثنا أن من الطرق الناجعة والناجحة في إدارة الميزانية عموما، أن تكون مكتوبة ومضبوطة وفق الاحتياجات، فالتنظيم الشفوي غير مجد، ثم إن الحسابات بالذهن لا تنفع، فالواجب كتابة الاحتياجات وتقابلها الأموال المخصصة، وضبط ذلك قدر المستطاع. لا لرمي الأكل يقول إسماعيل دباح إنه لو تجول المرء في أي يوم من أيام الصيام في الأسواق، سيقابل حتما المتسوقين ممن يحملون خضرا وفواكه وحلويات...قدر ما يشتهون، لكن أفضل طريقة للتسوق،هي تحديد قائمة الحاجيات مسبقا، وتدوينها على قصاصة من الورق. وحتى النسوة اللواتي تستهويهن الوصفات الجديدة والمتنوعة، تدخلن في سباق ماراطوني، سواء بين البنت وأمها أو بين الأخت وأختها.. فيحضرن الأطباق الكثيرة التي يكون مصيرها بعد أذان الإفطار الرمي. ولتفادي ذلك، ينصح بالاستفادة من الأطعمة المتبقية لليوم الموالي، دون حرج في ذلك، ويمكن للصائمين أن يتغذوا على “الماكلة البايتة”، ما دامت صحية وصالحة. ويعتبر المتحدث أن المتتبع لأحوال بعض الدول العربية الشبيهة بالجزائر في تقاليدها الرمضانية، يجد أن مائدة الجزائري خارج شهر الصوم، تعاني فقرا شديدا، فهي ليست مائدة متوازنة بشكل صحي، الأمر الذي يدفع بعض الناس للاعتقاد بأن مائدة رمضان متنوعة بشكل مبالغ فيه والأصح هو التنويع دون تبذير. لذا، فتجديد فهمنا للصوم على المستويين الفكري والعقائدي، السبيل لقضاء رمضان صحي للجسم، العقل وحتى الجيب، عملا بالقاعدة الشهيرة لسيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “أوَ كلما اشتهيتم اشتريتم؟”.