بعض الناس يشبّهون ما حصل في مصر بما حصل في الجزائر قبل 20 سنة، والواقع أن الحال هو الحال.. لكن الوضع يختلف جذريا وموضوعيا. في الجزائر ليس الإخوان من فاز بالانتخابات في 1992. ومن فاز بالانتخابات الجزائرية لم تعط لهم فرصة الحكم، ولو شهورا، كما هو الحال في مصر، حيث أعطيت الفرصة للإخوان مدة عام وزيادة، ولم يستطيعوا بناء الأمل الذي وعدوا به المصريين. لاشك أن خروج المصريين بأعداد كبيرة في المظاهرات ضد مرسي ليس سببه الفلول وحدهم، وليس سببه المال الفاسد وحده.. وليس سببه الإعلام الفاسد وحده.. بل خروج جزء من الشعب، وبهذا الشكل الكاسح، يستند أيضا إلى نتائج سوء تسيير وسوء تدبير الإخوان، ومرسي شخصيا، ويجب أن يعترف الإخوان في مصر بأنهم ارتكبوا أخطاء قاتلة في إدارة شؤون البلاد، طوال العام وزيادة التي ساسوا فيها البلاد. والأكيد أيضا أن العسكر في مصر اختاروا أخف الأضرار بقرارهم عزل الإخوان من خلال عزل مرسي.. لأنه لم يكن أمام العسكر إلا هذا القرار.. وإلا كان عليهم أن يفتحوا النار على المتظاهرين في ميدان التحرير وباقي المحافظات لحماية الشرعية التي يتمسك بها مرسي! وفي هذه الحالة ستدخل مصر في دوامة اضطرابات لا حد لها! لكن قرار العسكر في ظاهرة انقلاب على الشرعية، وفي جوهره هو حماية لمصر من المزالق الخطيرة، وهي حالة أخطر من حالة المساس بالشرعية لفترة محدودة. الإسلاميون في مصر، وخاصة الإخوان، عقلاء وتدربوا على تقبل المظالم، وقد يتكيفون مع الوضع الجديد، تماما مثلما تكيّف إسلاميو تركيا في عهد أربكان، وخرجوا من تحت الرماد بمارد اسمه أردوغان. العسكر والحكم الانتقالي في مصر يهمّه الاستقرار لإنجاز ما وعدوا به الشعب، لكن الإخوان أيضا يحتاجون إلى استقرار لإعادة بناء أنفسهم وتصحيح أخطائهم.. إخوان مصر مارسوا الحكم لفترة قصيرة، ولا يحق لهم الخطأ! ويخطئ من يعتقد أن العنف والاضطرابات تخدم الإخوان ولا تخدم النظام الجديد، فقد يحتاج النظام الجديد إلى الاضطرابات كي يوجه ضربة قوية إلى الإخوان حتى لا ينظّموا أنفسهم من جديد.. فالاضطرابات تقيم الحجة أكثر على الإخوان، وجعل الناس يستبعدون مشاركتهم في الحكم مستقبلا، فضلا عن الفوز بالحكم والعودة.. فمصر بقدر ما هي في حاجة إلى رصانة وحكمة الحكام الجدد، بقدر ما هي في حاجة إلى تبصّر خاص من قيادة الإخوان للتكيّف مع المرحلة الانتقالية هذه.