/ لا أريد التصريح لأنني أفرق بين الكلام و"الهدرة" / الأخبار التي تأتينا عن صحة الرئيس مطمئنة / المرحلة الانتقالية كلام صالونات ونحن مع بيان وزارة الدفاع / أركان المادة 88 من الدستور غير موجودة / لسنا في الحالة التي تجعلنا نغير تاريخ الرئاسيات / لجنة الدستور وضعت اللمسات الأخيرة على تقريرها / تحدثت مع أويحيى مطولا قبل أن يستقيل / العالم يشهد أننا كنا على حق بشأن الربيع العربي / قضية فتح الحدود مع المغرب أسطوانة قديمة ومستهلكة أخيرا قرر السيد عبد القادر بن صالح، الأمين العام بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الخروج عن صمته، في حوار مطول مع "الخبر"، هو الثاني الذي يدلي به للصحافة الجزائرية.. حوار يرد فيه لأول مرة على الإشاعات التي أرجعت أصوله إلى المغرب، والتي وصفها ب "الإساءات والخزعبلات"، متسائلا عن مصدرها وهدفها والتوقيت الذي اختير لإطلاقها. كما خاض في ملفات الساعة الخاصة بصحة الرئيس وتأثيرها على عمل مؤسسات الدولة، وإصلاحاته والوضع داخل الأرندي ومشروع تعديل الدستور، ورهانات الانتخابات الرئاسية، وموقفه من دعوة تقديمها. ورد أيضا على أسئلة الجريدة حول بعض القضايا الإقليمية والدولية، كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة مع المغرب وراهن دول الجوار ومآلات الربيع العربي. يعرف عنكم قلة تصريحاتكم وظهوركم على وسائل الإعلام، هل لنا أن نعرف إلى ماذا يعود ذلك؟ شكرا لإتاحكتم لي فرصة اللقاء، في البداية أعرف بأنني أوصف لدى وسائل الإعلام بالبخيل في الكلام، وقليل التصريحات، أنا أتحمل هذه المسؤولية، لكن إذا كنت لا أريد الإدلاء بالتصريحات لوسائل الإعلام فهذا من باب التفريق بين الكلام و”الهدرة”، إذا كان هناك داع للكلام فبها ونعمت، أما أن أتكلم في كل مناسبة فهذه طريقة لا أحبذها، أنا أعتبر أن الإنسان الذي يتكلم كثيرا لوسائل الإعلام وفي كافة المناسبات الهام منها وغير الهام، مثله مثل حكاية الحجيلة التي تدور حول المصباح.. وفي لحظة ما يعميها الضوء فتصطدم بالمصباح وتحترق. عدد كبير من الأحزاب السياسية سواء في المعارضة أو المساندة لرئيس الجمهورية تعيش حالة انقسامات وأزمات داخلية، بينها حزبكم، برأيكم ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع غير المسبوق في الحياة السياسية في الجزائر؟ من الصعب وضع تقييم سريع وكامل بشأن ظاهرة الانقسامات في الأحزاب. الساحة السياسية توسعت، وجاءت الإصلاحات الأخيرة، خصوصا قانون الأحزاب، بالعديد منها، فأعطيت الفرصة لكل من يعتقد أنه يحمل رسالة ولديه برنامج سياسي أن يؤسس حزبا. نتيجة لهذه الأوضاع تضاعف عدد الأحزاب وحصل ما يمكن وصفه بعملية تضخم في الساحة السياسية، لهذا من الصعب عليّ أن أصف وضع حالات الأحزاب كافة والتعليق عليها واحدا واحدا. لكن ما أراه في الساحة الوطنية هو أن هناك ثلاثة أو أربعة أصناف من الأحزاب التي ينطبق عليها التصنيف الذي أسعى إلى تقديمه، هناك أحزاب حديثة النشأة، الخلاف في إطارها طبيعي، وهناك أحزاب تعرف مشاكل وقد يكون ذلك نتيجة المواعيد والاستحقاقات التي عرفتها البلاد مؤخرا، فولدت خيبة أمل لدى البعض، ما أدى إلى خلافات بين هؤلاء وبين قياداتهم، كونهم لم يدرجوا ضمن القوائم أو تم إقصاؤهم منها، كما أن هناك أحزابا أخرى عرفت مشاكل ذات صلة برئاسيات 2014. لا أستطيع أن أسمي أحزابا بعينها، لكن أستطيع أن أفسر الوضع بالنسبة للتجمع الوطني الديمقراطي الذي عاش هو الآخر بعض المشاكل التي هي الآن في طريقها إلى الزوال، خاصة بعد نجاح الدورة الاستثنائية للحزب. التجمع الوطني الديمقراطي عمره اليوم 16 سنة، والحقيقة أن هذا الحزب قام منذ اللحظة الأولى من أجل تحقيق أهداف، وهو عمل من البداية على الوصول لهذه الأهداف، قام لتأكيد المبادئ التي على أساسها اندلعت ثورة نوفمبر الخالدة، وقام من أجل الدفاع عن الجزائر ونظامها الجمهوري والوقوف في وجه القوى التي كانت تسعى لزعزعة أركان الدولة العصرية.. إذن على مبادئ وأهداف واضحة التف حولها المواطنون الذين يحملون الجزائر في القلب ويدافعون عنها بالروح. وعندما قام التجمع الوطني الديمقراطي وصف بأوصاف عدة، لكننا لم نهتم بهؤلاء، حزبنا لم يولد من لا شيء، بل قام بفضل تصميم وإرادة رجال ونساء آمنوا برسالته وكانوا فعلا موجودين في الساحة، عمال ومجاهدون وأبناء شهداء وأبناء مجاهدين وشباب وإطارات في الدولة ومقاومون للإرهاب، مواطنون من كافة شرائح المجتمع، تلك كانت القواعد النضالية للتجمع الوطني الديمقراطي عند تأسيسه. وهو في عمله الأول ركز الاهتمام على الجزائر العميقة، عمل في الأرياف دون تجاهل المدن الكبيرة والصغيرة. فكان الالتفاف وكان التجاوب مع رسالته الواضحة، الأمر الذي حقق له النتائج المعروفة في الاستحقاقات والمواعيد الانتخابية التي خاضها مباشرة بعد التأسيس. كانت تلك تجربتنا في المراحل الأولى التي خضنا فيها انتخابات عام 1997 بنساء ورجال جدد، وفي الحملة الانتخابية الأولى كنا نقصد الأرياف، فيما لم تجد أحزاب أخرى من ترشح، فزنا بانتخابات 1997، وكانت أغلبية الفريق الحكومي يومها من التجمع الوطني الديمقراطي، لكن الوضع بدأ يتغير.. وعندما يتولى أي حزب مسؤولية التسيير تواجهه مشاكل وصعوبات، فيحقق النجاحات لكنه يعرف الإخفاقات، لهذا وفي انتخابات 2002 تقهقر حزبنا إلى المرتبة الثانية، بعد أن كان يحتل المكانة الأولى.. وكان ذلك بسبب ممارسة الحكم والسلطة. وقد عرف حزبنا يومها بعض المشاكل وعرف بعض الشروخ في صفوفه. فيما يخصني فإني بعد سنة سلمت القيادة إلى أمين عام جديد، لأن أحد شروط قبولي بقيادة الحزب في البداية كان ألا يتجاوز ذلك سنة واحدة، بعدها تم اختيار أمين عام جديد وبعد فترة قصيرة وقع تغيير آخر في القيادة. فبدأ الحزب في مراجعة سياساته واعتمد سياسة جديدة في مجال التنظيم وإعادة الانتشار، وقد شارك في كافة الحكومات المتعاقبة. لكن مهمة تسيير شؤون الدولة وشؤون الحزب ليست سهلة. لكن الأزمة الأخيرة للحزب كانت قاصمة، وخلقت حالة من التشنج بين الإطارات انتهت باستقالة أويحيى؟ في الأزمة الأخيرة الأخ أحمد أويحيى قدم استقالته، وقد لاحظتم ولا شك أن الاستقالة جاءت بعد الانتخابات التشريعية والمحلية والتجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، وهذه الانتخابات خلقت بالطبع ظروفا غير طبيعية وأدت إلى ردود فعل تعرفونها، ردود فعل هادئة أحيانا وأحيانا صاخبة. وعقدت الدورة العادية وطلب مني يومها أن أكون على رأس الأمانة بقصد توفير الشروط المناسبة لعقد الدورة الاستثنائية أولا، وتنظيم انعقاد المؤتمر ثانيا. في هذه الفترة كانت المواقف متباعدة بل أقول متشنجة ما بين طرفين في الحزب، ولحسن الحظ فإن هذه الخلافات لم تكن حول التوجهات، بل حول الممارسات ومشاكل تعود بالأساس إلى التبعات الناجمة عن الترشيحات في القوائم الانتخابية، وكان عليّ أن أعمل على جمع كل الأطراف وإقناعهم بالجلوس معا من أجل الوصول إلى القواسم المشتركة التي يمكن التلاقي حولها... انتقدت كثيرا ومن أكثر من جهة، لكنني فضلت عدم الرد والدخول في المهاترات، لأنني أعتبر أن الهدف أغلى وأهم من صورة الشخص. عملت في صمت وتحملت كل ما كان يقال عني هنا وهناك، لأن غايتي كانت جمع طرفي الأزمة في الحزب. وأعتقد أنني والزملاء الذين عملوا معي وفقنا. والدليل أن النتيجة كانت انعقاد الدورة الاستثنائية في ظل ظروف عادية، والتي أعتبرها منعطفا هاما وبداية لانطلاقة جديدة، ستبرز نتائجها في مؤتمر ديسمبر المقبل. صحيح أن الدورة الأخيرة للمجلس الوطني للأرندي كانت هادئة، لكن الأزمة لم تنته؟ لا أنكر ذلك ولا أخفي الحقيقة، فالأزمة التي عشناها لا يمكن أن تنتهي سريعا، ولا يمكن أن أطلب من المناضلين أن يغيروا مواقفهم ب 360 درجة في ظرف 48 ساعة. في بعض المناطق والمرات وصل الخلاف بين الإطارات إلى مرحلة الخصام، ولم يكن سهلا إقناعهم بتجاوز تلك الخلافات وفي ظرف وجيز. أحيانا كنت أحس أنني مثل “البيلدوزير” الذي يجد في طريقه حجرا ضخما يصعب تحريكه، وكان عليّ أن أناور وأن أعمل على إقناع هذا الطرف وذاك بالتنازل من أجل المصلحة العامة وتحريك الأمور في الاتجاه الصحيح، وبعد جهد جهيد يمكن القول أننا حققنا مكسب جلوس الإطارات مع بعضهم، ومناقشة الوثائق واللوائح المعدة للدورة والاتفاق حول مضمونها. وجدنا مقاومة من بعض الجهات التي لم تقتنع بالوضع الجديد، لكنها اضطرت في النهاية إلى القبول بالنتيجة. في بداية الأزمة لم تكن لنا أرضية مشتركة، الواحد يدعو إلى التغيير الكامل والعودة إلى نقطة الصفر وفي كل شيء، والآخر كان يدعو هو الآخر إلى الإبقاء على كل شيء كما لو أن شيئا لم يحدث، لكننا الآن وبعد نجاح الدورة أصبحت لدينا أرضية عمل ولوائح نعمل على أساسها إلى غاية انعقاد المؤتمر، وهذا ما سييسر لنا التحضير لمستقبل الحزب. عدا ما هو معلن، ما هي خلفيات استقالة أويحيى وهل تحدثتم معه حول ذلك؟ الأخ أحمد أويحيى مناضل تولى قيادة الحزب لمدة طويلة وهو يعرف كيف يحلل الأوضاع، في الأزمة الأخيرة شعر بتصميم فئة ليست بالبسيطة على التغيير، وكان عليه أن يختار بين أن يستمر في المسؤولية، وقد يؤدي ذلك إلى شرخ في صفوف الحزب، وبين الاستقالة، ففضل الاستقالة، وهذا موقف مسؤول يحسب له، لأنه اختار التنحي لصالح الحزب وفي هذا الظرف بالذات الذي يحتاج فيه البلد لحزب هام كحزب التجمع الوطني الديمقراطي. هذه المسألة كانت موضوع حديث مطول بيني وبينه قبل الاستقالة. بالنسبة للتجمع الوطني الديمقراطي، وبعد عقد دورة المجلس الوطني، ما هي الخطوات التنظيمية المقبلة؟ الخطوة الأولى حصلت وقد حققنا نتائج حقيقية، حيث وفرنا الأدوات التي تساعدنا على الذهاب إلى عقد المؤتمر بشكل عادي وفي ظروف مواتية، لقد انتخبنا لجنة وطنية مهمتها وضع كافة الترتيبات الضرورية لعقد المؤتمر الرابع، وهي ستحضر مشاريع اللوائح والقرارات وتوفر الأجواء المناسبة لمناقشة تلك الوثائق، وستشرف على عمليات انتخاب المندوبين. هي تقدم التصورات المستقبلية في المجال التنظيمي والعقائدي وتحضر المناخ المناسب لعقد المؤتمر في ظروف عادية وانتخاب قيادة جديدة للحزب. اللجنة التحضيرية تشرف أيضا على المؤتمرات الولائية والجهوية، وبالطبع تحضر الشروط الكفيلة بعقد هذا المؤتمر. من جهتنا وفرنا التوصيات المساعدة للنقاش والبيان السياسي الذي سنعمل على توزيعه على اللجان الأربع التي تنبثق من اللجنة الوطنية وأيضا أفواج العمل الأربعة عشر.. هناك توجه قوي لاعتماد الانتخاب كقاعدة عمل على كافة المستويات، ما عدا بعض الإطارات الذين سيتم تعيينهم بحكم الصفة، مثل النواب وأعضاء مجلس الأمة والوزراء، يبقى أن هناك أسئلة مختلفة اليوم تطرح في صفوف المناضلين ومنها : هل نستمر في الممارسة التي كنا عليها حين تأسيس الحزب ؟ الآن الأمور تغيرت، كما أن القوانين الأساسية في البلاد عرفت تغييرات، ما يستوجب تكييف قانون حزبنا الأساسي ونظامه الداخلي وفق هذه التغييرات. هذه بعض الأسئلة وكثيرة أخرى متعلقة بالتغيرات التي عرفتها الساحة الوطنية التي تستوجب الأخذ بها في مؤتمرنا القادم.. أما بخصوص التسيير، هل نستمر في تعيين المنسقين الولائيين من قبل الأمين العام أم انتخابهم من قبل المناضلين؟ وهل تبقى المسؤوليات مثلا ممركزة في يد واحدة أم يجب أن نوزع المسؤوليات؟ هذه الانشغالات وغيرها سيتم الفصل فيها في المؤتمر القادم، أضف إلى ذلك أن اللجان الأربع ستدرس أيضا التوجه الاستراتيجي للحزب وتحضير بيان حول السياسة العامة التي سيتخذها مستقبلا. بحكم المعطيات الحالية هل أنتم مرشحون لقيادة الحزب خلال المؤتمر المقبل المزمع في 26 ديسمبر؟ في اعتقادي الأولوية الآن هي لإعادة بناء الحزب وتنظيمه، وفي 26 ديسمبر لكل إطار حزبي الحق في الترشح، أي أن الحديث عن ترشحي لقيادة الحزب سابق لأوانه، لدينا مجموعة من الإطارات مستواها جيد وهي قادرة على تسيير الحزب، حزبنا ديمقراطي وعلينا أن نمنح لكل إطار حقه المشروع في الترشح لأي منصب قيادي يريده. منظمات جماهيرية كانت تشكل الوعاء الأهم للأرندي باتت تنتقد الحزب وتتهمه بالتخلي عنها كالمقاومين والحرس البلدي؟ هذا الكلام تنقصه الدقة. فالمنظمات التي ساهمت في تأسيس الحزب ولها مكانها في صفوفه موجودة، ولا أدل على ذلك من أن قيادات هذه المنظمات عينت في اللجنة التحضيرية للمؤتمر بحكم الصفة. هناك من ربط عودتكم إلى رئاسة الحزب بعد استقالة أويحيى بإمكانية ترشحكم للانتخابات الرئاسية في حال لم يترشح الرئيس بوتفليقة، كيف تعلقون على ذلك؟ وإن كنت أمينا عاما للحزب، فأنا أيضا رئيس لمجلس الأمة. ورئيس مجلس الأمة حُددت مسؤولياته وإطار عمله وكيفيات تنفيذ هذا العمل في نطاق الدستور والقوانين الناظمة لعمل مجلس الأمة. إذا كان من الظلم القول بفشل الإصلاحات السياسية، لكن هل من العدل أن نقول إن هذه الإصلاحات حققت أهدافها خاصة وأن هناك إجماعا لدى كل القوى السياسية بفشل ذلك ؟ الأصح هو القول إن هناك من يقول بفشل الإصلاحات.. وهو قول لا نتفق مع أصحابه، ولكن لكل طرف الحق في الحكم وإبداء الرأي في العمل والنتيجة التي تحققت في سياسة الإصلاح هذه. بالطبع عندما يكون الواحد في المعارضة فإن ما يهمه هو البحث عن النقائص الموجودة في السياسات الممارسة، وبطبيعة الحال فإن من يكون مشاركا في السلطة تكون أحكامه مختلفة. لكن بين هذا وذاك تبقى حقيقة الوقائع والأرقام هي التي تبين من كان على صواب ومن هو على خطأ. الأرقام والوقائع في حالتنا هي التي تتحدث عن نفسها. قوانين الإصلاح تتحدث عن نفسها، مثلا قانون ترقية المرأة في الساحة السياسية فند كل الأقاويل التي كانت تقول إن المرأة قاصر. قضية تمثيل المجتمع المدني هي الأخرى كانت موضوع شك، لكن التجربة تبين لنا عكس ذلك. قانون الأحزاب من جهته فتح الساحة السياسية، ولم يعد الحقل السياسي محصورا في الأرندي والأفالان فقط، فهناك أزيد من 50 تشكيلة سياسية تعمل وتنشط، وفي النهاية تبقى الانتخابات هي التي تحدد وتفرز من هو الحزب القوي ومن هو الأقل قوة. بعد قطع هذه الخطوات في مجال تحقيق سياسة الإصلاح بقيت الآن مسألة تعديل الدستور. عندما طرح السيد الرئيس منهجية الإصلاحات وترتيب خطواتها، الكثيرون انتقدوا ذلك، وقالوا بضرورة البدء بالدستور. هنا أقول لكم إن هناك دولة مجاورة اختارت هذا النهج، وهنا يتوجب عليّ احترام خيارها، لكنني أذكر بأن هذه الدولة مر على شروعها في عملية التعديل أكثر من سنتين ولم تتوصل بعد إلى المصادقة على دستورها، إذن ما هو الأفضل هل نبدأ باعتماد القوانين الأساسية المؤطرة لسير البلاد لنصل فيما بعد إلى مراجعة الدستور.. أم نبدأ بالدستور وفيه نعرف وضعا شبيها بذلك الذي يعرفه هذا البلد؟ أعتقد أننا انتهجنا طريقة أكثر نجاعة، مع احترامنا للنهج الذي اختاره غيرنا، والنتائج الطيبة التي حققناها دليل على صحة النهج والخيار. هناك تقارير تتحدث عن تجميد عمل لجنة تعديل الدستور، توازيا مع الأزمة الصحية للرئيس بوتفليقة؟ أنا لم أسمع هذا الكلام، ولا أرد على هذا الخبر الذي تنقصه الدقة، ما لدي من معلومات يؤكد أنه ليس هناك أي قرار بهذا الشأن، على العكس، أعتقد أن اللجنة التقنية المكلفة بصياغة مشروع الدستور تكون قد وضعت اللمسات الأخيرة على تقريرها، وسوف يُمكَّن منها السيد الرئيس بوتفليقة متى يعود. أي نوع من نظام الحكم تقترحونه في الدستور المقبل وترونه صالحا للجزائر والجزائريين؟ لدينا قناعة عبرنا عنها في المشاورات السياسية التي جرت مع لجنة المشاورات في 2011 وقد كنا ميالين ولا زلنا إلى نظام شبه رئاسي، خيارنا يقوم على أساس أننا لا نأخذ بتجربة النظام الرئاسي وهو مجسد في بلد معين تعرفونه، وتعرفون أن له مؤسسات قوية وقضاء مستقلا وعريقا، وتركيبة نظامه المؤسساتية منسجمة، وإذا كان البلد قد نجح في تطبيقه، أي النظام الرئاسي، فلأن الشأن العام يسير فيه بشكل معروف وكل واحد يعرف أين يقف وأين يبدأ عمل الآخر، ويتم ذلك كله بشكل عادي. أما نحن فأعتقد أننا لا نزال بعيدين. بالمقابل أعتقد أن النظام البرلماني صعب تطبيقه في الجزائر كون أحزابنا لم تصل بعد إلى مستوى التشبع بتقاليد الممارسة البرلمانية والحزبية التي يجب أن يقوم على أساسها هذا النظام، ولأن اعتماد هذا الشكل في الحكم بشهادة العديد من المختصين لا يساعد على توفير شروط الاستقرار. كنت قبل فترة أتحدث إلى مسؤول في دولة عربية شقيقة، وكان يتحدث عن أن النظام البرلماني في بلده وعن المصاعب التي تواجههم وتسببه في عدم الاستقرار وتعطيل النصوص والصراع القائم بين النواب والحكومة وما يترتب عنه من آثار سلبية على التنمية. وقال لي: “وصلنا إلى وضع لا يطاق”. والأمثلة المشابهة لهذا البلد الشقيق في العالم كثيرة، لهذه الأسباب وغيرها نحن نفضل النظام شبه الرئاسي الذي يمزج بين النظامين، نظام يقوم على أساس توازن معقول بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية، على أن يبقى قائد المسيرة هو رئيس الجمهورية. هل مازلتم تدعمون فكرة أن يكون الوزير الأول من حزب الأغلبية البرلمانية؟ هذا الموضوع تركناه للدراسة والتقييم بحسب الواقع السياسي الذي تفرزه الظروف والحالات التي تكون عليها البلاد، والسؤال الذي يجب أن يطرح هو : ما المقصود بالأغلبية، هل هي أغلبية للحزب الفائز في الانتخابات أم لمجموعة أحزاب متحالفة في البرلمان؟ المهم في الأمر أن تكون هناك أغلبية بإمكانها أن تحكم وتمرر قوانينها في البرلمان بشكل طبيعي. هل التعديل المقبل للدستور سيتضمن تعيين نائب لرئيس الجمهورية أو رئيس حكومة بدل وزير أول؟ لا علم لي بهذا الشأن، لأن تقرير اللجنة مازال في طور التحضير، ولم يصل إلى علمنا لا كأحزاب ولا كمؤسسات. بحسب الظروف الحالية المرتبطة بأزمة مرض الرئيس بوتفليقة، هل يمكن تأجيل تعديل الدستور؟ ما نأمله هو أن يكون غياب الرئيس مؤقتا وهو كذلك، والأخبار التي تأتينا في هذا المجال مطمئنة، لكن شؤون الدولة تسير بشكل عادي، والوزير الأول يؤدي دوره داخل الوطن وخارجه. ويتنقل وفق ما هو مخول له دستوريا ويلتقي بالولاة، ويزور الولايات ويتفقد قضايا المواطنين. البرلمان يسير بشكل عادي أيضا، أين المشكل إذن؟ المشكل أن هناك بعض الناس لأسباب معروفة يتكلمون ويحللون الأمور من منطلق استحقاق السنة المقبلة، وهذه هي الحقيقة، لكنهم لا يبوحون بها، أما من يُحاول أن يعطي القراءات المزاجية لمواد معينة في الدستور، فهذا أمر آخر وهم أحرار في ذلك، لكن الأمر يعنيهم وحدهم، لأن الواقع يقول شيئا آخر، الملفات تعالج، والتعليمات تأتي والتوجيهات ترد وتصل من مصدرها إلى المؤسسات وتصدر من الجهة المخولة التي هي الرئيس. على ذكر غياب الرئيس، هاجمتم بعض الأطراف السياسية التي تحدثت عن المادة 88، أليس من حق هذه الأطراف أن تطالب بتفعيل مادة دستورية؟ موضوع التعبير عن الموقف يعني صاحبه فقط وكل واحد حر في ذلك، لكن أن يعطي الواحد قراءات لا تتماشى مع الواقع ولا مع مضمون المادة 88 فهذا أمر لا نتقاسمه مع أصحابه. هناك من الجهات من ذهب بعيدا في قراءاته وتجاوز كافة القواعد الأخلاقية والسياسية، وهذا ما أثار حفيظتنا، في حين أن المادة 88 واضحة كل الوضوح وهي تحدد حالة الشغور والفراغ بكامل الدقة. برأيكم هل أن حالة الشغور غير قائمة في الوضع الحالي للجزائر؟ نعم هي غير قائمة، وأركان المادة 88 من الدستور غير موجودة في الوقت الحالي، كل مؤسسات الدولة تسير بشكل طبيعي، وتطبيق المادة 88 يجب أن يكون له أساس، وهذا الأساس غير موجود في الوضع الحالي. كيف ستتعامل الحكومة مع قانون المالية التكميلي الذي يحمل طابعا استعجاليا بما أن مجلس الوزراء لن ينعقد في القريب العاجل؟ التعامل مع هذا الملف سيكون كالتعامل مع كافة مشاريع القوانين، وهو بالطبع سيصدر حسب الإجراءات التي تتبع بالنسبة للقوانين الأخرى، أي مجلس الوزراء فالبرلمان. أما بالنسبة لقانون المالية التكميلي فإذا كانت هناك موجبات استعجالية، فيمكن دراستها في مجلس الوزراء وإصداره على أن يقدم لاحقا إلى البرلمان قصد تحديد الموقف. هل تقصد أن قانون المالية التكميلي سيصدر بأمرية رئاسية؟ المرور على موافقة مجلس الوزراء أمر حتمي، لكن صدوره بشكل أمرية رئاسية هو أيضا أمر ممكن على أن يعود في الدورة المقبلة للبرلمان ليحدد موقفه منه. الحكومة اليوم أمام إشكالية الوعود التي لا تتحقق، ما هز ثقة المواطن في مسؤوليه، ما تعليقكم؟ هذا موضوع كبير ولكل طرف رأي فيه، لكني أقول إن موضوع الثقة يطرح بشكل جدي عندما تصل الأوضاع إلى مستوى ما حصل في دول الجيرة عندما تُقطع الصلة وتنعدم الثقة بين أغلبية المواطنين ونظام الحكم. والجزائر ليست في مثل هذه الحالة، صحيح هناك مشاكل موضوعية والدولة في إطار اختصاصاتها تعمل على معالجتها. برأيكم هل الحكومة فشلت في تسيير فترة مرض الرئيس بوتفليقة إعلاميا؟ وفرت الدولة المعلومات الممكنة، والجزائر في هذا الباب ليست الوحيدة التي عرفت مثل هذه الوضعيات، فهناك بلدان عديدة في الجوار ودول بعيدة أخرى شهدت نفس الأوضاع... فهل عالجت هذه الدول الموضوع أحسن منا ؟ بالطبع لا. هل أدى الوضع في بعض بلدان الجوار التي شهدت ثورات بالجزائر إلى تخفيض سقف الإصلاحات السياسية؟ شخصيا لا أرى أي تخفيض في سقف الإصلاحات، قُدمت وعود وتم احترامها من طرف رئيس الجمهورية، والإصلاحات تسير بالوتيرة المسطرة لها، هناك ظرف استثنائي وإن شاء الله قريبا جدا ستعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، فالمسار أخذ النهج الذي حدد له من قبل، سمعنا بعض الأقاويل في وقت سابق لما صادق البرلمان على القوانين العضوية بأن الدستور لن يتم تعديله، لكنكم شهود على تشكيل لجنة مراجعة الدستور، وهو دليل على أن التصميم موجود، وإذا حدث بعض التأخر لبضعة أيام أو أسابيع فلن يكون ذلك نهاية العالم. بعض قوانين الإصلاح السياسي لم تر النور رغم الوعود المتكررة، منها قانون السمعي البصري؟ لا أستطيع هنا أن أحدد لكم تاريخا لصدور هذا القانون، لأنه مرتبط بسبب موضوعي ومادي تعرفونه، مجلس الوزراء لم ينعقد لأن رئيس الجمهورية، رئيس الهيئة التنفيذية غائب، لكن هذا الغياب هو مؤقت كما تعلمون وسوف يعقد مجلس الوزراء في الوقت المناسب وسيتم في حينه دراسة المشروع إلى جانب مشاريع أخرى. بعض الجهات تعتبر أن توليكم المفترض لرئاسة الدولة سواء طبقت المادة 88 من الدستور أو عبر انتخابات رئاسية أمر غير دستوري، لأن جنسيتكم ليست أصلية وإنما مكتسبة بحكم أصولكم المغربية؟ غريب جدا نشر مثل هذه الأقاويل الزائفة والعارية من الصحة، وبهذه البساطة يتم التعريض بسمعة شخص ومكانته وحياته الخاصة. والواقع أنني كنت أتوقع منكم طرح مثل هذا السؤال، خاصة وأن أكثر من جهة تداولته. وقد ترددت كثيرا بين تجاهل الرد على مثل هذا السؤال، باعتبار أنني في غير حاجة إلى تبرير من أنا وما هي أصولي وفصولي؟ في سني ومكانتي ومستوى المسؤوليات التي أتولاها ! أو أن أرد على سؤالكم من منطلق أن السكوت عن الافتراء قد يصبح عند من لا يعلم الحقيقة حقيقة. أما وقد طرحتم السؤال فإني أقول لكم: ابحثوا عن أصولي وجذوري وستجدونها في أعماق جبل فلاوسن بتلمسان حيث ولد آبائي وأجدادي وولدت أنا أيضا وعاشوا وترعرعوا وماتوا. إذا كنتم تريدون معرفة من أنا فاذهبوا إلى قرية “المهراز”، دائرة فلاوسن، وافتحوا دفاتر سجلات الحالة المدنية في البلدية واسألوا من تريدون ! حيث ولدت وحيث ولد أفراد عائلتي هم الآخرون وحيث مدافنهم وحيث توجد الأراضي التي تركها لي آبائي وأجدادي؟ عن مساري المهني أنتم تعرفون أني تقلدت المسؤوليات الرفيعة في الدولة. وهذه المسؤوليات لا يتولاها أي كان، ولا هي تمنح لصاحبها صدفة. فقد عينت مديرا لجريدة “الشعب” وانتخبت أربع مرات متعاقبة في المجلس الشعبي الوطني. فهل من المعقول أن ينتخب المواطن رجلا لتمثيله في هيئات سيادية، من غير ذويه وأبناء جلدته لتمثيله في هيئات سامية في الدولة ولأكثر من عهدة! هل يعقل أن مسؤولا يخضع تعيينه إلى تحريات قَبْلِيّة تجريها مصالح رسمية مسؤولة في الدولة ويعين بتوقيع من رئيس الجمهورية عبر مرسوم رئاسي دون أن تكون شروط تعيينه في تلك المناصب متوفرة ؟ يقول مروجو هذه الإشاعات المغرضة إنني اكتسبت الجنسية في منتصف الستينات. الذي أقوله هو إن الجزائر دولة تسير بقوانين، ومراسيم الجمهورية تنشر في الجريدة الرسمية ويقرأها العام والخاص.. فهل يوجد من يوفر لي العدد والتاريخ الذي صدر فيه مرسوم التجنس هذا؟ الآن وقد أعطيتكم الجواب عن سؤالكم.. فمن حقي أنا أيضا أن أسأل: لماذا جاء الترويج لهذه الإساءات والخزعبلات في هذا الظرف بالذات؟ وماذا يُراد من وراء حملة التشويه هذه ؟ ومن يقف وراء هذه الحملة المغرضة ؟ أترك لحسكم المهني البحث عن الجواب. ربما يكون للأمر علاقة باقتراب الرئاسيات وتوقع البعض ترشحكم للمنصب؟ لا أدري.. أما فيما يخص موضوع الترشح فأنا رئيس مجلس الأمة كما أسلفت الذكر، والدستور يحدد صلاحيات هذا الأخير ومهامه وكيفية أدائها وشروط تعيينه. رغم ذلك هل لديكم طموح في الترشح لرئاسة الجمهورية؟ قلت لكم أنا رئيس مجلس الأمة والسيد رئيس الجمهورية شرفني بتعييني في الثلث الرئاسي وأعضاء مجلس الأمة شرفوني بدورهم بثقتهم لتولي هذه المسؤولية، أنا شاكر لهم جميعا وأنا راض بهذه المسؤولية. هل ستجرى الرئاسيات المقبلة في وقتها المحدد؟ نحن على بعد تسعة أشهر عن الموعد، فهل هناك مؤشرات على إجراء الانتخابات خارج وقتها ؟ هذا الطرح ليس له مبرر، لسنا في الحالة التي تجعلنا نغير تاريخ الانتخابات، نحن في دولة عادية وهيئاتها تؤدي دورها عاديا، كما أن التوجيهات تبلغ من القاضي الأول في البلاد يوميا للمسؤولين. فلماذا يطرح مثل هذا التساؤل؟ أحزاب سياسية تطالب بتدخل الجيش في الفترة الحالية لتأدية دور سياسي معين، ما رأيكم؟ موقفنا متطابق تماما مع ما جاء في بيان وزارة الدفاع الوطني الذي عبرت فيه عن تشبث الجيش بدوره الدستوري المكرس، وعن التزامه المستمر لكونه جيشا جمهوريا. بالنسبة لنا فإن الجيش عبر عن موقفه بنفسه لأنه جيش جمهوري يعمل على حماية السلامة الترابية وصيانة الأمن والاستقرار في البلاد. ظهرت أطروحات تقترح مرحلة انتقالية في البلاد؟ لا أريد الدخول في كلام الصالونات. هل الرئاسيات المقبلة ستكون نزيهة ومفتوحة؟ ليس هناك مؤشر يخالف ذلك. بعد خروج حركة مجتمع السلم من التحالف الرئاسي كيف هو حال هذا التكتل؟ نحن حزب داعم لبرنامج رئيس الجمهورية، دعمناه وندعمه وسنستمر في ذلك، التحالف كان مكسبا ولئن تركت تشكيلاته الموقع فإن هناك آخرين قد التحقوا به والأرض تسير وفق قانون الطبيعة ولا شيء تغير فيها. الكثير من النواب قدموا طلبا لفتح تحقيق في قضايا الفساد، لم نسمع رأيا للأرندي؟ في الكلمة التي ألقيتها في دورة المجلس الوطني دعوت إلى ضرورة محاربة الظاهرة واستئصالها من جذورها، هناك ملفات عديدة في هذا المجال مطروحة على العدالة وبموجب القوانين، فلا أحد لديه الحق للتدخل في الملفات المطروحة أمام جهاز القضاء. لكن هناك من يربط تفشي الفساد بطبيعة نظام الحكم؟ هذا الربط فيه الكثير من المبالغة، كل بلد فيه مظاهر فساد، الجزائر كبرت وميزانيتها صارت أضعاف ما كانت عليه قبل عشر سنوات، بل وصلت لعشرات الأضعاف في بعض القطاعات، هناك وتيرة تنمية سريعة. وفي إطار هذا الزخم الواقع في مجال الاستثمار والتنمية، قد تقع أخطاء وقد تحصل تجاوزات وهذا أمر متوقع، أما الحكم على الدولة ومؤسساتها ككل بأنها فاسدة فهذه تهمة قاسية. ألا تظنون أن المؤسسات التي يجب أن تكفل دور الرقابة لا تؤدي دورها؟ صحيح أن الرقابة ليست في مستواها المطلوب لكنها موجودة، هناك دور رقابي تؤديه الهيئة التشريعية من خلال الأسئلة الشفهية والكتابية التي يأتي الوزراء من أجلها للبرلمان ليشرحوا كل شيء لممثلي الشعب. هل يمكن اعتبار هذا عملا رقابيا أم لا؟ كما أن هناك وفودا برلمانية تُرسلها غرفتا البرلمان إلى مختلف ولايات الوطن قصد تحري واقع التنمية ومعرفة مدى تطبيق برنامج الحكومة، فهل العمل بهذا يعد رقابيا أم لا ؟ إلى جانب ذلك هناك مناقشات القوانين، خاصة قوانين المالية أو مناقشة برنامج الحكومة بكل ما يتبعها، فهل يعد هذا عملا رقابيا أم لا؟ احتجاجات الجنوب، هل هي مرتبطة بضعف التنمية أم كما قالت بعض الأحزاب لا تخلو من الاستغلال؟ هناك مشاكل في العديد من المناطق، هذا صحيح، والبطالة مشكلة وطنية والمطالب المشروعة في أي منطقة من مناطق الجزائر هي حقيقة أيضا، ونحن ندعو إلى التجاوب مع المعقول منها، أما محاولة استغلالها لغايات سياسوية فهذا ما نقف ضده وضد من يحرك فاعليه. هناك من رشح الجزائر للالتحاق بموجة الربيع العربي، كيف تقرأون تعاطي الجزائر مع التحولات الحاصلة في دول الجوار تحديدا؟ لكل شعب أوضاعه الخاصة، ولكل شعب أيضا طموحاته، أوضاع شعوب الجوار تختلف عن أوضاعنا، نحن في التسعينات وقعت عندنا تغييرات جذرية، وعرف دستور بلادنا يومها تغييرات كبيرة. وكانت هذه التغييرات بمثابة الخطوة الأولى في سياسة الإصلاحات، كونها أتت بالتعددية الحزبية والإعلامية وغيرها من التعديلات، لكن للأسف كانت مصحوبة بانزلاقات أفرزت عشرية الدماء والدموع التي تركت آثارها الكارثية في المجتمع. وفي 1999 جاء الرئيس بوتفليقة، جاء ببرنامج إصلاح كامل، وقال إنه غير مقتنع بالأوضاع الراهنة وبالدستور، وأعلن في برنامجه الانتخابي عن ثلاثة أهداف رئيسة سيعمل لتحقيقها، تتمثل في دعوته لإطفاء نار الفتنة وإنعاش الاقتصاد والتنمية وإعادة الجزائر إلى المحافل الدولية، عمل طيلة الفترة على تحقيق الأولويات، وأعطت سياساته نتائج غيرت من واقع الجزائر إلى الأحسن بالطبع. اختلف البعض في هذا التقييم. هناك من يتحدث عن نقائص، هذا أمر آخر. لكن لا أحد ينكر أن الجزائر عرفت تغيرات إيجابية كبيرة منذ مجيء السيد الرئيس بوتفليقة وخلال كامل الفترات التي أعقبت 1999. بعدها جاء الرئيس بحزمة جديدة من الإصلاحات السياسية بدأت بتشكيل لجان الإصلاحات في قطاعات الدولة والعدالة والمنظومة التربوية، ثم في جولة أخيرة وعبر المشاورات حول الإصلاحات السياسية التي كانت مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وكذا الشخصيات الوطنية، انتهت إلى بلورة أفكار وجدت ترجمتها في القوانين العضوية الهامة التي صادق عليها البرلمان (الإعلام والأحزاب وترقية المرأة والجمعيات وغيرها). وإلى جانب هذه الإصلاحات هناك إنجازات اقتصادية هامة تبعتها مكاسب اجتماعية، ساعدت في التخفيف وحل المشاكل التي كانت قائمة، كتقليص البطالة إلى حد كبير والحد من أزمة السكن ببناء مئات الآلاف من السكنات الاجتماعية. الجزائر خلال هذه الفترة مسحت المديونية التي كانت تعاني منها. هناك تغيير كبير في المدن والقرى، ووجه الجزائر تغير كليا. هذه الإنجازات كانت بمثابة العوامل التي هدأت الجبهة الاجتماعية وأقنعت الجزائريين بعدم الانسياق وراء المجهول. إضافة إلى هذا، فإن ما حدث في دول الجوار أقنع الجزائريين بأن عليهم أن يفكروا مليا بين العودة إلى مرحلة الأزمة التي عرفتها البلاد في التسعينات أو الذهاب إلى التغيير السلس الذي يعزز الاستقرار ويقوي التنمية، وكان هذا هو الخيار العاقل الذي تبناه الجزائريون. في التجمع الوطني الديمقراطي لم نتبن لا الطرح ولا التسمية، لأن التغيير لا يأتي بالضرورة بالعنف.. وفي جميع الأحوال فإن التغيير لا يمكن استنساخه، فهو ليس وصفة جاهزة يمكن تعميمها، لأن لكل بلد أوضاعه وتطلعاته، وحتى الذين تحمسوا لهذا الطرح يراجعون الآن مواقفهم مما يجري في تلك البلدان، والكثير من الوفود الأجنبية التي استقبلناها في الفترة الماضية لم تخف ثناءها على الطرح العاقل الذي انتهجته الجزائر خلال السنوات الماضية في تعاطيها مع موجة التغيير في المنطقة. لكن الوضع الإقليمي حول الجزائر مضطرب، والحدود مع ليبيا ومالي وتونس والمغرب تعرف وضعا غير عادي، كيف يمكن للجزائر تجاوز هذه الظروف؟ الحقيقة هي أن الوضع القائم في هذه المناطق يدعونا لليقظة وليس إلى التخوف، أول شيء يجب التذكير به هو أن الجزائر لا تتدخل في الشأن الليبي ولا المالي ولا التونسي ولا المغربي ولا في غيرها من البلدان، فهي أمور تخص شعوب هذه البلدان. أكثر من هذا فإن سياسة الجزائر كانت باستمرار واضحة، فقد عملت على دعم كافة المساعي الرامية لإقامة علاقات تعاون وتكامل مع كافة جيرانها، وهي حاليا تعمل على دعم الاستقرار في بلدان الجوار التي تعاني من بعض المشاكل الأمنية، والتي كلما طلبت يد المساعدة إلا وتجاوبت الجزائر إيجابيا، ذلك أن الجزائر تسعى باستمرار إلى التخفيف من حدة التوتر في هذه البلدان، الأمر الذي ينعكس عليها إيجابيا وعلى المنطقة ويقلل من بواعث القلق. أما بالنسبة للجزائر نفسها، فقد لقحتها التجربة وهي مدركة بضرورة الاحتياط واليقظة. كما أن الجزائر تعرف اليوم والحمد لله وضعا أمنيا جيدا والمواطن بإمكانه التجول في بلده شرقا وغربا وجنوبا، ليلا ونهارا. الأمور مستقرة والبلد آمن.. عنصر المفاجأة غير المريحة يبقى موجودا، فليس هناك بلد يمكن أن يستثني نفسه من ذلك. فالولاياتالمتحدةالأمريكية بعظمتها ودول أوروبية بقوتها تعرضت أكثر من مرة لعمليات إرهابية مفاجئة. يبقى أن نؤكد على أن الجزائر بفضل الجيش الوطني الشعبي وجميع الأسلاك الأمنية قادرة على توفير الحدود القصوى للاحتياط والوقوف في وجه كل محاولة ترمي إلى تكرار وقوع مثل هذه المفاجآت. ولعل الطريقة التي عالجت بها قواتنا المسلحة الهجوم الإرهابي في عين أمناس كانت دليلا واضحا على مستوى المهنية العالية التي يتمتع بها أفراد الجيش ومدى قدرتهم على حماية الوطن. في خطابكم تلمحون في كل مرة إلى أن الجزائر مستهدفة.. كل بلد مستهدف، علينا فقط بالحيطة، إضافة إلى أن سياستنا ربما لا ترضي بعض الجهات، فالأمور الآن لم تعد تتعلق بالعاطفة، ولكن بالمصالح، وعموما لدينا علاقات طيبة مع الجميع، وما علينا إلا الاحتياط حتى لا يتأثر واقعنا بالمؤثرات الخارجية (أمنيا). هل كان الموقف الجزائري مما يعرف بالربيع العربي صائبا؟ ماذا يقول العالم اليوم؟ يقولون أنتم الجزائريون كنتم على حق منذ البداية، حتى أن دولا هامة أصبح يساورها إحساس بأن التعاطي الجزائري كان الأكثر واقعية سواء فيما يخص الوضع في ليبيا أو في مالي، فالموقف الجزائري لم يساير التحاليل الواردة من بعيد وقد أكدت التطورات صحة هذا الموقف. هناك تصعيد مغربي ضد الجزائر بعد كشفها عن شروطها لإعادة فتح الحدود البرية؟ تعودنا منذ زمن بعيد على أنه كلما طرحت قضية الصحراء الغربية في واحد من المحافل الدولية، لاسيما في الأممالمتحدة، إلا وتعالت صيحات المغرب الرسمي والإعلامي، توجه تهمها نحو الجزائر، كما لو كانت الجزائر هي مصدر كافة المشاكل والكوارث في المغرب، وهذا معروف للجميع وليس غريبا عنا. الشيء الملاحظ في العلاقات الجزائرية المغربية هو أن الصدق في الطرح المغربي كان دائما منقوصا. بالنسبة للرباط هناك مشكل حقيقي. إذا كان المغرب يرغب حقا في تجاوز الإشكال القائم، عليه أن يتحلى بالشجاعة المطلوبة ويتخذ القرار المناسب مع أصحاب القضية المعنيين وهم الصحراويون، أما الادعاءات التي لا تسندها لا الحجة ولا المنطق، فهذا منتوج مستهلك وعلى المغرب البحث عن غيره. أما قضية فتح الحدود فهي أسطوانة قديمة ترمي إلى صرف النظر عن القضية الأساسية التي هي قضية الصحراء، وإيهام الرأي العام بقضية فتح الحدود.. المغرب يعرف ونحن نعرف أيضا بأنها حجة واهية. فهل يُدرك المغرب أيضا أن عليه البحث عن حجة أخرى؟ أما العمل الاستفزازي الذي يتردد في كل مرة فلن يجدي المغرب في شيء. التدخل العسكري الفرنسي لم يحقق الحل السحري في مالي.. في مالي موقفنا فيه شقان، الأول خاص بمحاربة الإرهاب في الشمال، وحول هذا الموضوع دعت الجزائر إلى مواجهته بلا هوادة. أما الشق الثاني من المشكل فقد دعت الجزائر إلى دعم الحكومة المركزية في باماكو، وطالبت بضرورة الحفاظ على الوحدة الترابية للشقيقة مالي وعودة الشرعية لها في أقرب الآجال.. وفي كل مرة كانت تناشد حكومة مالي ضرورة التفاوض مع سكان الشمال في إطار الوحدة الوطنية والتجاوب مع مطالبهم المشروعة.