هل تكون عملية تجديد هياكل البرلمان القشة التي تفاقم أزمة الأفالان بعد التصدع الذي عرفه بسبب منصب الأمين العام؟ أم أن الحزب العتيد بحاجة دوما إلى أزمات داخلية لتخطي تناقضاته والاستمرار في لعب دور الحزب الحاكم؟ تحول كل ما يمثل منصب أو مسؤولية في الأفالان إلى مشكلة لدرجة أن تعيينات في لجان البرلمان أو في نواب الرئيس تثير حرب داحس والغبراء داخل حزب الأغلبية، وكأن هذا الأخير لم يعد بمقدوره عمل أي شيء في هدوء دون أن تحدث العاصفة. ويُظهر هذا الوضع غير المسبوق الذي دخل فيه حزب الرئيس، أن كثرة الأيادي والخيوط المحركة من خارج الحزب وداخله، قد أفقدته اتجاه البوصلة وجعلت النيران بين الإخوة الأعداء تنطلق في مواسم الانتخابات وفي غيرها. فهل ستكون أزمة الأفالان في رئاسيات 2014 بمثابة الصدمة المنقذة له بعد 51 سنة ظل فيها ظهرا يُركب وضرعا يُحلب؟ حزب الرئيس لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى الرئاسيات تضع جبهة التحرير في مفترق الطرق لا زالت “الظروف غير متوفرة” حسب عبد الرحمن بلعياط لاستدعاء دورة اللجنة المركزية لانتخاب أمين عام جديد للأفالان رغم مرور 7 أشهر على تنحية عبد العزيز بلخادم، ما يؤشر أن أزمة الحزب العتيد تزداد تعقيدا وتوترا كلما اقترب موعد رئاسيات 2014. هل هناك علاقة بين مرض رئيس الجمهورية وبين الوضع الذي يعيشه الأفالان؟ في الخطاب الرسمي يقال إن مرض رئيس الجمهورية الذي دخل شهره الثالث لم يؤثر على السير العادي لبقية مؤسسات الدولة التي تعمل بصفة عادية. وفي الأفالان وهو الحزب الحاكم، قال المنسق العام للحزب عبد الرحمان بلعياط إنه “بالرغم من شغور منصب الأمين العام إلا أن هياكل الحزب تسير بصورة طبيعية والأمور داخل الحزب عادية”. والنتيجة أنه ملثما لا يراد الذهاب إلى انتخابات رئاسية مسبقة جراء مرض الرئيس مثلما طالبت به أحزاب المعارضة، مثلما يراد في الأفالان عدم استدعاء دورة استثنائية للجنة المركزية للحزب لانتخاب أمين عام جديد حتى بعد شغور منصب الأمين العام لمدة 7 أشهر كاملة، وهي سابقة لم تحدث قط في تاريخ الحزب الواحد سابقا. وما يزيد في تغذية هذا التوجه داخل الحزب العتيد أنه ما أن يخرج الحزب من منطقة “اضطراب جوي” حتى يدخل في أخرى. فلم يكن كافيا انقسام الأفالان ما بين أنصار بلخادم وخصومه من أتباع الحركة التقويمية أو جماعة بومهدي، بل كان لابد من انقسام الكتلة البرلمانية للحزب في المجلس الشعبي الوطني بين مؤيدي قرارات التعيين للمنسق العام عبد الرحمن بلعياط وبين المعارضين له والذين يتزعمهم في الظاهر رئيس الكتلة المخلوع الطاهر خاوة الذي اتهم بلعياط بأنه قام “بإقصاء مساندي الرئيس بوتفليقة” من هياكل البرلمان، تحسبا للرئاسيات المقبلة. ورغم أن أزمة هياكل الأفالان في المجلس الشعبي الوطني خلقت أزمة للبرلمان جعلته يؤجل تنصيب مكتبه الوطني إلى الدخول الاجتماعي المقبل، غير أن رئيس المجلس العربي ولد خليفة الذي حرص على نفي تنصيبه لأي كتلة برلمانية، في سياق إخراج نفسه من الصراع الدائر بين كتلة الأفالان وبلعياط، لم يتحدث عن تأثير هذه الوضعية على السير العادي للغرفة السفلى للبرلمان، رغم أنه أمر لم يحدث له مثيل له منذ بداية التعددية في 97. ومع اقتراب موعد رئاسيات 2014، يزداد الاحتقان داخل الأفالان وتزداد التدخلات من خارج الحزب بالشكل الذي ينشئ يوميا بؤر توتر جديدة تقريبا. يحدث هذا في الوقت الذي يرفض عبد الكريم عبادة منسق حركة التقويم للأفالان ما يردد بأن الأفالان يخضع للإشارة والضوء الأخضر لسلطة مخفية، وللرئيس وشقيق الرئيس. وموازاة مع ذلك النفوذ، فإن الرافد الجديد في الحزب يخص الدور المتعاظم لأصحاب “الشكارة” الذين يسعون دوما لحماية مصالحهم التي ليست بالضرورة على علاقة بمصلحة الحزب، ولذلك يعيش الأفالان معركة حول من يريد بيع جلد الحزب لمن يدفع أكثر.
إلى أن تتبين رؤية “هلال” الرئاسيات الحزب العتيد يغرق في دوامة الصراعات بينت الأيام أن سقوط الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم لم يكن نهاية صراع بين فرقاء الحزب العتيد، بل بداية إشكال جديد لا يمكن حصره في مجرد “هوشة” بين طرفين في اللجنة المركزية، بانتقال الخلاف من مقر الحزب في حيدرة إلى نواب البرلمان في زيغوت يوسف وبروز تراشق بخلفيات تتعلق بمواعيد سياسية مهمة. لم يعد الخلاف في جبهة التحرير الوطني مجرد قضية عقد لجنة مركزية بقدر ما هو صراع حول من يتحكم في مفاصل الحزب، لذلك انتقل الصراع سريعا إلى قبة البرلمان بسبب قضية رئاسة الكتلة البرلمانية ونواب الرئيس ورئاسة اللجان البرلمانية، والواضح أن ثمن هذا الخلاف سيكون باهظا على صفوف الحزب العتيد بما أن القطيعة أصبحت سيدة العلاقة بين منسق المكتب السياسي عبد الرحمن بلعياط ورئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة. واللافت في صراع جبهة التحرير الوطني هو تمسك كل طرف بشرعية ما اتخذه من قرارات، والأمر ينطبق على منسق المكتب السياسي عبد الرحمن بلعياط الذي يقدم تفسيرات قانونية لمجمل القرارت التي اتخذها والتي أدت إلى نشوب أزمة هياكل البرلمان، كما أن اللافت أنه حين يتحدث بلعياط عن سبب تأخير عقد دورة اللجنة المركزية يطرح ما يقنع من مبررات، ونفس الأمر بالنسبة لخصومه في الأفالان، فهم كذلك حين يتهمونه ب “انتحال صفة” يطرحون أيضا مبررات تبدو مقنعة ومتجانسة مع مواثيق الحزب. قد يكون صحيحا ما يثيره منسق المكتب السياسي عبد الرحمن بلعياط من أن سبب انتقال التوتر إلى داخل قبة البرلمان هو رفض “أصحاب الشكارة” التخلي عن مناصبهم التي حظوا بها في فترة الأمين العام المقال عبد العزيز بلخادم، وكذلك قد يكون صحيحا حديث الخصوم أن بلعياط “يماطل” في عقد دورة للجنة المركزية من أجل التحكم في هياكل البرلمان ما قد يسهل مهمة الحزب في رسم أجندة سياسية معينة، كل هذا يعني أن ملف الرئاسيات المقبلة هو الذي يلغم الحزب العتيد ويدفع بخلافاته نحو صورة أبشع من مجرد تبديل أقفال مقر الكتلة ثم كسرها من قبل الطرف الأخر. وبالنظر إلى ثقة عبد الرحمن بلعياط في خطواته على رأس الحزب خلال المرحلة الانتقالية وعدم إيلائه أي اهتمام بغضب ما يسمى مكتب الدورة ولا بردود أنصار الطاهر خاوة في البرلمان، يعطي الرجل انطباعا أنه ليس وحيدا في معركة الأفالان، لكنها في نفس الوقت ثقة متبادلة بما أن “جماعة البرلمان” لا يبدو عليها أي رغبة في الاستكانة لقرارات بلعياط الذي يقابله اختبار صعب هذا الأحد في اجتماع للمكتب السياسي يشاع فيه أن ورقة سحب الثقة سترفع خلاله في وجه منسق المكتب. الجزائر: عاطف قدادرة حوار قيادي الأفالان العياشي دعدوعة ل “الخبر” أيدٍ عابثة عكرت الأجواء في كتلة الأفالان كيف تفسر الصراع المحتدم حول توزيع المناصب بالبرلمان داخل كتلة الأفلان؟ تولي أدبيات الحزب ونصوص أهمية بالغة لمهمة البرلماني لما له من دور فاعل في التشريع وفي الرقابة، وتعطي أولوية قصوى للنواب في مجموعتهم البرلمانية نظرا للدور المنوط بها سياسيا، الممثل بحق لتوجه الحزب والعمل على ترجمته في الواقع الحي. وللأسف حينما تطغى الذاتية على المساعي التي ولو يراها أصحابها حميدة وصائبة وبخاصة إذا ما استهين بالنصوص القانونية واستبيح خرقها، فالأمور تأخذ منعرجا مشبوها بل غير صحيح، وتعيش المجموعة عندئذ في ظلام عدم التعايش. إن نصوص الحزب الصادرة عن المؤتمر الأخير لم تهمل شأن ترتيب المسؤوليات تقليدا وممارسة، فمنحت للأمين العام دون سواه تعيين رئيسي الكتلتين في غرفتي البرلمان، وأعطته حق توزيع المهام على أعضاء الهياكل البرلمانية الآيلة مقاعدها إلى الأفالان في الغرفتين، التوزيع الذي ترسل لائحة اقتراحه في العادة من الأمين العام إلى رئيس المجموعة البرلمانية الذي يبلغها بدوره إلى رئيس الغرفة المعنية. فلو تعقل الزملاء واحتكموا إلى قوانين الحزب باحترافية واحترام لما وقع ما وقع من خلاف فتصادم، ولكن يبدو أن أيدي عابثة تدخلت فعكرت الأجواء بين مناضلين أرى شخصيا في أغلبهم المثل النضالي. كيف سيخوض الحزب رئاسيات 2014 وهو على هذا الحال من التشرذم؟ الحزب كشخص معنوي لا يعرف تشرذما على الإطلاق، بل عبارة تشرذم أراها قاسية ولا تليق بمقام حزب تاريخي مثل الأفالان. فقد سبق له أن عاش هذا القدر في مراحل كثيرة، دون أن يؤثر خلاف مسؤوليه في دوره وأدائه عبر مساره الطويل. إنما ما هو حاصل في أرض الواقع مؤقت، سببه غياب مسؤول أول منتخب مع وجود تجاذبات لتكتلات بين أعضاء اللجنة المركزية، سببها عدم الاتفاق مرحليا على مواصفات الأمين العام المنتظر، أما ما دون ذلك فلا يوجد شيء من التشرذم في الحزب كحزب، لأن الحزب لا يتأثر أبدا بمثل هذه الخلافات التي ألفها لأنه ينأى عن كونه حزب زعماء أو حزب زعامة، وقد تكسرت كثير من الأدمغة التي آمنت بهذا الطرح على صخرته الصلبة. بناء عليه ومن خلال تجربتي الطويلة فإن مناضلي الحزب ومحبيه ومناصريه ومؤيديه سيخوضون كعادتهم معترك الانتخابات الرئاسية القادمة بكفاءة عالية انطلاقا من برنامج هادف وواعد وخطاب سياسي واضح، وذلك من مختلف مواقعهم المحلية والوطنية، وسيثبتون نجاعتهم وجدارتهم كما عودونا... وإني أظن أن الحزب لا يبقى بلا رأس منتخب إلى تاريخ ذلك الموعد، لأن التراكمات الأخيرة صارت عاملا ملحا في الاستعجال بضرورة إيجاد الحلقة المفقودة التي هي الأمين العام، ومن يريد غير ذلك إلا من به رمد، وإن غدا لناظره قريب. الجزائر: حاوره حميد يس أمين محافظة ونائب رئيس مجلس الأمة الأسبق رشيد عساس ل “الخبر” استمرار الوضع الحالي تكريس لغياب الجبهة من واجهة المشهد السياسي منسق المكتب السياسي صرح أن الظروف لم تجتمع لعقد دورة اللجنة المركزية، على عكس رأي تيار قوي في الحزب يشتبه في تعمده إطالة الوضع القائم للبقاء في منصبه إلى غاية المؤتمر المقبل للحزب بعد سنتين. ما هي قراءتكم؟ لست أدري ما هي هذه الظروف التي تحول دون عقد دورة اللجنة المركزية، السواد الأعظم من أعضائها متفقون على عقدها وبالتالي انتخاب الأمين العام للحزب ووفقا للشروط المنصوص عليها في القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، وما عداها من اجتهادات في وضع شروط هكذا فهو خرق للقانون ونيل من حقوق أساسية لأعضاء هذه الهيئة، وكذلك كل مماطلة وتأجيل لا يصب بالتأكيد في مصلحة الحزب والجزائر في هذه المرحلة السياسية الحساسة على الصعيدين الوطني والإقليمي. هناك قراءة بأن أزمة الأفالان انتقلت فعلا إلى المجلس الشعبي الوطني وأن الأمر مدبر لاستمرار الأزمة ولزعزعة استقرار البرلمان وربما حله لاحقا؟ الصراع القائم في المجلس الشعبي الوطني حول الهياكل يتحمله الجميع، وتعيين الهياكل بالانتخاب يعد أقل تكلفة. وفعلا ما يجري في المجلس الشعبي الوطني من حراك له بالتأكيد علاقة بحالة الشغور في منصب الأمين العام للحزب الذي له صلاحيات حصرية على غرار تعيين رئيس المجموعة البرلمانية وكذا توزيع المهام داخل الهياكل في البرلمان، واعتبارا أن كتلة جبهة التحرير الوطني هي أكبر كتلة فعدم استقرارها يفقد المجلس استقراره لا محالة إذا ما استمر الوضع. ألا يؤدي استمرار الأزمة إلى تكريس غياب جبهة التحرير الوطني في المشهد السياسي والمشاركة في تحديد من يحكم الجزائر في سنة 2014؟ استمرار الوضع في غياب الأمين العام ومحدودية الصلاحيات الموكلة للمكتب السياسي وغياب اللجنة المركزية التي يعود لها وحدها صلاحية البت في المرشح للانتخابات الرئاسية، سوف يجعل من جبهة التحرير الوطني تتقهقر من حزب القاطرة إلى حزب كبقية الآخرين، فاستمرار الوضع على ما هو عليه هو تكريس غياب الجبهة من واجهة المشهد السياسي. يطرح مقترح عقد مؤتمر استثنائي للخروج من هذا المأزق؟ تنظيم مؤتمر استثنائي من الصلاحيات الحصرية لرئيس الحزب، ثم إن هذا المؤتمر لا يمكن من تغيير الهياكل أي تركيبة القيادة، والذهاب إلى دورة طارئة للجنة المركزية وانتخاب الأمين العام للحزب هو المتاح لتحقيق ذلك، ويتوجب على كل القيادات أن توحد قواها للتعجيل بعقد هذه الدورة. الجزائر: حاوره ج. فنينش