يُشدد الشيخ بن يونس آيت سالم إمام دار الحديث، ونائب رئيس جمعية العلماء المسلمين على حُرمة استغلال شهر رمضان للهيب أسعار السوق والمغالاة في السلع عن طريق الاحتكار، مُحذرا في ذات الوقت من ظاهرة الخمول والكسل التي باتت مقرونة بهذا الشهر الفضيل. يستغل الكثير من التجار فرصة حلول شهر رمضان للهب السوق والكسب السريع على حساب المواطنين، ما حكم الشرع في ذلك ؟ الأصل في الأسعار أنها خاضعة للسوق بحسب العرض والطلب، وهذا هو المراد من قوله صلّى الله عليه وسلّم ”إنّ الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال”. لكن عندما تتدخّل عوامل بشرية في السوق ويحصل التلاعب بالأسعار فديننا الإسلامي لا يسمح بذلك، لأنه يُعد ذلك ظلما، والظلم محرم بكل أنواعه.لقد حرّم الإسلام كل الأسباب التي تتيح للتجار التلاعب بالأسعار، فحرّم التناجش، وهو الزيادة في ثمن البضاعة من أجل إغلائها دون أن يكون قاصدا شراءها، ونهى أن يبيع المسلم على بيع أخيه، وحرّم الاحتكار الذي هو أهم الأسباب التي تصنع الغلاء، وقد ذم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المحتكر وتوعده بالعقاب الشديد في أحاديث كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال قوله عليه الصّلاة والسّلام ”بئس العبد المُحتكر، إذا سمع برخص ساءه، وإن سمع بغلاء فرح”. وعليه أدعو التجار إلى أن يتقوا الله في إخوانهم، خاصة ونحن في شهر رمضان الذي هو شهر الرحمة، وليعلموا أن إلهاب الأسعار يتنافى مع الرحمة التي صبغ الله بها هذا الشهر الكريم، وليتأملوا جيدا هذا الحديث الشريف: ”من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة”. وفي الختام أقول: إن من حق الحاكم المسلم أن يُسعر إذا رأى ذلك ضروريا لإصلاح السوق، كما أن من حقه تأديب المتلاعبين بالأسعار بعيدا عن كل ظلم، لأن الإسلام يحافظ على حق البائع كما يحافظ على حق المشتري. يتّسم على سلوكات الكثير من الجزائريين طيلة شهر رمضان الخمول والكسل وتأجيل العمل، بالرغم من أن هذا الشهر كان في وقت السلف الصالح عكس ذلك، كيف ترون الظاهرة؟ إن ظاهرة الخمول والكسل التي أصبحت تهيمن على كثير من الناس في شهر رمضان تتنافى مع آداب الصيام، وهي إساءة لهذا الشهر الكريم العظيم الذي تختزن ذاكرته أكبر بطولات المسلمين في تاريخهم، فأول نصر حققه المسلمون كان في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة. وفتح مكة كان في العشرين من شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة. ومعركة القادسية ومعركة المنصورة، ومعركة عين جالوت التي هزم المسلمون فيها التتار كانت في شهر رمضان. ونذكر كذلك من بطولات المسلمين فتح الأندلس الذي كان بقيادة طارق بن زياد وهو من أجدادنا. لقد كان هذا الفتح الكبير في شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين للهجرة. وهناك بطولات أخرى في القديم والحديث حققها المسلمون في مثل هذا الشهر. فهل يليق بشهر كهذا أن يحوله بعض أبنائنا إلى شهر سهر بالليل ونوم بالنهار!!؟ يشجّع الشرع على قضية إفطار الصائم لما لها من مزايا، كيف يمكن تشجيع المسلمين لتحقيق هذا السلوك؟ لاشك أن البذل والسخاء من الصفات المميزة للمسلمين وقدوتهم في ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد كان جوده يزداد في شهر رمضان، فقد كان في رمضان أجود من الريح المرسلة.وهو عليه الصّلاة والسّلام يحرص على تربية أتباعه على كل ما من شأنه أن يجعلهم متكافلين متضامنين ويقوي المحبة بينهم ليكونوا صورة واقعية لقوله عليه الصّلاة والسّلام ”مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.من ذلك أنه يحثّهم على تفطير الصائم، ففي الحديث الحسن الصحيح: ”من فطّر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا”. وفي حديث آخر يجعل مفطر الصائم ومجهز المجاهد سواء في الأجر ”من فطر صائما أو جهز غازيا فله مثل أجره”. وفّقنا الله للاهتداء بهدي المصطفى.