لاتزال أسوار السوق المغطى الكائن وسط مدينة البليدة شاهدة على تاريخ عريق لسوق شعبيّ ضمن قوت الفقراء طيلة الحقبة الاستعمارية، ليتحوّل بعد الاستقلال إلى مقصدٍ للأثرياء والمسؤولين الباحثين عن النوعية الجيدة للمنتوجات الطبيعية. سوق “بلاصت العرب” أو”سوق آنديجان” كما أسمته السلطات الفرنسية، يعتبر من أهمّ المعالم التاريخية التي تحتفظ زواياه بتفاصيل تقسيم الاحتلال الفرنسي أبناء الجزائر إلى فقير وغنيّ، بإنشائها بداية سنوات 1890 سوقين وسط مدينة البليدة، الثاني أطلقت عليه تسمية “بلاصت النصارى”، حيث كان مخصّصا للمعمّرين والطبقة الغنية فقط، غير أنّه اندثر مع أولى مراحل الاستقلال وتحوّل إلى زنقة تشتهر اليوم ببيع الأقمشة. يقول عمي يوسف أوراغي، باحث في التاريخ القديم لمدينة البليدة، إنّ السلطات الفرنسية قامت بتهيئة السوق وتغطيته سنة 1950 بعد أن كان عبارة عن مساحة شاسعة يتظلّل التجار والحرفيّون تحت أشجارها يوميّا لعرض منتجاتهم الطبيعية، خاصّة الخضروات والفواكه التي يأتي بها “الجبايلية” أي سكان المناطق الجبلية التي تطلّ على مدينة البليدة كالشريعة، سيدي الفضيل، سيدي موسى وسيدي عيسى، موضحا بأنّ السوق الذي كان يعرف حركية من طرف أغلب السكان المحليين الذي تغلب عليهم فئة الفقراء، اشتهر أيضا بالصناعات التقليدية كصناعة الأحذية واللجام، إلى جانب النحاس، كما كانت تنزل النسوة للسوق بهدف عرض ما تغزله أناملهن من الصوف والأنسجة. وأضاف عمي يوسف البالغ 77 عاما أنّ “الفقير لا يخرج من سوق العرب إلاّ وهو محمّل بنصيب يسد به جوع عائلته”، حيث كانت تباع مختلف المنتجات الفلاحية في شكل أكياس بمبلغ رمزي بعد تصنيفها حسب الاختيار في النوعية. ويتذكّر السيد “محمد. ب" كيف تحوّل سوق الفقراء بعد الاستقلال إلى مقصد للأثرياء ومسؤولين يأتون من مختلف الولايات، قائلا “كنّا نرمق هذه الفئة تدخل السوق مرفقة بخدمٍ حاملين قفة الدّوم لاقتناء المنتوجات الطبيعية الأصيلة لجبال الأطلس البليدي، منها الجبن الجبلي، الأعشاب الجبلية ومختلف العقاقير واللّحوم منها الأسماك الطازجة التي تميّز التجار بعرضها”. وبنبرة حزن أورد أحد المقيمين بزنقة العرب أنّ السوق ضيّع قاصديه بعد سنوات التسعينيات، بسبب تردّي الوضع الأمني واضطرار العائلات الجبلية للنزوح إلى المدن مجبرة على التخلي عن الأرض، ليتحول سوق العرب إلى مجرّد محلات تحتفظ نسبيّا بما تبقى من عراقة السوق الذي ذهبت عنه الحرف التقليدية وتناست الجهات المسؤولية تصنيفه كأهم سوق شاهد على تاريخ البليدة العريق في مجال تصدير المنتوجات الفلاحية.