عبق تاريخ المدينةالجديدة ، لايفوح فقط من ثنايا الثوار ، وإنما ينثو شداه دائماً في سماء الحي الوهراني مكانان شكلا نقطة إلتقاء يلتف حولها كل من يفد إلى وهران زائراً أو مقيماً ، كما شكلا من قبل نقطة إنطلاق لعمليات الفدائيين إبان الثورة التحريرية ، هما ساحتا "الطحطاحة" و "سيدي بلال" . حكيات شعبية من مآثر رجال وهران لا تزال تحتفظها الذاكرة الشعبية وتشكل نموذجاً في الشجاعة ، الكرم وحب الأرض والمدينة ، هذا ما يجعل كل من يزور الطحطاحة يسبح في ذاكرة الزمن إلى مايزيد عن 54 سنة ، حكايات الثوار ليست مجرد ملمح تاريخي يجند زوار الحي ويمتعهم بل هي جزء من نسيج المدينةالجديدة ، الذي خرج فيها غالبية فدائي الثورة التحريرية الجزائرية وفي مقدمتهم الشهيد أحمد زهانة المعروف بأحمد زبانة ، ليركض مع الثوار الجزائرين ، الذين يطاردهم جنود الإحتلال الفرنسي ... يختبئ معهم بين جدران حي المدينةالجديدة فكل من يقبض حفنة من تراب الحي العريق فإذا بها مختلطة بدماء الشهداء الذين نشؤوا وترعرعوا في هذا الحي وهم 50 شاباً أستشهد معظمهم في معارك ضد المحتل الفرنسي . وليتوقف نهر الزمن عن التدفق في اللّحظة الراهنة فيفيق الزائر على واقع هذا الحي الذي برغم المسحة التاريخية لطابعه العمراني إلاّ أن سكانه الذين يطلق عليهم أولاد البلاد لايزالو يحتفظون بكثير من العمارات التي توارثوها عن أجدادهم . فيلاج "ناڤر" لكل العرب في مرحلة ما بعد الإستقلال وعلى إمتداد مشارع الإستقلال تتربع مساحة الطحطاحة والتي كان يطلق عليها أيضاً إسم فيلاج "ناڤر" نسبة لأصحاب البشرة السمراء المتوافدين من بلدان إفريقية لعرض سلعهم المختلفة والمتنوعة ، كما إشتهرت أيضاً بديوان الصالحين والمداحات الذين كانوا يقدموا الملحقات التي كانت تشكل مصدر إعجاب الكثير من سكان جميع أنحاء البلاد ، فالمقاهي متواجدة ، كانت مقصد الشعراء وملتقى لتبادل أطراف الحديث وتأليف الأغاني وأشهرها قهوة "أحمد صابر" وأم كلثوم ، الشيخ حمادة وبن دومة ، وقد إشتهر فيها أيضاً بلاوي الهواري وآخرون من الحناجر الذهبية التي أطربت ولاتزال تطرب وتتغنى بالباهية هذا ناهيك عن الولائم والحفلات والمهرجانات التقليدية التي تقام بسيدي بلال والتي كانت تقام ما بين فصلي الصيف والخريف وبالتالي هي فرصة للتغلب على كل النزاعات والخصومات وإنشاد روح السلم والتصالح والتسامح وتوزع الأطعمة واللحوم لجميع الحاضرين ، فأطباق الكسكسي في كل خيمة . ومع إختلاف الزمن كانت الطحطاحة عبارة عن مكان خاص لبيع ملابس "البالة" وإذا قامت الجهات الوصية بإخلاء الساحة ونقلها إلى الحمري لكن رغم هذا المكان لايزال يتضمن لم يشرب عليها الدهر إذا لاتزال مهنة الفراشة متداولة ، قبلة للزبائن الذين يقصدونها بحثاً عن لقمة العيش . أما حال المدينةالجديدة لايختلف عن حال بقية الأحياء الشعبية في كافة أرجاء الجزائر والتي تقطنها الفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود أو المتوسط وساحة الطحطاحة كانت على الدوام مكاناً لإقتناء الحاجيات بأسعار منخفضة مقارنة بباقي الأسواق وإما للإشتغال في التجارة وخاصة تجارة الأدوات المستعملة وعرض مختلف السلع كالألعاب والخردوات من أسلاك ومسامير والساعات والحشائش والعقدات ... وغيرها من المنتوجات البسيطة التي جعلت المواطن البسيط يبحث عن كل السبل للحصول على مصدر إسترزاق بعرق الجبين وسدّ رمقه وعائلته في زمن يصارع الواحد للحصول على لقمة العيش . ساحة الطحطاحة كانت ولاتزال نقطة إلتقاء جميع المتوافدين إلى وهران ، ولكن اليوم وللأسف الشديد غابت بعض العادات التي كانت منتشرة ففي الماضي كان الزائر للمدينة الجديدة يكرم من قبل أهلها فكانت أطباق الكسكسي لاتكاد تغيب عن سيدي بلال إكراماً لعابري السبيل ولكن هذا لايعني أن الكرم غاب عن أهل المدينة ، فوهران لازالت مضيافة وأهلها معروفون بالجود والكرم ولايتوانون عن إكرام ضيوفهم ، والحي كان يتردد عليه الآلاف من المواطنين يومياً . لكن وبكل صدق كما عبّر بعض الشيوخ إلتقيناهم بساحة الطحطاحة بأن أيام زمان كانت لها نكهة الأصالة والنية وكل شيء متوفر وأن الولائم كانت جزءاً لايتجزء من يوميات المدينةالجديدة لتتحول في الزمن الراهن إلى فوضى وبيع عشوائي شوهت المكان وطوت ذكريات نشأت عليها أجيال فهذه العوامل السلبية كلها ساهمت في إندثار التاريخ وتغيير العقليات .