مرّة أخرى أجد نفسي أتحدّث في موضوع (البكالوريا).. نعم، إنّها رحلة تقصٍّ وتحرٍّ.. اعتدادٍ واجتهاد من عقول تدرّجت عبر السلّم العلمي مسترشدةً بنور مدرّب خاض معها تفاصيل الحياة العلميّة بآمالها وآلامها، إنّها الأسرة أوّلا والمدرسة ثانيّا. وبمناسبة ترسيم نتائج البكالوريا 2013 أتوجّه بحديثي هذا إلى جميع أبنائنا الرّاسخين والرّاسبين في هذا الامتحان. فماذا نقول للطّرفين؟ هل هي رحلة استقرار وإصرار أم أنّها نهاية المشوار؟ 1/ تحيّة للرّاسخين: إنّ أبجديات الرّوح العلميّة تشير لنا بتوجيه التّحية والتّشجيع للطّرفين: النّاجح والرّاسب باعتبارهما شريكين في الفعل مختلفين في درجة الاجتهاد، وبهذا المعيار فقط تكون المفاضلة بينهما. وفي القرآن الكريم ما يؤكّد ذلك، فأولو العزم من الرّسل ليسوا كغيرهم نظرا لما لقوه من جهد وإعراض وأذى من أقوامهم قابلوه بصبر وثبات أكبر... إنّنا كأساتذة وأولياء وعموم أفراد المجتمع نتوجّه بالتّحيّة الكاملة والتّباريك الخالصة للنّاجحين في بكالوريا 2013 لما تميّز به من خصوصيّة (...!!) لَمْ تؤثّر على عقول الرّاسخين في العلم من أبنائنا الذين استطاعوا تخطّي هذا الامتحان بأمن وأمان، وتلك نتيجة ما كان لها أن تتحقّق لولا فضل الله عزّ وجلّ عليكم أوّلا، ثمّ جهدكم العلميّ وتميّزكم الأخلاقيّ ثانيّا دون نسيان العشّ الّذي طرتم منه صغارا وعدتم إليه كبارا: إنّها أسرتكم حيث آباؤكم وأمّهاتكم... إلخ، الذين يعود إليهم الفضل في ثباتكم ونجاحكم، وقفوا من ورائكم وأمامكم ماديّا ومعنويّا.. في لحظات قوّتكم وضعفكم، يقاسمونكم السّعادة ويدفعون عنكم التّعاسة والنّتيجة أن شرّفتموهم بهذا النّجاح المستحقّ فنلتم بذلك مرضاة الله عزّ وجلّ، وحقّقتم مبتغاكم ورفعتم هامات آبائكم وأمّهاتكم عاليا، أمّا أساتذتكم فيكفيهم شرفا نجاحكم وهو خير جميل تردّونه إليهم، وعلى ضوء هذا النّجاح نذكّركم بأنّ في تاريخنا القديم والحديث نماذج للتّفوّق والتّميّز والنّبوغ الفكريّ العابر للقارّات، فالعلاّمة ابن باديس مثلا أو المفكّر مالك بن نبيّ أو المنظّر مولود قاسم نايت بلقاسم... إلخ، كلّهم قد كتبوا صفحات مشرقة في تاريخ الجزائر، لا بل صنعوا الحدث دفاعا عن الأرض وصيانة للعرض وتحريرا للأذهان قبل الأبدان. ألا فاقتبسوا من آثارهم ودافعوا عن أفكارهم، وكيف لا تفعلون أوصوكم قبل أن يروكم، فالمطلوب منكم الآن وأنتم على درجة من العلم والفهم والوقوف على المعاني هذه الوصيّة تحقيقا وتطبيقا وليكن مبدؤكم في الحياة الجامعيّة “محمّد قدوتنا والجزائر وطننا والنّجاح غايتنا”. 2/ وصيّة للرّاسبين: أقصد بالرّاسبين هنا الذين اجتهدوا على مدار السّنة الدراسية واختاروا في البكالوريا طريق الفضيلة بالاعتماد على قدراتهم الذاتية، وابتعدوا عن كلّ شبهة وخطيئة ربّما كانت توصلهم لنجاح مغشوش، ورغم سعيهم المشكور إلّا أنّهم تعثّروا في هذا الامتحان، لكنّ التعثّر لا يعني الفشل أبدا، والذي حدث لكم هي سنّة كونيّة تسري على جميع البشر، فالحياة الدراسية تقتضي الصّواب والخطأ ومنه إن شاء الله إلى النّجاح بدرجة أكثر وعزيمة أكبر من سابقتها، ثمّ إنّ ديننا الحنيف يأمرنا ببذل الجهد والإخلاص فيه وربّنا عزّ وجلّ هو الموفّق (.. وما توفيقي إلّا بالله) ورسولنا صلّى الله عليه وسلّم يبشّركم بأنّ لكم أجر الاجتهاد “.. من اجتهد وأخطأ فله أجر الاجتهاد..” ثمّ إنّ التّاريخ يذكّرنا بأنّ الإخفاق قد يصيب جماعات وليس أفرادا فقط، حتّى وإن كان في هذه الجماعات من لا يقصّر عملا قويما ولا يدّخر قولا كريما، فقد انتصر المسلمون في بدر وانهزموا في أحد وما ذلك إلاّ لأخطاء ارتكبوها أو توجيهات غفلوا عنها. فوصيّتي أن تستعيدوا أنفاسكم بقسط من الرّاحة تراجعون فيها الزّلات وتبتعدون عن الشّبهات، وتعملون بالتّوجيهات.. نعم بتركيز أكثر وتحفيز من الأولياء أكبر يجدّد فيكم الشّحنة العلميّة تمهيدا لسنة دراسيّة جديدة تكونون فيها بإذن الله من النّاجحين ولوطنكم وشعبكم مخلصين. ثانوية مسعودة جيدة / الكاليتوس / الجزائر [email protected]