الطيب خراز هو العقل المدبر لكنه همّش عمدا ولم يخلّد اسمه عدد المجاهدين ضُخّم والمزيفون استولوا على المناصب يكشف المجاهد الحاج مسعود نسيب التحضيرات التي رافقت انطلاق ثورة أول نوفمبر بمنطقة بسكرة، والعناصر الفاعلة التي كانت تشكل النواة الأولى للعمل المسلح والمشكلة من ثلاثة وثلاثين عنصرا، كان هو أحدهم، ويؤكد محدثنا على الدور الحاسم الذي لعبه الطيب خراز الذي هيأ الظروف المناسبة لإطلاق أول رصاصة بالتنسيق مع مصطفى بن بولعيد، مفندا مغالطات البعض التي تنسب هذا الدور لأناس آخرين، ومسح دور رجالات هذه المنطقة التي كانت رائدة في الحركة الوطنية. يعترف المجاهد الحاج نسيب مسعود بأن العمل الكشفي كان له الأثر البارز في تكوين شخصيته، حيث يؤكد أنه درس بالمدرسة الابتدائية ”الكاردينال لافيجري”، يوسف العمودي حاليا، وأنهى دراسته بها. وفي 1946 التحق بالكشافة الإسلامية وظل كشافا بالجوالة، ثم أصبح قائدا لدورية عقبة بن نافع، بعدها التحق بالأشبال كمساعد للقائد الدكتور رزقي بشير الذي خلفه في 1949 بعد أن رقي إلى قائد للأشبال. ولما وقع حل الكشافة إثر اندلاع الثورة التحريرية أوكلت له مهمة خياطة الأكياس المحمولة على الظهر ”صاك آدو” والأعلام الوطنية، حيث كان يقتني المادة الأولية ك«الباش” والقماش والخيط من جيبه الخاص وأدى هذه المهمة في سرية تامة وانضباط، وكان يموّن جيش التحرير بما يحتاجه من هذه اللوازم. منطقة بسكرة في قلب الحركة الوطنية يؤكد الحاج نسيب أن منطقة بسكرة كانت في قلب الحركة الوطنية قبل اندلاع الثورة وعرفت نشاطا لافتا، وساعدها في ذلك وجود عدة شخصيات هامة كالطيب العقبي والعربي بن مهيدي والشاعر محمد العيد آل خليفة ولمين العمودي وغيرهم، حيث كان الجميع ينشط في السياسة من خلال تواجد عدد من الأحزاب، حزب الشعب الذي كان يمثله محبوب عمار، وجمعية العلماء المسلمين وكان يقودها محمد خير الدين، والدكتور سعدان في حزب البيان، ودبابش عزوزي في الحزب الشيوعي، إضافة إلى الفعل الرياضي والمسرح والصحافة والطباعة وغيرها، وبرأيه فإن هذا الزخم ساعدها لأن تكون رائدة وتلفت انتباه المخططين للثورة على المستوى المركزي. بدايات التحضير للثورة التحريرية يكشف المجاهد نسيب مسعود أن الاستعداد للثورة المباركة التي لم يفصح عن تاريخ انطلاقها اقتضى البحث عن مصادر التموين، حيث تم تجنيد مناضلين يعملون في الخفاء، وبرأيه فإنه على مستوى بسكرة كانت هناك ثلاثة مواقع، فالمركز الأول في حارة أولاد صولة ويشرف عليه الدكتور بشير رزقي، وكان الشهيد سي الحواس هو المكلف بأخذ التموين إلى منطقة عين بنت الشهيلي قرب العالية باتجاه شتمة أين تتم عملية التخزين. المركز الثاني كان عند صالح الفرحي الحداد في وسط المدينة ”الشرشارة”، حيث كان يتصل به جودي بوزياني ليتولى التخزين بجمورة. أما المركز الثالث فقد كان في حارة الوادي ويشرف عليه فلاح يعمل عند بستان ذيابي الجزار دون علمه، وتؤخذ تلك البضاعة إلى نواحي شتمة من طرف خلوط إبراهيم ومنصري الصادق وكان كل ذلك في سرية تامة. وبشأن كميات التموين يقول ذات المتحدث إنها بسيطة لكنها نوعية كآلات ”الرونيو” والآلات الراقنة وأحذية ”الباطوغاز” والمواد الغذائية والبطانيات. وحسبه فإن جمع الأموال كان ممنوعا وأشرف على هذا النشاط مسؤول المنظمة السرية أحميدة بن ديحة. مجموعة 33 هي من خطط وتولى قيادة الثورة يؤكد المجاهد نسيب أن أحميدة بن ديحة كان مسؤولا عن المنظمة السرية قبل اكتشافها، في حين أن الطيب خراز هو المسؤول الأول عن الثورة في بسكرة، حيث أرسله العربي بن مهيدي من العاصمة قبل 3 أشهر ليكون حلقة الاتصال بمصطفى بن بولعيد. وفي هذا الصدد يتذكر محدثنا كلمة قالها خراز للعربي بن مهيدي ”كيف ترسلني إلى بسكرة وحزب الشعب قوي في هذه الناحية؟”، لكن العربي رد عليه قائلا: ”ليس لدينا الوقت” وطلب منه عدم الانحياز لا مع هؤلاء ولا هؤلاء، مؤكدا له أنه سيبلغه بالأوامر. ثم أرسل بن مهيدي ”لاجودان سليمان” إلى الطيب خراز وهذا الأخير أرسله إلى بن بولعيد للإشراف على التدريبات الجارية في منطقة الأوراس. ويحرص محدثنا على تحديد الأشخاص الذين كوّنوا الخلية الأولى المشكلة من 33 عنصرا التي أخذت على عاتقها تفجير الثورة والعمل المسلح بمناطق الزيبان، حيث يكشف عن أسمائها التي اطلع عليها المجاهد الطيب خراز قبل وفاته والمشكلة من خراز الطيب، بن ديحة أحمد، طالب أحمد، بن شوية الصادق، مناني نور الدين، زكيري الطاهر، مناني عبد الحميد، مناني محمود، رزقي بشير، سي الحواس، جودي بوزيان، نسيب مسعود، كشيدة محمد، بولرباح السايب، صولي سعدان، صولي جيلالي، بن الشايب السعيد، بن السالم الصالح، حساني الحاج، صالح الفرحي، حمود مختار، علوي حفناوي، منصري الصادق بلعقون، أحمد مرابط، خلوط إبراهيم، عبد الباقي أعمر، لخذاري عامر، مغزي بلقاسم، نور الدين عبد الرحمان، فرج الله علي المدعو ”كومباطا”، عميرة قرندي، بركات العرافي، وبوشريط السبتي. والملاحظ حسب المتحدث أن هذه المجموعة التي باشرت عملها المسلح ألقي القبض على أعضائها في شهر أوت 1955 إثر وشاية، وكان محدثنا آخر من اعتقل، فيما نجا البعض من قبضة الاستعمار، منهم ”كومباطا” علي وعميرة قرندي وبوشريط السبتي وسي الحواس. أما بالنسبة للشهيدين السايب بولرباح ونور الدين مناني فقد ألقي القبض عليهما وزُج بهما في السجن مع بقية الرفاق بسجن بسكرة، ومن داخله استطاعا تنظيم عملية فرار تمكنا من خلالها الوصول إلى كتائب جيش التحرير، في حين مكث الحاج نسيب حوالي خمسة أشهر بسجن بسكرة ثم حوّل مع رفاقه إلى باتنة ثم إلى سجن ”لامبيز” ولم يطلق سراحه إلا قبل الاستقلال ببضعة أشهر. شيحاني سلّم المناشير وخراز تكفل بإعداد مخطط التفجير وبخصوص الأحداث التي جرت عشية الفاتح من نوفمبر، يقول الحاج مسعود إن شيحاني بشير نزل ببسكرة وسلّم المناشير إلى الطيب خراز الذي قام بدوره بتوزيعها على الساعة صفر بمعية أعضاء المنظمة السرية، وهم أحميدة بن ديحة والطالب أحمد والصادق بن شوية. وبشأن الجماعة المكلفة بوضع القنابل التي قدمت من نواحي مشونش وبانيان يقول عنها محدثنا إن حسين برحايل مبعوث بن بولعيد إلى الطيب خراز حلّ ببسكرة هو الآخر قبل أسبوع من ليلة أول نوفمبر، وكشف له هذا الأخير عن مخطط القنابل وتكفل برحايل بقيادة المجموعة القادمة من نواحي مشونش وبانيان وبعض مناطق الأوراس. وعكس ما يروج له البعض بأن المجموعة تتشكل من نحو 40 عنصرا، فإن العدد في اعتقاده كان خمسة وبرحايل سادسهم، والأماكن المختارة هي محطة القطار، محطة الكهرباء، محافظة الشرطة، نادي الجيش الفرنسي والبريد وكلها تقع داخل مدينة بسكرة، وكلفوا بهذه المهمة لأنهم غير معروفين بهذه المدينة، وكانت القنابل رمزية فقط. وألقي القبض على الطيب خراز في 16 نوفمبر 1954 ووجد الاستعمار الفرنسي بحوزته المخطط الخاص بوضع القنابل وكان أول محكوم عليه ب12 سنة سجنا بالمحكمة العسكرية بقسنطينة. المجاهد نسيب يرفض بطاقة الاعتراف إذا كان الجميع يشهد للمجاهد نسيب بمساهماته في الثورة، إلا أنه رفض الحصول على بطاقة الاعتراف. وفي هذا الصدد يروي أنه منذ سنوات طويلة كان له لقاء مع مسؤول بمنظمة المجاهدين يدعى علوي ولما زوّده ببطاقية المجاهدين وجدها تضم أسماء مزيّفة، حسب رأيه، لم تكن لها علاقة بالثورة، فرفض أن يكون من بينهم، زيادة على أنه يرفض أن يأخذ منحة ليقتات بها. وأضاف متأسفا أن من له الكلمة الفصل ويقف في الصفوف الأولى من فئة المجاهدين المزيفين لم تكن لهم علاقة بالنضال أو المشاركة في العمل المسلح، قائلا إن أحد هؤلاء سقط من نخلة وادعى أنه أصيب برصاص العدو، والنماذج من هذا النوع كثيرة، مقابل ذلك بقي بعض الأبطال في طي النسيان والتهميش رغم التضحيات التي قدموها للوطن من ذلك، الدكتور رزقي بشير المعروف ب«بشير السوفي” الذي كان طبيبا في منطقة الأوراس تحت قيادة مصطفى بن بولعيد، وديحة أحميدة مسؤول المنظمة السرية ببسكرة، ومحبوب عمار، والطيب خراز الذي لم يخلد اسمه نهائيا. ويؤكد محدثنا أن عدد المجاهدين ضُخّم بطريقة غير معقولة، والثورة برأيه لم تحقق العدالة الاجتماعية التي سطرها بيان أول نوفمبر وانحرفت عن مسارها بعد الاستقلال. وكان من المنطق أن تخصص المنحة للمعطوبين لا أن تتحول إلى مصدرا لثراء البعض على حساب آخرين هم في أمس الحاجة إليها.