قال سعداني إنه يريد أن يجعل الأفالان القاطرة التي تجر قطار الرئاسيات ويرفض أن يكون عربة فيها فقط، لكنه يقوم في المقابل بفتح جبهات عديدة دفعة واحدة، فهو يريد تلجيم جهاز المخابرات ويصف الوزير الأول باللاعب السيئ في السياسية ويطلق النار على شريكه في التحالف عبد القادر بن صالح. لم يستطيع عمار سعداني إطفاء النار داخل الأفالان منذ دورة الأوراسي في أوت الفارط التي ترأس فيها الحزب العتيد، بحيث ما زالت حالة الانقسام قائمة داخل الأفالان، بل وتعززت أكثر جراء توحد جبهتي بلعياط وعبد الكريم عبادة ضمن كتلة واحدة ضد الأمين العام الجديد، لكن مع ذلك تنقل سعداني إلى فتح جبهات صراع جديدة، ليس ضد أشخاص بقدر ما هي ضد مؤسسات قائمة بذاتها، فجهاز المخابرات مؤسسة، والوزير الأول أيضا ورئيس مجلس الأمة والأمين العام بالنيابة للأرندي عبد القادر بن صالح شريك أساسي في الحكومة والبرلمان. هذه الجبهات التي فتحها سعداني تفنيد صريح لما قال عنه سلال بأن ”مؤسسات الدولة متفاهمة ولا يوجد خلاف بينها”، وتكشف عن صراع مواقع على أشده على صلة مباشرة بالانتخابات الرئاسية. فترويج سعداني لإصلاحات مفترضة للرئيس بوتفليقة تخص جهاز المخابرات ودولة مدنية، هو خطاب موجه لاستقطاب الخارج أكثر منه لإقناع الداخل، وذلك في محاولة لبيع وتسويق الحملة الانتخابية للعهدة الرابعة التي تضرر الإقناع بها في الداخل. ولتغليف هذه البضاعة (العهدة الرابعة) بالشكل الذي يغري الزبائن في الخارج لجأ سعداني المأمور إلى كسر المواضيع التي ظلت طابوهات وفي خانة الحرام بالنسبة لحزب مثل جبهة التحرير الوطني، لإعطاء انطباع بأن الحزب الواحد سابقا بإمكانه رفع سقف الإصلاحات أكثر مما تطالب به المعارضة. وللإقناع بصدق عملية كسر الممنوعات التي تريد جماعة الرئيس الوصول إليها في العهدة الرابعة، كان لابد أن تسبقها مبادرات بتحويل خط السير، بحيث قام حاكم الأفالان الجديد عمار سعداني بمراسلة زعيم أقدم حزب معارض في الجزائر حسين آيت أحمد ولبى دعوة الأفافاس لحضور ندوة الطاقة، بعدما كان محرما ذلك من قبل، وهذه ”الصحبة” الجديدة التي دشنها سعداني المدعوم من قبل شقيق الرئيس ليست سوى ضمن السعي لكسب مصداقية وسط المعارضة أو على الأقل تفادي شرها. وبين عشية وضحايا تقرب سعداني بإيعاز من فوق إلى أحزاب المعارضة في ظرف قياسي، وابتعد بالقدر نفسه من أحزاب السلطة، بحيث برمج لقاءات مع سفراء أجانب، آخرها اليوم مع السفير الفرنسي، والتقى مع زعيمة حزب العمال وأطلق النار على شركائه في الحكومة والبرلمان وعبد القادر بن صالح وعمارة بن يونس، وحاول استدراج المنظمات الجماهيرية سابقا، وذلك لكسب الطاقة المطلوبة لجر العهدة الرابعة، لأن سعداني يريد أن يكون قاطرتها الأولى، في ظل تعطل الحشد الشعبي الداخلي وتراجع شعبية الرئيس بوتفليقة جراء فضائح الفساد التي طالت المقربين إليه وحكاية المرض التي أقعدته في كرسي متحرك. ويرى الواقفون وراء واجهة عمار سعداني أن الترويج لبضاعة العهدة الرابعة في عهد التغييرات التي طالت دول الجوار والربيع العربي، يفرض طريقة تعليب جديدة، تمر حتما عبر الحديث عن حرية الصحافة ولجم جهاز المخابرات وإخراجه من اللعبة السياسية والدفاع عن استقلالية القضاء وغيرها من المسميات التي تستقطب الاهتمام الدولي وتجد مستمعين لها خصوصا لدى المنظمات الحقوقية التي ظلت تسجل ذلك في تقاريرها الدورية حول الجزائر منذ سنوات. لكن هل يمكن إخراج الحي من الميت؟