يتساءل مسؤولون في أعلى هرم الدولة عن الأسباب وراء حدة الخطاب المسوق من طرف الأمين العام لحزب الأغلبية جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، فكثيرون يعتبرونه “ناقلا لرسائل السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس” الذي يشتغل من أجل “هندسة” طريق العهدة الرابعة، لكن اللافت في الأمر هو لماذا جعل سعداني من خلافه مع عبد المالك سلال قضية شخصية، مع أنه بدأ سياسيا؟ هل لأن الوزير الأول وحليفيه عمارة بن يونس وعبد القادر بن صالح غير متحمسين لمشروع العهدة الرابعة؟ في الأيام الأولى لتزكية عمار سعداني أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني، أدرك أن هذا المستجد لم يكن محل ترحيب من الوزير الأول عبد المالك سلال. لقد كان هذا الأمر بين الرجلين قابلا لأن يتوقف عند تلك الحدود (عدم الترحيب)، لكن عدة خطوات بادر بها عمار سعداني تكون أغضبت عبد المالك سلال أشد غضب، قبل أن تصبح علاقتهما محل سجال علني على صفحات الجرائد، بدأه الوزير الأول سياسيا لما نفى “وجود أي وسيط سياسي يتحدث باسم الجزائريين”، وحوّله سعداني إلى “شخصي” لما رد على سلال بنغمة تحمل “شتيمة سياسية” لما وصفه ب«السياسي السيئ”. وبالعودة إلى أول السجال، يمكن ملاحظة حجم الإحراج الذي ألم بالوزير الأول، لما كشف عمار سعداني أولا عن موعد انعقاد مجلس الوزراء بعد عودة الرئيس من مشفاه في باريس، كما تحدث في مسألة تعديلات الدستور وقضية نائب الرئيس، ثم أخلط الأوراق بكشفه الحقيقة وراء التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة داخل المؤسسة العسكرية، كل ذلك جعل الوزير الأول يحادث مقربين منه بأن سعداني تخطى حدود مهامه الحزبية، ولم يكن الأمين العام لحزب الأغلبية على استعداد للرد لولا تلقيه الضوء الأخضر، فكثير من المسؤولين في الدولة يتحدثون عن سعداني على أنه “ناقل لرسائل السعيد بوتفليقة وفقطّ”. في النهاية تشكل خرجات عمار سعداني أمرا مستجدا في تاريخ السلطة الجزائرية خلال فترة ال15 سنة الماضية، فهذه أول مرة يشهد فيها المراقبون نقاشا محتدما بين زعيم جبهة التحرير الوطني، الحزب الذي يرأسه شرفيا الرئيس بوتفليقة، والوزير الأول الذي عينه بوتفليقة لتجسيد البرنامج الذي يدعمه حزب الأغلبية نفسه، تقول مراجع في هذا الخصوص إن القضية تتعلق بخلاف عميق حول العهدة الرابعة، وهذا يقود للتساؤل إن كان محيط الرئيس يشك في ولاء عبد المالك سلال. ويظن عمار سعداني، في سياق متصل، أن عبد المالك سلال يكون قد مارس تأثيرا ما في خيارات عمارة بن يونس، الأمين العام للحركة الشعبية الجزائرية، فسعداني يكون قد هاتف بن يونس أكثر من مرة طالبا منه التنقل على رأس وفد إلى جبهة التحرير الوطني، لكنه رفض، ثم توسعت الدائرة لتشمل عبد القادر بن صالح، الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي، الذي لعب ورقة “التريث” ولم ينطق بأي كلمة تتعلق بدعم بوتفليقة لعهدة رابعة، مكتفيا في خطابه بمقر المركزية النقابية الأخير بالقول: “دعمنا الرئيس وسنواصل دعمنا له”، فتحول تقسيم الولاءات في النهاية إلى جماعة سعداني وغول، في مواجهة جماعة سلال وبن يونس وبن صالح، فما هي أجندة المجموعتين إذا ؟ وهل الأولى تروج للرابعة والأخرى تعمل ضدها، أو على الأقل تدرك أنها ليست ضمن خارطة طريق السلطة؟ سؤال آخر يطرح نفسه، لماذا هذه الحدة في كلام عمار سعداني تجاه دائرة المخابرات، وما سبب التصريحات المتناقضة الصادرة عنه في هذا الشأن، حتى وإن كان محقا في منطق إبعاد أي جهاز عن الحياة السياسية، هل لأن الرجل يعتقد أن هذا الجهاز هو الذي يسرب إشاعات تورطه في ملف الدعم الفلاحي، فتلك القضية ما تزال تراوح مكانها في جهاز القضاء ولم يحاكم المتورطون فيها إلى اليوم، فربما يظن سعداني أن ذهاب بوتفليقة من الحكم قد يعني طرح القضية في العدالة بشكل مغاير؟ ويعتقد على نطاق واسع أن تزايد التصريحات المبهمة من قبل كبار المسؤولين يشير إلى قرب توضح الصورة، وربما لن يتعدى الأمر حدود شهر ديسمبر المقبل.