الأستاذ دريس علواش، محامي مختص في القانون الإنساني، درس في المدرسة الوطنية للإدارة ويدرس في كلية الحقوق بجامعة الجزائر، مثّل الهلال الأحمر الجزائري في العديد من الهيئات والأحداث الدولية، وشارك في لجنة إصلاح العدالة التي أنشأها الرئيس بوتفليقة في بداية حكمه، وكذا في لجنة التحقيق في أحداث منطقة القبائل... “الخبر” حاورت الأستاذ بمناسبة إيداع ملف ترشحه لانتخابات تجديد هياكل الهلال الأحمر الجزائري. على أبواب موعد انتخابي هام بالنسبة للهلال الأحمر الجزائري، ما هو تقييمكم لوضعية هذه المؤسسة اليوم، أستاذ علواش؟ الحصيلة سلبية للأسف. فلو نعود قليلا إلى الوراء، نجد أن الهلال الأحمر الجزائري كان يصول ويجول في كل أحياء وشوارع مدننا وفي في كل مناطق الوطن، وكان الهلال الأحمر حاضرا بقوة في التلفزيون مثلا. الهلال الأحمر الجزائري ولد أثناء الثورة التحريرية وله مهمة واضحة، لابد أن يكون بالقرب من المحتاجين وأن يكون حاضرا في أوقات الكوارث الطبيعية، خاصة أن بلادنا هو بلد الكوارث، ولابد أن يكون حاضرا في مناطق الحروب، كالذي يحدث على حدودنا الجنوبية اليوم... في كل تلفزيونات العالم، آخر صورة تظهر في مناطق الكوارث والحروب هي صورة الصليب أو الهلال الأحمر، مثلما كان الحال في إعصار الفلبين الأخير. خسارة كبيرة إذن أن يفقد الهلال الأحمر مكانته، وهو مؤسسة أثبتت نجاعتها في السابق. أن يتراجع دور الهلال الأحمر في سنوات الإرهاب والأزمة الاقتصادية، أمر مفهوم لأسباب أمنية ومادية، لكن الأموال الآن في الجزائر متوفرة وتصب في كل الاتجاهات، أين الخلل في رأيكم؟ حتى أنا لا أجد تفسيرا للوضعية التي آل إليها الهلال الأحمر في سنوات ال2000. ربما أخلطنا مفهوم “وسيط السلطات العمومية” بالإدارة، وربما مسؤولية الأشخاص الذين عجزوا عن إعطاء الهلال الأحمر المكانة اللائقة به. من المفروض أن الهلال الأحمر هو منظمة غير حكومية.. هو مؤسسة تخضع للقانون الإنساني. إذن، ما دخل الإدارة في تسيير الهلال الأحمر؟ منطقيا، الإدارة لا دخل لها في الهلال الأحمر، هناك قوانين أساسية والجزائر وقّعت اتفاقيات جنيف ومختلف الاتفاقيات الدولية الأخرى، فنحن إذن معرفون قانونيا على أننا مؤسسة وسيطة للسلطات العمومية والصحة العسكرية. وعندما تكون هناك كارثة، نضع أنفسنا تحت تصرف السلطات العمومية، لكن لنا لباسنا الخاص ولنا هويتنا، هذه هي مهمة الهلال الأحمر. صحيح، يستفيد الهلال الأحمر من دعم الدولة كون نشاطه قائم أكثر على العمل التطوعي، ولكن هذا لا يبرر التدخل في شؤون المؤسسة، ثم نحن نساعد السلطات العمومية في أوقات الكوارث، وهذه الكوارث تأتي فجأة ولا مجال فيها للحديث عن السلطة. ماديا، هل يملك الهلال الأحمر كل الأدوات والإمكانات التي تسمح له بأداء دوره؟ نعم، لديه احتياطه الأمني ولديه عتاد الخاص، ولا يعاني من أي مشكل في هذا الإطار. هناك دعم الدولة ودعم الفيدرالية الدولية للصليب والهلال الأحمر، وهناك الاتفاقات الثنائية التي نستفيد من خلالها من دعم مؤسسات الصليب والهلال الأحمر من مختلف الدول. فعندما تكون هذه الإمكانات مسيّرة بشكل جيد، لا نعاني من أي نقص. وسوء التسيير سببه ماذا إذن؟ أووف... سياسي؟ لا أعتقد أنه سياسي، لنقول إنه مشكل فكري بالدرجة الأولى، لأن مصطلح الإنسانية في بلادنا غير مفهوم بعد. الإنسانية لها تعريف واسع تمس بالحقوق والأخلاق. وعندنا قفة رمضان التي تنتقدها العديد من الأوساط ونعتبرها قد حطت من قيمة الإنسان الجزائري؟ قفة رمضان، أمر جيد، لكن ماذا بعد شهر رمضان؟ هل اقتربنا من هؤلاء الذين يفترشون الكرتون في الطرق ونحاول نقلهم إلى مقرات اجتماعية تأويهم؟ نعم العمل الإنساني عندنا اختزل في قفة رمضان، وهذا هو المشكل. لابد من إعادة إحياء الهلال الأحمر حتى يستعيد مجددا دوره في التكوين على النجدة في المدارس والجامعات. في السابق، كانت لنا وحدة الآجر بالمدية التي كنا نستغلها لإدماج المساجين، حيث كانوا يتعلّمون حرفة من جهة وتستفيد عائلاتهم من منحة من جهة أخرى. لماذا لا تعود مثل هذه النشاطات اليوم ونطوّر خصوصيات المناطق المختلفة من الوطن؟ لابد من وزارة للعمل الإنساني، لأنه مجال واسع جدا ولدينا اتفاقات دولية وبرامج كثيرة، نستطيع أن نستفيد منها لو كانت هناك وزارة أو هيئة تشرف على قطاع العمل الإنساني، ونحن بحاجة لتوفرها في الظروف التي نمر بها، خاصة في الجنوب ومع مشاكل الحدود. نحن بحاجة اليوم إلى أقطاب للهلال الأحمر، وفي الجنوب يجب أن يكون هناك قطبان مع تكوين الموارد البشرية المطلوبة. نفهم من كلامكم أن الحدود بين الهلال الأحمر ووزارة التضامن غير محددة، لأن النشاطات التي تتحدثون عنها موجودة وأصبحت من مهام وزارة التضامن، أليس كذلك؟ قطاع التضامن يعمل باسم مصالح وزارة التضامن، أما الهلال الأحمر فله شارته وهو محمي دوليا بموجب هذه الشارة، وهناك مشاريع كثيرة تقوم بها مؤسسات الهلال والصليب الأحمر الدولية، فلا يمكن أن نعوض الهلال الأحمر الجزائري بوزارة التضامن الوطني. في كل دول العالم، عندما يشتد البرد ترى الصليب الأحمر في الشارع، لماذا عندنا لا نرى هذا الشيء. المشكل إذن في علاقة الهلال الأحمر بوزارة التضامن؟ نعم، وزارة التضامن أخذت مكان الهلال الأحمر وتم تجاهل عمل هذا الأخير تماما. تترشحون لانتخابات رئاسة الهلال الأحمر، هل تعتقدون أن الوضعية تغيّرت، أو على الأقل هناك إرادة سياسية للتغيير؟ لنقل هناك رغبة في إعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي. تشيرون أيضا في برنامجكم إلى ضرورة أن يستعيد الهلال الأحمر استقلاليته، علما أن السلطات العمومية عندنا تتحسس كثيرا لكل ما هو استقلالية، كيف يمكن التعامل مع هذه القضية؟ عندما كان الهلال الأحمر ينشط فعليا، صدقوني السلطات العمومية كانت دائما تستمع لأفكاره واقتراحاته على الصعيد الداخلي والخارجي. كنا فعلا مستقلين، واليوم أنا على قناعة أننا لم نفهم مصطلح الاستقلالية. تتحدثون عن فصل الهلال الأحمر عن السياسة، هل أقحمت هذه المؤسسة في السياسة الآن؟ الهلال الأحمر غير مسيّس، هذا في قانونه الأساسي وفي الاتفاقيات الدولية، ولا أستطيع الآن الحديث في هذا الموضوع، لأنني خارج هياكله. لكن إذا حدث أن انتخبت لرئاسة الهلال الأحمر، سأدعوكم إلى مكتبي وأكون تحت تصرفكم لمحاسبتي. سأفعل كل شيء لتصل الجزائر إلى الفيدرالية الدولية للهلال والصليب الأحمر، لأنها تستحق هذا المكانة بالنظر لتاريخها ونضالاتها.