علمت ”الخبر” أن لجنة التحقيق التي أوفدتها مديرية الأمن الوطني إلى غرداية ما زالت تواصل عملها، وأنها وقفت على حجم التجاوزات المسجلة في أحداث الڤرارة الأخيرة من قبل أعوان الأمن. وكانت مديرية الأمن الوطني قد سارعت إلى تكذيب بيانات الناشطين الحقوقيين حول هذه التجاوزات، قبل أن تبدأ لجنة التحقيق عملها، وهذا أمر مفهوم في ظل المرحلة الراهنة من قبل جهاز مهمته هي السهر على أمن المواطنين. لكن مدير الأمن الوطني عبد الغني هامل الذي سبق أن عمل في غرداية كضابط في الدرك الوطني أيام أحداث سنة 85، يعرف طبيعة المنطقة ويعرف أن هذه التجاوزات تمثل أحد العناصر المشكلة لمسلسل صراع الميزابيين والمالكيين في هذه الولاية. وبما أن جهاز الأمن الوطني يعيش مرحلة إصلاح عميقة على المستوى اللوجيستيكي والتكوين البشري، فإن أحداث الڤرارة الأخيرة تكشف مدى حاجة هذا الجهاز لإصلاح في طريقة سيره وانتشاره الميداني في إطار الشعار الذي يرفعه الشرطي الأول في البلاد والمتعلق ب”التسيير الديمقراطي للحشود”. حيث تجسد هذا الشعار لحد الساعة في اكتساب أعوان الأمن خبرة كبيرة في منع المظاهرات والتصدي لاحتجاجات المواطنين دون حدوث جرحى ووفيات، لكن هذه الخبرة لا تستدعي تأخر أعوان الأمن عن التدخل عند الضرورة أو التدخل من جانب واحد مثلما يتكرر في غرداية مع كل صراع عشائري. ومن الحقائق التي لا تغيب عن مدير الأمن الوطني في هذا الإطار أن جهازه رهين التركيبة الاجتماعية لأعوانه في كل منطقة، ولأن أعوان الشرطة الميدانيين ليسوا من نخبة المجتمع مثل فئة الضباط فيصعب عليهم التفريق بين مهامهم الرسمية ومواقعهم داخل المجتمع الذي يسهرون على أمنه. ومن خصوصيات ولاية غرداية في هذا أن أهل ميزاب نادرا ما يلتحقون بصفوف الشرطة أو أجهزة الأمن بشكل عام لطبيعة المجتمع الميزابي. السياسة والتحديات الأمنية.. الطرف الآخر في الصراع ولا يجهل عبد الغني هامل من جهة أخرى، الزيارة التي قادت الوزير الأول عبد المالك سلال إلى ولاية غرداية قبل زيارته الثانية المعلن عنها. وهذا لا يعني أن سلال هو الذي أشعل أحداث الڤرارة، لكن الطابع السري للزيارة وتخصيصها لجهة واحدة من سكان المنطقة يفتح المجال للتأويل والإشاعة. والواقع حسب مصادر محلية أن الهم الذي نقل سلال إلى غرداية سرا يشغل بال أجهزة الأمن عبر التراب الوطني وحتى أجهزة الأمن الدولية. الموضوع يتعلق بأمير الجماعات الإرهابية في الصحراء مختار بلمختار ابن منطقة غرداية الذي تعتزم الدولة الجزائرية وضع حد نهائي لنشاطه ونشاط عناصره الجزائرية على الأقل حتى لا تبقى تهمة تصدير الإرهاب لصيقة ببلادنا، وحتى نتخلص من تهديداته الداخلية في نفس الوقت. وهذه المهمة طبعا لا تتوقف على مصالح الأمن لوحدها، بل هي بحاجة لانخراط كافة المجتمع الجزائري في مكافحة الإرهاب كما تردده مصالح الأمن والحكومة ويردده كل السياسيين في خطاباتهم. ومن هنا يدخل طرف آخر في المعادلة يتمثل في أعيان المناطق، لكن المؤسف أن أجهزة الدولة لم تقتنع بعد بمدى تجاوز الواقع الميداني لهذا الشكل من التنظيم، إذ لم يعد الشباب الجزائري ولا شباب الجنوب أو شباب غرداية يعترفون بسلطة الأعيان. وإن كان أعيان الميزابيين قد تداركوا تأخرهم في أحداث الڤرارة وأصدروا بيانا بعد أسبوعين عن الأحداث، ينددون فيه بالتجاوزات التي حصلت، فهذا لن يعيد لهم السيطرة على الساحة المحلية، ولن يعيد لهم الدور الذي ظلوا يلعبونه حتى إذا استمرت الحكومة في تجديد الثقة فيهم والاجتماع بهم. وما يصعب أكثر من مهمة أعيان المناطق هو غياب الإجماع على أعلى هرم السلطة حول الأشخاص والسياسات وأعيان غرداية تأثروا بهذا كثيرا عندما ساندوا بن فليس سنة 2004 ثم عادوا لمساندة بوتفليقة في 2009 ثم الأرندي في تشريعيات 2012 وهم الآن تتقاذفهم الصراعات حول العهدة الرابعة من عدمها، وممثلوهم لا يسلمون من أخبار الفساد والرشوة التي تطغى على الرأي العام الوطني منذ أشهر أو سنوات.