صرح الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، في محاضرة ألقاها في جامعة القاهرة في شهر فبراير 1967 قائلا: “إن المثقف هو العالم أو المبدع أو الاختصاصي الذي يحرج باهتماماته وأعماله الميدانية والنظرية، من حدود عمله المخصص الى آفاق المصالح الانسانية المشتركة، أي الى السياسة”. وهذا ما يؤكد التعارض الأساسي والمطلق بين النخبة والسلطة وذلك ما يعيشه العالم العربي منذ أحقاب عديدة، حيث اتسعت المسافة بين الطرفين حتى أصبحت عدوانية صارخة ومطلقة، لم يتمكن أحد من التخفيف من حدتها. ولعل الوصول الى هذه الحالة الكارثية والمرضية، إنما هو تعبير عما يعانيه واقعنا العربي من أزمة بنيوية مجمل أوضاعه وممارساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفجرت في شهر أكتوبر 1988 في الجزائر أولا. وبعد ربع قرن من الصمت والقنوت، ثارت الجماهير التونسية في جانفي 1911 وانتفضت الشبيبة المصرية بعد شهر وتفجّر الوضع في البحرين وليبيا وسوريا بعدها. ذلك أن الشعوب العربية غرقت في التخلف والتمزق والاستبداد والرشوة والتبعية حتى الغثيان ومن بعد الانفجار العنيف الذي طال كل العالم العربي، فتخلّص من بعض الغلاة وفتح الباب دون وعي إلى غلاة آخرين سلبوا “ثورته” بطريقة خبيثة أحبطت كل الآمال التي رسمتها وصوّرتها الجماهير التي أصبحت تعيش اليوم وترى الكابوس ألا وهو كابوس الخيبة والحرب الأهلية والانقلابات العسكرية وتدخّل الدول الغربية بخشونتها المعتادة. فعادت الجماهير بخفّي “حنين” وتورطت في السديم الأبدي مرة أخرى.