اعتبر الجزائريون طيلة سنوات حرب التحرير، الفيلسوف جان بول سارتر بمثابة فيلسوفهم المفضل، كان مثل منير دربهم، فقد ساند الثورة الجزائرية، وناضل من أجل تحرر الجزائريين. وكان المثقفون الجزائريون يعتبرونه بمثابة المفكر الكبير الذي أنار لهم دروبهم، وقادهم نحو الالتزام بالقضية الوطنية، فسارتر هو الذي قال ''إننا مقضيٌ علينا بأن نكون أحرارا''. والحرية حسبه متساوية سواء تعلق الأمر بالسجين أو غيره، فالحرية تظل قيمة أساسية حتى ولو تعلق الأمر بالعبيد، وهذا ما أثار انتباه المثقفين الوطنيين الجزائريين، فمجدوه واهتموا به. كانوا يعتقدون، دون أن يخطئوا في استنتاجاتهم، أن الفيلسوف سان جيرمان دو بري ساهم إلى حد بعيد في تحررهم من الاستعمار، وكانوا يكنون له كثيرا من الإعجاب رغم صمته عن جرائم الستالينية، والغولاج، وكل تجاوزات النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي. بدأت علاقة الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر بالثورة الجزائرية سنة 5591 عندما نشرت مجلة ''الأزمنة الحديثة''، التي كان يشرف عليها في شهر نوفمبر مقالا معاديا للوجود الفرنسي في الجزائر، عنوانه ''الجزائر ليست فرنسا''. أما أول مقال كتبه سارتر نفسه عن الثورة الجزائرية، فكان في مارس 6591، بعنوان ''الكولونيالية عبارة عن نظام''، يبرز فيه الميكانيزمات الاقتصادية والسياسية للاستعمار، ويدعو إلى محاربته، فوضع اللبنة الأولى لجبهة ثقافية فرنسية مناهضة للاستعمار. وقد سبق لسارتر قبل هذا التاريخ أن وقف إلى جانب نضالات الوطنيين في تونس والمغرب، فقد خص جريدة فرحات عباس ''الجمهورية الجزائرية'' سنة 2591 بحوار، وقف فيه إلى جانب الوطنيين الجزائريين، وها هو في خريف 5591 يدعم حركة المثقفين ضد استمرار الحرب في الجزائر رفقة فرنسيس جيزون وزوجته كوليت اللذين ألفا كتابا بعنوان ''الجزائر الخارجة عن القانون''، وقد ساهم الكتاب في دفع سارتر نحو اكتساب نظرة واقعية عن ما يجري في الجزائر. ومنذ هذا التاريخ عرف سارتر ''انزلاقا أخلاقيا'' أوصله إلى اكتشاف موضوع جديد للتاريخ، أكثر راديكالية من طبقة البروليتارية: وهم المستعمرُون، وقد استفادت الثورة الجزائرية كثيرا من هذا الانزلاق''، فتحصلت على دعم جبهة ثقافية واسعة في فرنسا. ومن أشهر مقالات سارتر حول الثورة الجزائرية، هناك مقال بعنوان ''نحن جميعا قتلة''، كتبه عقب قضية ''فرناند ايفتون'' المناضل الأوروبي في صفوف جبهة التحرير الوطني، الذي وضع قنبلة في محطة توليد الكهرباء بالحامة (الجزائر العاصمة) فألقي عليه القبض وحكم عليه بالإعدام. كان سارتر يحظى باهتمام الأدباء والسياسيين الجزائريين والعرب على حد سواء، من منطلق كونه مناصرا لحرية الإنسان ومدافعا عن حقه في الحياة الكريمة، ومنذ كتابه الشهير عن الثورة الكوبية ''عاصفة من السكر''، وكتابه ''عارنا في الجزائر''، تأكد أن سارتر المثقف اليساري يملك قدرة قوية على التأثير في الأوساط الثقافية الجزائرية والعربية. كانت قراءة سارتر بمثابة ضرورة وطنية، وتباهٍ لا يضاهيه سوى قراءة فرانز فانون.. وظل الأمر كذلك إلى غاية سنة 7691، عقب الهزيمة أمام إسرائيل، وما تبعها من مؤلفات موالية للصهيونية، مثل كتابه ''تأملات في المسألة اليهودية''، الذي لم يكن قد ترجم إلى العربية بعد، فقد نُشر سنة 4491. ويسود اعتقاد أن سيمون دي بوفوار رفيقة عمره، واليهودي مثله، وكلود لانيزمان لعبا دورا مهما في انحرافه ومساندته المفاجئة للصهيونية وتبريره عدوان 7691، فأعلن أثناء زيارته إلى تل أبيب قائلا إن ''إسرائيل'' لها الحق في الوجود ويجب أن تَبقى قائمة''. لقد ساند سارتر إسرائيل في حرب 3791 بشكل مطلق، فمنحته جامعة أورشليم الدكتوراه الفخرية. واستمرارا لذلك لعب دورا كبيرا في عملية السلام بين مصر وإسرائيل. ويروي إدوارد سعيد في مقال بعنوان ''لقائي مع سارتر''، كيف أن هذا الأخير، كان يرتاب من أسئلته التي تخص القضية اليهودية، ويتحاشى مناقشته كمثقف. وكيف أنَّ صديق سارتر الحميم، ميشال فوكو، ساند بدوره الكيان الصهيوني. واستنادا إلى جيل دولوز فإن علاقته انتهت مع فوكو بسبب تأييده المطلق ل ''إسرائيل''، وخلافا لهذا الموقف كان ديلوز مناصرا وصديقا للعرب بشكل علني. وصلت أصداء انحرافات سارتر إلى الجزائر، عقب حرب 7691، فتغيرت العلاقة تغيرا جذريا، فتم حرق كتبه، وانتهت العلاقة.