اعتبر المثقفون الجزائريون جان بول سارتر، طيلة سنوات حرب التحرير بمثابة المفكر الإنساني الذي أنار دُروبهم، وقادهم نحو الالتزام بالقضية الوطنية. فسارتر هو الذي قال ''إننا مقضيٌ علينا بأن نكون أحرارا''. بدأت علاقة سارتر بالعرب عبر الثورة الجزائرية. ففي سنة 1955 نشرت مجلة ''الأزمنة الحديثة'' التي كان يشرف عليها مقالا معاديا للوجود الفرنسي في الجزائر عنوانه ''الجزائر ليست فرنسا''. أما أول مقال كتبه سارتر نفسه عن الثورة الجزائرية، فكان في مارس ,1956 بعنوان ''الكولونيالية عبارة عن نظام''، يبرز فيه الميكانيزمات الاقتصادية والسياسية للاستعمار، ويدعو إلى محاربته، فوضع اللبنة الأولى لجبهة ثقافية فرنسية مناهضة للاستعمار. ومنذ هذا التاريخ عرف سارتر ''تجديدا أخلاقيا''، أوصله إلى اكتشاف موضوع جديد للتاريخ، أكثر راديكالية من طبقة البروليتارية وهم المستعمرُون، وقد استفادت الثورة الجزائرية كثيرا من هذا الاكتشاف''، فتحصلت على دعم جبهة ثقافية واسعة في فرنسا. ومن أشهر مقالاته عن الثورة الجزائرية، هناك مقال بعنوان ''نحن جميعا قتلة''، كتبه عقب قضية ''فرناند ايفتون'' المناضل الأوروبي في صفوف جبهة التحرير الوطني، الذي وضع قنبلة في محطة توليد الكهرباء بالحامة (الجزائر العاصمة) فألقي عليه القبض وحكم عليه بالإعدام. كان سارتر يحظى باهتمام الأدباء والسياسيين الجزائريين والعرب على حد سواء، رغم سكوته عن فظائع ''الغولاغ'' في الاتحاد السوفييتي. ونتج ذلك الإعجاب من باب مناصرته لحرية الإنسان، والتي تجلت في كتابه الشهير عن الثورة الكوبية ''عاصفة من السكر'' وكتابه ''عارنا في الجزائر''. كانت قراءة سارتر بمثابة ضرورة وطنية، وتباه لا يضاهيه سوى قراءة فرانز فانون. وظل الأمر كذلك إلى غاية سنة 1967، عقب الهزيمة العربية أمام إسرائيل، وما تبعها من تصريحات ومواقف موالية للصهيونية، ومدافعة عن الدولة العبرية، صدرت عن فيلسوف عجوز، فاقد للبصر تقريبا، يأخذه أتباعه حيثما يشاءون. والغريب أن مواقف سارتر من الصهيونية برزت مبكرا، وظهرت في كتابه ''تأملات في المسألة اليهودية''، أين دعا إلى إنشاء وطن قومي لليهود. لكن هذه المواقف ظلت مجهولة لدى المثقفين العرب، لأن ترجمة الكتاب تأخرت كثيرا. فانتشر الإعجاب أولا بفضل ترجمات سهيل ادريس في دار الآداب وتأخر ظهور النفور والابتعاد. رفض سارتر اعتبار ''إسرائيل كغزو استعماري''. ويسود اعتقاد أن سيمون دي بوفوار رفيقة دربه، واليهودية مثله، إضافة إلى كلود لينزمان، لعبا دورا مهما في انحرافه ومساندته المفاجئة للصهيونية وتبريره لوجود إسرائيل، فأعلن أثناء زيارته إلى تل أبيب قائلا إن ''إسرائيل'' لها الحق في الوجود، ويجب أن تَبقى قائمة، وتجريدها من السلاح يعني تقديمها كفريسة للعرب''، مما دفع سهيل ادريس الذي نقل أعماله الأدبية إلى العربية إلى الإحساس بعقدة الذنب، فأخبر محمود درويش بذلك، فرد الشاعر الفلسطيني قائلا له: ''أن يكون سارتر قد أيّد إسرائيل فهذا شأنه، وما كان ينبغي لك أن تترك عقدة الذنب تستولي عليك''. ساند سارتر إسرائيل في حرب 1973 بشكل مطلق، فمنحته جامعة أورشليم الدكتوراه الفخرية سنة 1976، بعد أن رفض كل التكريمات عبر العالم، بما في ذلك جائزة نوبل للآداب. واستمرارا لذلك لعب دورا كبيرا في عملية السلام بين مصر وإسرائيل. وفي عام 1974 أمضى رفقة ريمون أرون، وأوجين يونيسكو على وثيقة مناهضة لمنظمة ''اليونيسكو'' تدعو إلى مقاطعتها بسبب مواقفها المعادية لإسرائيل. ويروي إدوارد سعيد في مقال بعنوان ''لقائي مع سارتر''، كيف أن هذا الأخير، كان يرتاب من أسئلته التي تخص القضية اليهودية، ويتحاشى مناقشته كمثقف. وكيف أنَّ صديق سارتر الحميم، ميشال فوكو، ساند بدوره الكيان الصهيوني. واستنادا إلى جيل دولوز، فإن علاقته انتهت مع فوكو بسبب تأييده المطلق ل ''إسرائيل''. وخلافا لهذا الموقف كان دولوز مناصرا وصديقا للعرب بشكل علني، فاعتبر الصهيونية كإبادة للتاريخ.