قال اللّه عزّ وجلّ: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} قريش:1-4. تضع سورة قريش معيارًا للدولة القوية، حيث تُقاس قوّة الدول بأمرين: الأوّل، ما تنعم به من استقرار أمني. والثاني، ما تنعم به من إشباع لحاجاتها الضرورية، وبخاصة من السّلع الاستهلاكية المتمثّلة في الطّعام والشّراب. وقد حقّق اللّه سبحانه وتعالى هذين الأمرين لدولة قريش، وهو ما انعكس على استثماراتها الخارجية، فتعوّدت على رحلتين؛ إحداهما في الشّتاء والأخرى في الصّيف، وهو ما يدلّ كذلك على استقرار الأحوال الاقتصادية لهذه الدولة طوال العام، وعدم تعرّضها لكساد في التجارة الخارجية، رغم اختلاف فصول السنة باعتبارها عوامل خارجية تؤثّر في أذواق المستهلكين وحجم الإنتاج؛ لذا كان من الطبيعي أن يذكرهم اللّه تعالى بالنِّعمة، وذلك حتّى يؤدّوا واجب الشُّكر عليها؛ لقوله سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم:7. عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: إنّ قريشًا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذتهم سنة حتّى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمّد، جئت تأمر بصِلة الرّحم، وإنّ قومك هلكوا فادع اللّه، فقرأ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، ثمّ عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يوم بدر. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللّه كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} إبراهيم:28، قال ابن عباس في هذه الآية: هم واللّه كفار قريش.