دافع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن قراره بإعادة هيكلة دائرة جهاز الأمن والاستعلامات، منتقدا القراءات التي أعطيت للعملية من قبل سياسيين ومحللين بأنه تحييد للجهاز في إطار الصراع على السلطة وانتقاما منه، بعدما فتح تحقيقات أمنية في حق محيطه بتهم الفساد. وقال بوتفليقة إن محاولة بعض الأطراف تقديم عمليات الهيكلة التي خضعت لها دائرة الاستعلام والأمن على أنها “قرينة” تنم عن وجود أزمة داخل الدولة: هي قراءة “غير موضوعية وماكرة” للوقائع. استغل الرئيس بوتفليقة احتفالية اليوم الوطني للشهيد أمس للانخراط من جديد في النقاش حول المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات، بعدما تبين أن رسالته الأسبوع الماضي للتهدئة لم تحدث أثرا كبيرا في الساحة، وأوحى في خطابه بأن “إعادة الهيكلة أمر طبيعي ولم يخضع لحسابات”، مبديا “انزعاجه للقراءات التي أعطيت للقرار”، وقال إن “ما يجري من هيكلة في البلدان الأخرى “لا يتعرض لأي تعليق يدعو بالثبور ويجانب الموضوعية”، أما في الجزائر كما أشار فإن “البعض يريد تقديم عمليات الهيكلة هذه على أنها قرينة تنم عن وجود أزمة داخل الدولة أو في وزارة الدفاع الوطني”. وتابع في رسالة قرأها نيابة عنه وزير المجاهدين في الاحتفال بيوم الشهيد بالعاصمة، أن هذه الأطراف تقوم بذلك بقراءة “غير موضوعية وماكرة” للوقائع. وبرر الرئيس بوتفليقة بالقول إنها “عملية يتم اللجوء إليها مثلما هو جارٍ به العمل ومتداول في كل البلدان عند الاقتضاء، وهو ما حصل سنة 2006 حين قرر هيكلة جهاز الأمن الوطني”. وذكر الرئيس “يجب أن يعلم المواطنون أن جهاز الأمن الوطني الذي هو محل تعليقات تعددت طبيعتها ومصادرها، تحكمه نصوص تنظيمية تحدد مهامه وصلاحيته تحديدا دقيقا على مستوى الدولة وعلى مستوى وزارة الدفاع الوطني على حد سواء”. وأضاف أنه “لا يحق لأحد مهما كانت مسؤولياته التطاول على المؤسسات الدستورية للبلاد التي لا تضطلع إلا بواجبها في خدمة الأمة ليس إلا”. ونفى بوتفليقة وجود خلاف عميق بينه وبين الفريق محمد مدين مدير دائرة جهاز الأمن والاستعلامات وقال “إن ما يثار من نزاعات وهمية بين هياكل الجيش الوطني الشعبي ناجم عن عملية مدروسة ومبيتة غايتها ضرب الاستقرار من قبل أولئك الذين يغيظهم وزن الجزائر ودورها في المنطقة”، وأبرز أن العملية هذه “يمكن للأسف أن يوفر لها الظروف المواتية ما يصدر من البعض من سلوك غير مسؤول ومن البعض الآخر من عدم التحلي بالنضج تحت تأثير مختلف أوجه الحرب الإعلامية الجارية حاليا ضد الجزائر ورئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي ودائرة الاستعلام والأمن”. واسترسل الرئيس قائلا “يتعين على المسؤولين كافة أن يثوبوا إلى ضميرهم الوطني وأن يتساموا فوق كافة أشكال التوتر التي يمكن أن تطرأ بينهم. إنه لا مناص من ذلك لضمان مستقبل الدولة ودفاعها وأمنها”. وقال إنه يتعين على دائرة الاستعلام والأمن أن تواصل الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها القانونية. وأن الهدف من رسالته هو “تجديد التأكيد بوضوح وجلاء أن دائرة الاستعلام والأمن خلافا لما يرد في الصحافة من أراجيف ومضاربات تمس باستقرار الدولة والجيش الوطني الشعبي، تبقى مجندة تمام التجند في سبيل الأداء الأمثل للمهام الموكلة، إليها شأنها في ذلك شأن بقية هياكل الجيش الوطني الشعبي”. وتوجه بوتفليقة إلى المواطنين ودعاهم إلى “أن يكونوا على وعي ودراية بالمآرب الحقيقية التي تتخفى وراء الآراء والتعليقات التي يعمد إليها باسم حرية التعبير، والتي ترمي إلى غايات كلها مكر وخبث هدفها المساس باستقرار منظومة الدفاع والأمن الوطنيين وإضعافهما”، “وأمام هذه الأخطار الجديدة الناجمة عن الشحناء والتناحر بين الرؤى المتناقضة والفتنة التي تثيرها المناوءات بين المواقف، يتعين علينا جميعا من حيث إننا مواطنون العودة إلى الروح الوطنية التي لا تخبو شعلتها للتصدي لكل ماسٍّ باستقرار الأمة من حيث أتى”. وأشار الرئيس إلى “أن المواقف التي جاهر بها هؤلاء وأولئك قد تدخل في خانة حرية التعبير المكرسة بمقتضى الدستور، لكن حينما تحاول هذه المواقف التي يستلهم بعضها من مصادر معادية للجزائر، زرعَ البلبلة ونشر أطروحات هدامة مدعية بها وجود صراعات بين المؤسسات الجمهورية، فإنه يصبح لزاما على كل المواطنين أن يدركوا خطر ضرب الاستقرار الذي تنطوي عليه مثل هذه المساعي التي تندرج في إطار عملية تضليل العقول والاستغلال الخبيث للوقائع”. وقال بوتفليقة إنه “كما يلاحظ كل المواطنين عند قراءة الأخبار ومتابعتها، نرى جهودا جبارة تبذل بشتى الأشكال لبث البلبلة وزرع الخوف في النفوس، وتكريس أطروحة يزعم فيها وجود نزاعات بين المؤسسات الدستورية كرئاسة الجمهورية وغيرها من المؤسسات، وداخل وزارة الدفاع الوطني، وبين مكونات الجيش الوطني الشعبي”. وخاض الرئيس لأول مرة في ملف الرئاسيات في ظل الجدل القائم حول ترشحه، ووصف رئيس الجمهورية هذا الموعد الانتخابي ب “الهام” من حيث سيكون “المحك لإقامة البرهان على ما بلغه الشعب الجزائري برمته من النضج الديمقراطي،” داعيا إياه إلى “انتخاب رئيس له من بين المرشحين”، ومعربا عن “تيقنه في نضجه وتبصره وقدرته على الاختيار السديد”، دون أن يكشف فيها عن نواياه للترشح من عدمه.