أفسدت الاتهامات بالفساد والرشوة، على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عيد ميلاده الستين الذي كان يخطط لأن يكون مناسبة لإطلاق حملة انتخابية مبكرة، لتبوّؤ قمة الهرم السياسي في البلاد، خلال انتخابات الرئاسة الصيف المقبل. وفيما بات حلم الرئاسة بعيداً من أردوغان، فإن همّه الأول أصبح الحفاظ على تماسك حزبه الحاكم وسمعة عائلته وتاريخه السياسي، بعدما أصبح أول رئيس وزراء تركي يُتهم ب «السرقة».وانشغلت تركيا بالاحتكام إلى خبراء وفنيين لمعرفة مدى صدقية شريط مسرّب لاتصال هاتفي مفترض بين رئيس الوزراء ونجله بلال، يوحي بتورطهما بالفساد، فيما حرصت المعارضة على إسماع هذا الشريط لأضخم شريحة شعبية، بعد تعتيم إعلامي مارسته الحكومة على بثّه في الشبكات الإخبارية وحتى في البرلمان.وأفادت معلومات بأن أشخاصاً استخدموا هواتفهم الذكية لإسماع هذا الاتصال لركاب وسائل النقل العام في إسطنبول وأنقرة، فيما أذيع مضمون الاتصال في تظاهرات نظمتها المعارضة في مدنٍ عدة، وترددت خلالها هتافات: «لصوص» و «استقيلي أيتها الحكومة». وشكّلت الاحتجاجات مادة دسمة للحملات الانتخابية للمعارضة، قبل الانتخابات البلدية المرتقبة في 30 آذار (مارس) المقبل، فيما أطلق بعضهم حملة «إمسك حرامي»، من خلال كتابة هذه العبارة على الليرة التركية، ما أربك مصارف ومعاملات تجارية.لكن وزير العلوم والصناعة فكري إشق اعتبر أن التسجيل المنسوب إلى أردوغان «ملفّق في درجة واضحة لا تستدعي أي تحليل فني»، فيما أصرّت المعارضة على صدقيته، إذ لفت هالوك كوتش، نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري» الأتاتوركي، إلى وجود «أكثر من طريقة للتأكد من صدقية الشريط، بينها أن تراجع شركة الاتصالات مكالمات أردوغان يومها، لنتأكد هل اتصل به نجله بلال أم لا، وفي أي وقت، وإظهار سجّل مكالمات نجله للتأكد من اتصاله بمن يُفترض أن يساعدوه في التخلص من الأموال، وأسماؤهم واردة في المكالمة». وأضاف: «يمكن التأكد من وصول شقيقته سميّة إلى منزله»، إذ يرد في التسجيل أن أردوغان أبلغ نجله أنه سيرسلها إلى منزله لتساعده في إخفاء الأموال. ونبّه كوتش إلى أن رئيس الوزراء «يرفض أي نوع من التحقيق ويصرّ على الإنكار، إذ يدرك أن نهاية هذا الأمر ستقوده وعائلته إلى السجن». وخيّر أردوغان بين الاستقالة أو دخول تركيا حالاً من الفوضى.وطالب رئيس «حزب الحركة القومية» دولت باهشلي بألا يقتصر التحقيق الذي بدأه المدعي العام، على مَن نشر التسجيل على الإنترنت، بل أن يشمل مدى صدقيته وما ورد فيه عن إخفاء مبالغ ضخمة. أما «حزب السلام والديموقراطية» الكردي فاعتبر أن التسوية السلمية للقضية الكردية قد تنهار، إذ «ليس مناسباً التفاوض مع رئيس وزراء مُتهَم بالفساد ومشكوك في شرعيته». وهددت مواقع إلكترونية معارِضة بأنها ستُسرّب الشهر المقبل تسجيلات هاتفية ووثائق «تدين الحكومة».أما وسائل الإعلام الموالية لجماعة الداعية فتح الله غولن المُتهم بأنه «العقل المدبر» للتنصّت على أردوغان ومسؤولين أتراك وتسريب مكالماتهم الهاتفية، فأشارت إلى أن رئيس الوزراء طلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما، في اتصال هاتفي الأسبوع الماضي، طرد غولن من الولاياتالمتحدة أو الضغط عليه ليعود إلى تركيا.وناقش مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماع دوري، مسألة التنصت وخطورة اختراق جهاز الأمن، فيما سرّبت جماعة غولن معلومات تفيد بأن أردوغان قدّم قائمة بأسماء المحسوبين على الجماعة داخل الجيش، استعداداً لحملة تطهير ضخمة تطاولهم.في غضون ذلك، صادق الرئيس عبدالله غل على قانون إعادة هيكلة «المجلس الأعلى للقضاة والمدعين»، ما يجعله تحت سيطرة الحكومة. وبرّر غل قراره بأن البرلمان أخذ في الاعتبار اعتراضه على «15 بنداً تتعارض مع الدستور»، معتبراً أن «المحكمة الدستورية يمكن أن تقوّم البنود الأخرى التي تخضع لنقاش مؤيد ومعارض».