خلت برامج المرشحين للرئاسيات وخطاباتهم، من الالتزامات الدقيقة والوعود المحددة بآجال، وافتقدت المشاريع المقترحة لحصيلة مالية معروفة، ما يجعل كل ما يقال ويخرج من ألسنة المشاركين في موعد 17 أفريل، أحاديث عمومية يصعب إخضاعها للحساب، بالرغم من أنها خامس رئاسيات تعددية في الجزائر. لم يتخلف أي من المرشحين ال6 للرئاسيات، من مغازلة عاطفة الناخبين والمواطنين، بتقديم “وعود” و”أحلام” في عملية تسويق برامجهم الانتخابية، وهو أمر مألوف وليس بالجديد، بحيث مورس في المواعيد والاستحقاقات السابقة، وهو ما يعني أن برامج السياسيين الانتخابية لا تريد أن تتماشى مع تطور المجتمع الجزائري الذي لم يعد يثق سوى في “الملموس” ويدير ظهره للخطابات السياسوية. إذ رغم دخول الجزائر خامس انتخابات رئاسية، منذ بداية التعددية، وهي فترة كافية (20 سنة)، للانتقال إلى قفزة نوعية على الأقل في محتوى البرامج الانتخابية، غير أن لا شيء من هذا تحقق، بحيث ظلت ما يسمى ب”البرامج “، مجرد كتابات عمومية تفتقد لتركيب مالي وللآجال المحددة لكل مشروع خلال سنوات العهدة الرئاسية. كل برامج المرشحين الستة، تتحدث عن تحسين القدرة الشرائية ورفع الأجور ومراجعة معاشات التقاعد، لكن لا أحد منها أعطى التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك، هل بتوزيع الريع البترولي، مثلما ظل جاريا دائما، أو من خلال الجباية العادية عن طريق الزيادة في الرسوم والضرائب، أو هل من خلال التحكم في الأسعار الاستهلاكية عن طريق تفعيل الرقابة وامتصاص التضخم الذي يقف دوما وراء تدهور القدرة الشرائية. لم يذكر أحد من المترشحين للرئاسيات، الحقيقة حول منظومة الأجور المطبقة في الجزائر مقارنة بمداخيل الدولة من المحروقات. لا أحد من المترشحين للرئاسيات وفي مقدمتهم الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة الذي يطلب عهدة رابعة، لم يعلن للجزائريين ما سوف يقوم به في اليوم الموالي لانتخابه ولا في الشهر الذي يليه ولا في المائة يوم الأولى من عمر عهدته الرئاسية ولا في العام الأول أو الثاني أو الثالث، وهو ما يعني أن ما يعلنون عنه مجرد “وعود” غير مرتبطة برزنامة زمنية لتجسيدها، وبالتالي يمثل هذا نوعا من التهرب من حساب الناخبين. وإذا كان مشروع تعديل الدستور الذي ظل يتأرجح من سنة لأخرى منذ جانفي 2011، لم يقدم بشأنه الرئيس المترشح حتى بعد فوزه بالرابعة، أي موعد محدد لتعديله، فكيف هو الأمر بالنسبة لبقية الوعود الأخرى حول السكن والتعليم والصحة وغيرها. في كل دول العالم يقدم السياسيون وعودا والتزامات، لكنهم لا يكتفون بدغدغة مشاعر الناخبين وأنصارهم، بل مطالبون أخلاقيا بتحديد آجال لتنفيذ كل قضية فيها مهما كانت صغيرة، والأكثر من ذلك يكشفون عن الموارد المالية التي ستغطي نفقات تلك الوعود والمقترحات، ويكون بذلك المواطن على بينة مسبقا بما ينتظره من ضغوط أو راحة على قدرته الشرائية ووضعه المعيشي، حتى قبل بداية العهدة الانتخابية، وهو ما ليس معمولا به في الحملات الانتخابية في الجزائر، ليس لصعوبة إنجاز مثل هذه المهمة في تقديم برنامج انتخابي ب”كامل المواصفات”، بل لأن علاقة المنتخب للرئاسة أو البرلمان في الجزائر تنتهي مع ناخبيه بمجرد انتهاء الموعد الانتخابي، ولن يسمع المواطنين خطابات الغزل، مثل التي يسمعونها هذه الأيام في الحملة الانتخابية التي ترسم فيها الجمهوريات الفاضلة والجنان فوق الأرض.