المعارضة تنتظر الضمانات والسلطة تحصي بيانات المساندة عرضت مطالب قانونية لرئاسيات سياسية مع كل موعد انتخابي، تتسابق الأحزاب للمطالبة بما تسميه "الضمانات"، ومع اقتراب كل رئاسيات تتسابق السلطة من أجل انتزاع وإحصاء البيانات ولجان الدعم والمساندة. هذه الصورة التي رافقت كل المواعيد الانتخابية السابقة هي نفسها التي تشكل واجهة المشهد الرئاسي المقبل دون زيادة ولا نقصان، وهو ما يعني أن السلطة والمعارضة لا تزالان أمام نفس المعادلة: انتخابات شكلية لأن الجميع يخاف من حكم الشعب ومن الصندوق الانتخابي. وبين سلطة تعودت استعمال كل الأوراق بما فيها المال العام من أجل البقاء في الحكم، ومعارضة ألفت في أقصى مطالباتها التنديد بالتزوير دون أن تؤسس لممارسة سياسية نظيفة، تستنسخ الجزائر من موعد انتخابي لآخر نفس الخطاب والاحتجاجات والأخطاء والشكوك والاتهامات، ضمن لعبة انتخابية لا يراد لها أن تكون شفافة وذات مصداقية، لأن السلطة والمعارضة كلاهما يكذب على الآخر. شرعت السلطة منذ شهور في عد بيانات المساندة لمشروع العهدة الرابعة تحسبا لليوم الموعود، في وقت لا زالت بعض أطياف أحزاب المعارضة تجري وراء السلطة لدفعها لتقديم ضمانات لم تجد هذه الأخيرة أي حرج في رفضها جملة وتفصيلا، بل سبقت الجميع بتدشين حملتها الانتخابية. قطعت السلطة شوطا طويلا في تحضير الانتخابات الرئاسية، وذلك منذ تعيين الثلاثي مدلسي في المجلس الدستوري والطيب بلعيز في الداخلية والطيب لوح في العدل، وهي تعيينات لم تترك أدنى شك في أن الرئيس ومحيطه يريدون إحكام القبضة على كل تفاصيل العملية الانتخابية. وإن تفطنت أحزاب المعارضة لهذا السيناريو المؤدي إلى غلق اللعبة السياسية وتمكين مرشح السلطة من الفوز سلفا، فإن ردود فعلها أظهرت أن هناك مسافة بعيدة بين ما تفكر فيه السلطة وبين الذي تريد المعارضة الوصول إليه من وراء تشكيل تكتلات كرتونية. ومن ذلك أنه في الوقت الذي تقوم السلطة بإحصاء عدد بيانات المساندة الداعمة لمشروع العهدة الرابعة وترتيب طابور الأحزاب الواقفة وراءها، تبحث أحزاب المعارضة لدى السلطة عما تسميه ”الضمانات” لهذه العملية الانتخابية، وهي بذلك أقرب إلى مديح الظل العالي ”يدعو لأندلس إن حوصرت حلب”. ورغم ما وقع لما سمي بقوانين الإصلاحات من بتر وإفراغها من محتواها مثلما سجلت ذلك كل أحزاب المعارضة، فإن ذلك لم يغير من سلوكها شيئا، بحيث مازالت تطالب بضمانات قانونية للانتخابات، وهي تعلم علم اليقين أن أي مبادرة قانونية تنزل إلى البرلمان لن تخرج منه بغير ما تشتهيه سفينة السلطة بالنظر إلى الأغلبية التي لا تعصي أمرا ويفعل نوابها ما يؤمرون به، وهو ما جعل رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي يرى أن الظروف المحيطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة لم تتغير عن تلك التي عشناها طيلة 15 سنة الماضية، وأن ما يجري مجرد ”مسرحية ستستمر مشاهدها في الظهور، سيكون الفوز فيها إما لبوتفليقة أو حليفه الذي سيعين”. ويعني هذا أن أحزاب المعارضة جانبت الصواب عندما أرادت اللعب مع السلطة في الجوانب القانونية وهي تعلم جيدا أن الانتخابات هي قضية إرادة سياسية بالدرجة الأولى، وليست مسألة تشريعات ومراسيم ولجان تنظيم وإشراف ومراقبة. كان بمقدور المعارضة لو كانت جادة في التأسيس لفعل وممارسة سياسية جديدة في البلاد، أن تجعل السلطة ترضخ لمطالبها ومبادراتها السياسية من خلال التخلص من أنانياتها الضيقة التي جعلت كل حزب ينساق مع غيره سواء فيما يسمى بمجموعة ال17 أو تكتل ال20، ليس من أجل تحقيق مكسب لفائدة الوطن أو الاتفاق على مرشح ”توافقي” للمعارضة، وإنما طمعا في كسب التأييد والدعم لمرشحها ليس إلا، وهو ما دفع قيادة الأفافاس إلى طرح فكرة ”الوفاق” الوطني، ولكن حسب بيطاطاش لن يكون حول شخص واحد تمهيدا لموعد انتخابي، وإنما حول أفكار متعلقة بالديمقراطية والدولة والقانون ونظام الحكم وقضايا أخرى تمس مستقبل الجزائر، وهو لب الطرح والنقاش الذي يجب أن يفتح بمناسبة الرئاسيات لتحقيق قفزة للأمام وعدم الدوران في نفس الحلقات السابقة. شرعوا في حشد الجماهير ولم ينتظروا استدعاء الهيئة الناخبة وزراء وأحزاب السلطة في حملة انتخابية ”مسبقة” لم ينتظر الموالون للعهدة الرابعة إعلان الرئيس بوتفليقة عن استدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية المقبلة حتى شرعوا في حشد التأييد الشعبي للعهدة الرابعة، ولكنهم استبقوا الرئيس نفسه إلى تهيئة الجماهير لقبول ”الأمر الواقع” الذي يعتبره قادة أحزاب ووزراء ”أمرا جللا”. ككل مرة، بدأت الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014 فعليا من الإدارة وإن سبقها البدء ”سياسيا” من أحزاب موالاة رأت في العهدة الرابعة ”أمرا محتوما” سواء أعلن الرئيس بوتفليقة عن ترشحه أم لم يعلن، والجزائر هي الدولة الوحيدة التي يدفع فيها الأحزاب الرئيس إلى الترشح لعهدة أخرى من حيث استباق العملية الانتخابية بشهور عديدة، تعطي فيها الأحزاب التي تقتات من الولاء للسلطة صكوكها البيضاء لدعم المترشح المفترض الأوفر حظا من غيره، لا يكون سوى الرئيس بوتفليقة حتى وإن كان مريضا. حاليا، أتمت أحزاب الولاء وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني ”المالك الحصري لمهام الوظيفة السياسية للنظام”، والجبهة الشعبية الجزائرية لبن يونس، وتجمع أمل الجزائر لغول، والتجمع الوطني الديمقراطي لبن صالح، ضبط عقارب ساعاتها على الموعد الرئاسي المقبل من حيث ترتيب التحضير الفعلي لحشد الجماهير لمساندة الرئيس بوتفليقة في ترشحه الرابع، فيما يرتقب أن يشرع عمار سعداني في لقاءات جهوية للمنتخبين يبدؤها من الشرق يوم 21 من هذا الشهر، واختار تنظيم اللقاء في باتنة تحديا لعلي بن فليس المترشح المفترض للرئاسيات. وخرج قادة هذه الأحزاب إلى العلن بعد تردد نتج عن عدم اليقين من قدرة الرئيس حتى على إتمام عهدته الثالثة بسبب المرض، لكن الوزير الأول حقنهم بجرعة زائدة من”الأمان” لما شرع في خرجاته الميدانية إلى الولايات لتوزيع الأغلفة المالية وتقريب ”المشاريع” إلى المواطنين، للتدليل على ”قرب الدولة من الفقراء”، ومن ثمة تهيئة الجو لقبول ما يسعى إليه مريدو بقاء بوتفليقة رئيسا. وليس سلال وحده من يحرك الإدارة لتحقيق هذا المبتغى، فبمجرد قيامه بخرجات ماراطونية إلى الولايات أعطى انطباعا لمن دونه من المسؤولين بضرورة اتخاذ ما يساعد على حشد الجماهير، بل هذا المسعى صار حتمية بالنسبة للعديد من الوزراء الذين أبقوا على مشاريعهم قيد الرفوف ولم يخرجوها إلا في هذا الظرف بالذات. وإلا بم يفسر تأخير إطلاق تقنية ”الجيل الثالث للهاتف النقال” الذي ينتظره على ”الجمر” قطاع واسع من الجزائريين، وكيف يمكن التصديق أن تأخر الوزير الأول عن توقيعه حال دون إطلاقه؟ كما قالت وزير البريد وتكنولوجيات الاتصال زهرة دردوري التي خرجت أول أمس في جولات تفقدية لمراكز البريد للوقوف على طبيعة استقبال الأعوان للمواطنين، وكيف يفسر أيضا تدفق التعليمات من وزير إصلاح الخدمة العمومية محمد غازي للإدارات قصد تفعيل ”إصلاح” الخدمة العمومية التي تعطلت بسبب بيروقراطية عششت في الإدارات، وانتظر ”الإصلاح” إلى اليوم حتى يزيحها من الطريق، هذا إن نجح فعلا لأن الأصداء الواردة من الإدارات لا تقر بذلك أو على الأقل لم تلق الصدى الذي لقيته ”سكنات عدل” التي وإن نفى وزير القطاع عبد المجيد تبون دخولها معترك ”حملة انتخابية”، فإن توقيت إطلاق الصيغة لا يتطرق إلى تفسيره شك ”أغبى الأغبياء”. الجزائر: محمد شراق نقاش البروفيسور عبد المجيد بن شيخ ل ”الخبر” رئاسيات 2014 تهم النظام وأجنحته فقط لم يعد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية إلا فترة قصيرة، والمعارضة مترددة ومشككة في نزاهة الانتخابات الرئاسية وتطالب بإصلاحات تشريعية وضمانات، هل تعتقد أن السلطة ستستجيب لهذه المطالب؟ لم تتوفر في الجزائر الشروط الضرورية بعد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لأسباب متعددة، أولا: لا توجد في بلادنا أحزاب سياسية مستقلة عن السلطة وتحوز على تمثيل شعبي لممارسة ضغط على السلطة السياسية وفرض إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ومن ناحية ثانية أن تنظيم انتخابات وفق قواعد الشفافية والنزاهة لا يتقرر بمراسيم فقط، لأنه يجب إشراك المنظمات التي لها تمثيل كالنقابات والأحزاب السياسية المستقلة، وما نشهده في الجزائر أن الأحزاب التي تشارك في المشاورات لا تمثل إلا السلطة، ويمكن القول إن النظام غالبا ما يحضر الانتخابات بالشراكة مع نفسه، فهذا النظام يشتغل مع نفسه، والقوانين التي يضعها هي أجوبة على أسئلة طرحها بنفسه بناء على علاقات القوة داخله. وهذا لا يتيح إجراء انتخابات حرة ونزيهة، أضف إلى هذا أنه لم يعد يفصلنا وقت كبير عن إجراء هذه الانتخابات، في ظل غياب نقاش حول الرئاسيات على مستوى الإذاعات والتلفزة والتجمعات، المرشحون ذوو الثقل لا يدلون بمواقف، ما يجعلني أقول إن الانتخابات المقبلة تشبه الانتخابات السابقة. ما هي البدائل المتاحة أمام قوى المعارضة، كيف تستطيع إيصال صوتها وانتزاع إجراء انتخابات وفق القواعد الدولية؟ يجب النضال والمقاومة والضغط وأن تلعب الصحافة دورها في إقامة نقاش حر في المجتمع، والانفتاح على كل القوى التي تقاسمها توجهاتها أو تعارضها، على الجمعيات أن تنشط وتشتغل سواء كانت معتمدة أو غير معتمدة. لكن هل وضع إصلاحات على تشريعات الانتخابات وتقديم ضمانات عملية يفي بالحاجة؟ بالنسبة للرئاسيات المقبلة الأمر متأخر جدا لجعلها انتخابات حرة ونزيهة، لأن بلوغ مثل هذا الهدف يتطلب وقتا وجهدا كبيرين، ولكن الأمر لم يتأخر على مباشرة مسار جديد، على الأحزاب التي تطالب بنزاهة الانتخابات أن تكشف عن وجهها وأن تنزل للشارع، يجب أن تتواجد في القرى وتقيم نقاشا مع المواطنين بمن فيهم الذين لا يقاسمونها نفس التوجه، هذا عمل يجب أن ننطلق فيه من الآن، أما السلطة فهي تسعى دائما للحافظ على ما لديها من مكاسب والتمتع بها، وأقول إنه من الضروري تشكيل قوة مستقلة للتغيير، هذه من الشروط الأساسية للانتقال إلى الديمقراطية. ما هي أهمية الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ لا أرى لها أي أهمية، النقاش الحقيقي يتم على مستوى السلطة بين مختلف القوى التي تشكل النظام، ولا علاقة لهذا باهتمامات المواطنين. الجزائر: حاوره ف. جمال القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف ل ”الخبر” من الأفضل للمعارضة ترك مرشح السلطة وحده كما حدث في 1999 السلطة وعدت في أكثر من مناسبة بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وأعلنت أن كل الضمانات متوفرة، هل أنتم مطمئنون لهذه الوعود؟ تنظيم انتخابات حرة نزيهة لا يتحقق بالخطابات الجوفاء، وإنما عن طريق تغيير نمط الانتخابات وتكريس مطلب نزع تنظيم الاقتراع من حزب الإدارة، وإسناد الأمر للجنة مستقلة تخلف اللجان الثلاث الحالية، بدءا بمراجعة قوائم الناخبين وصولا إلى إعلان النتائج، ونحن لا نتكلم مثل الذين يرفعون المطالب ويقدمون ترشيحاتهم، بل نعتزم تقديم مقترح لتعديل قانون الانتخابات لتكريس هذه الضمانات عمليا ووضع السلطة وأحزابها أمام مسؤولياتهم، فإذا استجيب لهذا المطلب فإن ذلك سيمهد لمشاركة سياسية قوية، لكن لا نتوقع أن تقبل السلطة بتغيير قواعد اللعبة. وزير الداخلية أعلن قبل أيام أن الحكومة لن تتنازل عن حقها في التنظيم. أي بدائل متاحة أمامكم؟ من رأينا أن يقاطع كل المرشحين ويتركون مرشح السلطة وحده ليخوض انتخابات رئاسية تعددية بمرشح واحد على شاكلة سنة 1999، وهذا أضعف الإيمان، لفضح السلطة أمام الرأي العام الدولي والداخلي. هذا يعني أنكم فصلتم في ملف الرئاسيات؟ القرار لم يتخذ بعد على مستوى مؤسسات الحزب، وأعني هنا مجلس الشورى، وما قلناه سابقا أنه لا يوجد ما يشجع على المشاركة، فالانتخابات محسومة سلفا للرئيس الحالي أو عن طريق الوكالة لشخص آخر. وهذا يتجلى من خلال حملة انتخابية مسبقة والإعلان عن ملامح برنامج انتخابي، والحديث عن برنامج خماسي جديد.. لقد تعودنا أن الفصل في الانتخابات لا يكون عن طريق الناخبين، بل عن طريق القائمة الانتخابية الإدارية المضخمة، فكل وال يريد أن تكون له نسبة تأييد أكثر من غيره للتزلف للذي عيّنه. ومن يدخل الانتخابات فإنه يضفي عليها المصداقية ويلعب دور الأرنب أو فأر التجارب. ما الذي تغير عن سنة 2004، المنظم لم يتغير والظروف هي نفسها، ومع ذلك شارك رئيس حزبكم في تلك الانتخابات؟ في سنة 2004 كانت هناك ضمانات من قائد أركان الجيش الراحل، وكنا نظن أن السلطة ستوفي بالتزاماتها وتضمن إجراءات انتخابات نزيهة وشفافة، لقد قال في ندوة صحفية إن الجيش سيضمن نزاهة الانتخابات والقبول بجاب الله رئيسا، لكن الأمور انقلبت ولم تتحقق الوعود. هناك بديل دعم مرشح من المعارضة لمنافسة مرشح السلطة؟ هذا لا ينفع في ظل المعطيات الحالية، فقد تم وضع آليات لفوز مرشح السلطة، ولو يتحقق شرط تنظيم انتخابات مفتوحة لأمكن دراسة هذه البدائل. الجزائر : حاوره ف. جمال