إنّ اليتيم أحد أفراد المجتمع الّذين يجب أن توجّه إليه أنظار الباحثين والعلماء والمُشرِّعين، من أجل رعايتهم وحمايتهم وتوفير جميع الحقوق الشّرعية والقانونية الّتي أوجبتها الشّريعة الإسلامية ودساتير الدول الإسلامية لهم، وحتّى نضمن لهم الحياة الكريمة الّتي تليق بهم. ولأهميته جعل له يوم في الجمعة الأولى من أبريل من كلّ عام يُذكَر فيها بوجوب الاهتمام به ورعايته.. من هنا كانت عناية الإسلام باليتيم عناية بالغة، نجد هذه العناية واضحة في الأحكام التّشريعية الكثيرة الّتي حفلت بها كتب الفقه الإسلامي ونصوص الشّريعة الإسلامية من قرآن وسنّة ومصادر تشريعية أخرى. لقد اهتمّ الإسلام بشأن اليتيم اهتمامًا بالغًا من حيث تربيته ورعايته ومعاملته وضمان سبل العيش الكريمة له، حتّى ينشأ عضوًا نافعًا في المجتمع المسلم، قال تعالى: “فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر” الضحى:9، وقال تعالى: “أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ اليتيمَ” الماعون:1-2، وهاتان الآيتان تؤكّدان على العناية باليتيم والشّفقة عليه، كي لا يشعر بالنّقص عن غيره من أفراد المجتمع، فيتحطّم ويصبح عضوًا هادمًا في المجتمع المسلم. كما أمر عزّ وجلّ بحفظ أموال الأيتام وعدم التّعرّض لها بسوء، وعدَّ ذلك من كبائر الذّنوب وعظائم الأمور، ورتّب عليه أشدّ العقاب، قال تعالى: “إنّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلمًا إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم نارًا وسَيصلَونَ سَعِيرًا” النّساء:10، كما قال تعالى: “ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلّا بِالّتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأوفُوا بِالعَهدِ إنّ العَهدَ كَانَ مَسئُولًا” الإسراء:34. وعدَّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أكل مال اليتيم من السّبع الموبقات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “اجتنبوا السّبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”. واستمرارًا لحرص التّشريع الإسلامي على أموال الأيتام، أمر باستثمارها وتنميتها حتّى لا تستنفدها النّفقة عليهم، فلقد ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “ألَا مَن ولي يتيمًا له مال فليتجر به ولا يتركه حتّى تأكله الصّدقة”. وجماعًا لكلّ ما سبق، أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بكفالة اليتيم، وضمّه إلى بيوت المسلمين، وعدم تركه هملاً بلا راعٍ في المجتمع المسلم، فلقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار بالسّبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئًا”، كما عدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يُحسَن إليه، فلقد ورد أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “خيرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه، وشرّ بيتٍ في المسلمين بيت فيه يتيم يُسَاء إليه”. ولقد وعد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بالأجر العظيم لِمَن تكفل برعاية الأيتام، فقال صلّى الله عليه وسلّم: “مَن عال ثلاثة من الأيتام كان كمَن قام ليله وصام نهاره وغدَا وراح شاهرًا سيفه في سبيل الله، وكنتُ أنا وهو في الجنّة أخوين كهاتين أختان وألصق إصبعيه السّبابة والوسطى”. كما جعل الإحسان إلى الأيتام علاجًا لقسوة القلب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلاً شَكَا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه فقال: “امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين”، ورتّب على ذلك الأجر العظيم، حيث يكسب المرء الحسنات العظام بكلّ شعرة يمسح فيها على رأس ذلك اليتيم، فعن أبي أمامة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن مسح رأس يتيم لم يمسحه إلّا لله كان له بكلّ شعرة مرّت عليها يده حسنات، ومَن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنتُ أنا وهو في الجنّة كهاتين وفرّق بين إصبعيه السّبابة والوُسطى”. ولقد تمثّل المجتمع المسلم تلك التّوجيهات عمليًا بدءًا من عصر الصّحابة رضوان الله عليهم حتّى يومنا الحاضر، فلقد ثبت أنّ هناك العديد من الصّحابة والصّحابيات كفلوا أيتامًا ويتيمات وضمّوهم إلى بيوتهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: أبوبكر الصّدّيق، وأبو سعيد الخدري، وعائشة بنت الصّدّيق، وأمّ سليم، وزينب بنت معاوية رضي الله عنهم وغيرهم كثير وكثير جدًّا من الصّحابة رضوان الله عليهم. ويجب أن نعلم أنّ رعاية المسلمين للأيتام ومَن في حكمهم تقوم على أسس أصيلة قوية تنطلق منها جميع أوجه الرّعاية الّتي يقدّمونها لهم سواء من أحاد المسلمين أو من المجتمع المسلم بشكل عام، وهذه الرّعاية لا تقوم على مجرد عاطفة قد تضمحل أو شفقة عابرة أو رحمة قد تزول وتتناقص على مرّ الأيّام، بل هي قواعد أساسية مرتكزة على توجيهات ربّانية وهدي نبوي، ولاشكّ أنّ استحضار هذه الأسس تعين المسلم على الإقدام على رعاية هؤلاء الأيتام والعطف عليهم والشّفقة بهم. *كلية الدراسات الإسلامية قطر