إنّ اللّه تعالى خلقنا ورزقنا وأرسل إلينا رسولاً ليكون دليلنا إلى الجنّة، وأنعم علينا نعمه ظاهرة وباطنة، قال تعالى: {وإنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّه لاَ تُحْصُوهَا} النحل:34. والواجب على العباد أن يقابلوا تلك النعم بالشكر والمحبّة وأن يوجّهوا للّه ما استحقه لجلاله وقوّته وقدرته وكبريائه من تعظيم وإجلال، بالإيمان باله تعالى مبني على المحبّة والتّعظيم، على الخوف والرّجاء، على الرّغبة والرّهبة، قال اغبن القيم رحمه اللّه: ”وروح العبادة هو الإجلال والمحبّة، فإذا تخلّى أحدهما عن الآخر فسدت، فإذا اقترن بهذين الثناء على المحبوب المعظّم، فذلك حقيقة الحمد”. فكيف يتجرّأ عبد يتقلّب في نعماء ربِّه ليلاً ونهارًا على سبِّه وسبّ رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أو سبّ دين الإسلام أو سبّ الصحابة رضوان اللّه عليهم؟ وما علم هذا العبد أنّه بمجرد ما يوضع في قبره يأتيه ملكان فيسألانه: من ربُّك؟ ما دينُك؟ مَن نبيُّك؟ ويكون التّثبيت في الإجابة حسب حالة أعماله في الدنيا. إنّ سبّ اللّه عزّ وجلّ يُعدّ أقبح وأشنع أنواع الكفر القولي، وإذا كان الاستهزاء باللّه وبرسوله أو بأحكام الشّريعة الإسلامية عن قصد أو بغير قصد يُعَد من نواقض الشّهادتين، فإنّ السبّ من نواقضهما من باب أولى، قال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَبِللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئونَ} التوبة:65. وقد شدّد العلماء في هذه المسألة، واعتبروا سابّ اللّه أو الدِّين قصدًا كافرًا، لخطورة هذا الأمر وأثره على عقيدة العبد وسلوكه وتأثيره على مَن حوله، قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّه فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} الأحزاب:57، وذهبوا إلى أنّه يُستتاب، فإن أصَرَّ على ذلك اعتبر كافرًا وفرّق بينه وبين زوجته لأنّها لا تحلّ له وهي مسلمة. أمّا سبّ الصحابة فقد حذّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منه بقوله: ”مَن سبّ أصحابي فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين” رواه الطبراني وغيره وهو حديث حسن. وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: ”لا تسُبّوا أصحابي، فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدًا أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه” رواه البخاري. وقال الإمام مالك رحمه اللّه: ”مَن شتم أحدًا من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال كانوا على ضلال وكُفر قُتِل”. فالصحابة هم رفقاء دعوة خاتم النّبيّين محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، فقد أثنى اللّه عليهم بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة:100، وقد أجمع العلماء على عدالتهم.