قال اللّه سبحانه وتعالى: {ضَرَبَ اللّه مثلًا كلمة طيِّبَة كشَجرة طيِّبةٍ أصْلُها ثَابِتٌ وفَرْعُهَا في السَّماء تُؤْتِي أُكْلُهَا كُلَّ حِينٍ بإذْنِ ربِّهَا ويَضْرِبُ اللّه الأمْثَالَ للنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرون ومَثَلُ كلِمةٍ خبِيثَةٍ كشَجرة خبيثة اجْتُثَت مِن فَوق الأرض ما لهَا مِنْ قرار} إبراهيم:24-26. هذا المثل القرآني جاء عقيب مثل ضربه سبحانه لبيان حال أعمال الكفار، وهو قوله تعالى: {مَثَلُ الّذين كفروا بربِّهم أعمالهم كرَماد اشْتدَّت به الرِّيح في يومٍ عاصِفٍ} إبراهيم:18، فذكر تعالى مثل أعمال الكفار، وأنّها كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف، ثمّ أعقب ذلك ذكر مثل أقوال المؤمنين. ووجه هذا المثل أنّه سبحانه شبّه الكلمة الطيّبة- وهي كلمة لا إله إلّا اللّه وما يتبعها من كلام طيّب- بالشّجرة الطيّبة، ذات الجذور الثابتة والرّاسخة في الأرض، والأغصان العالية الّتي تكاد تطال عنان السّماء، لا تنال منها الرّياح العاتية، ولا تعصف بها العواصف الهوجاء، فهي تنبت من البذور الصّالحة، وتعيش في الأرض الصّالحة، وتجود بخيرها في كلّ حين، ثمّ تعلو من فوقها بالظلال الوارفة، وبالثّمار الطيّبة الّتي يستطيبها النّاس ولا يشبعون منها، فكذلك الكلمة الطيّبة تملأ النّفس بالصِّدق والإيمان، وتدخل إلى القلب من غير استئذان، فتعمَل به ما تعمل. أمّا الكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشِّرك- وما يتبعها من كلام خبيث- فهي على النّقيض من ذلك، كلمة ضارة غير نافعة، فهي تضرّ صاحبها، وتضرّ ناقلها، وتضرّ متلقيها، وتضرّ كلّ مَن نطق بها، وتسيء لكلّ سامع لها، إنّها كلمة سوء لا خير فيها، وكلمة خُبْثٍ لا طيب فيها، وكلمة مسمومة لا نفع فيها؛ فهي كالشّجرة الخبيثة، أصلها غير ثابت، ومَذاقها مُرّ، وشكلها لا يسرّ النّاظرين، تتشابك فروعها وأغصانها، حتّى ليُخيَّل للنّاظر إليها أنّها تطغى على ما حولها من الشّجر والنبات، إلّا أنّها في حقيقة أمرها هزيلة، لا قدرة لها على الوقوف في وجه العَواصف والأعاصير، بل تنهار لأدنى ريح، وتتهاوى لأقلّ خطر يهدّدها؛ إذ ليس من طبعها الصّمود والمقاومة، وليس من صفاتها الثبات والاستقرار، إنّها شجرة لا خيرٌ يرتجى منها، فطعمها مرّ، وريحها غير زاكية، فهي شرّ كلّها، وخبث كلّها، وسوء كلّها.