جاء هذا القانون القرآني في قوله تعالى: ”قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” المائدة100، وهو قانون عظيم، ومهمٌ للغاية خاصة في هذا الزمن الّذي انتفخ فيه الباطل وانتفش فيه الخبيث، وقد سبق هذه الآية آيات في تفصيل الحلال والحرام في الطعام والصيد، ”والحرام خبيث، والحلال طيّب، ولا يستوي الخبيث والطيب ولو كانت كثرة الخبيث تغرّ وتعجب. ففي الطيب متاعٌ بلا معقبات من ندم أو تلف، وبلا عقابيل من ألم أو مرض. وما في الخبيث من لذة إلاّ وفي الطّيب مثلها على اعتدال وأمن من العاقبة في الدنيا والآخرة. والعقل حين يتخلّص من الهوى بمخالطة التقوى له ورقابة القلب له، يختار الطيب على الخبيث، فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، ولهذا ختم الله سبحانه الآية بقوله: ”فاتّقوا الله يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون”.هذه هي مناسبة الآية لسياقها في سورة المائدة، ولكنّ معناها بعد ذلك أفسح مدى وأبعد أفقًا، وهو يشمل الحياة جميعًا.إنّ كثرة شيء أو شيوعه أو اشتهاره أو انتشاره أو ارتفاعه لا يعني أبدًا أنّه طيب، أو أنّه خير، أو أنّه منفعة، أو أنّه مصلحة، بل قد يكون الخبث الصّراح، والضرّ الخالص، والشّرّ الصّهيم، ومهما زيّن الخبيث ومهما زوّق، فإنّ حقيقته لا تتغيّر ولكن عيون النّاس تخدع، ونفوسهم تغترّ، وعقولهم تتوهّم، وعلى العاقل أن يتعامل مع الحقائق لا البواطل ومع البواطن لا الظواهر، يقول الإمام ابن باديس رحمه الله: ”وعلّمنا أن لا ننظر إلى ظواهر الأمور دون بواطنها وإلى الجسمانيات الحسية دون ما وراءها من معانٍ عقلية، بل نعبر من الظواهر إلى البواطن، وننظر من المحسوس إلى المعقول، ونجعل حواسنا خادمة لعقولنا، ونجعل عقولنا هي المتصرفة الحاكمة بالنظر والتفكير. علّمنا هذا بقوله تعالى: ”لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ”، هذا هو الميزان الذي يجب علينا التزامه ووزن الأمور به في كلّ الشؤون، وهذا هو القانون الرباني الحاكم على كلّ مناحي الحياة. إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر