الدعم السعودي والإيراني للمسلمين قلب معادلة الحرب في البوسنة والهرسك 20 جزائريا استقروا في البوسنة وينشطون في المجال الإنساني/الجيش البوسني لا يتجاوز تعداده 10 آلاف جندي قال محمد ياسر الصباغ، منسق التنمية والعلاقات الخارجية بجمعية التضامن الدولي "إيماوس" بالبوسنة والهرسك، إن هذه الجمهورية ذات الغالبية المسلمة في أوروبا لم تتخلص بعد من آثار الحرب الأهلية بين المسلمين وصرب البوسنة وكذلك الكروات (1992–1995)، مشيرا إلى أن اتفاقية دايتون أدت إلى تشكيل دولة هشّة مكونة من مجلس رئاسي من ثلاثة رؤساء (مسلم وصربي وكرواتي)، ويتداولون الرئاسة كل ستة أشهر ولمدة أربع سنوات. وأضاف أن البوسنة والهرسك دولة ذات اتحاد فيدرالي مكونة من ثلاث جمهوريات، معتبرا أنه بالرغم من أن الاتفاقيات الدولية تعطي الحق للمهاجرين المسلمين بالعودة إلى المناطق التي هُجّروا منها في المناطق ذات الغالبية الصربية إلا أن هذا الأمر يقف أمامه عدة عقبات، يوضحها محمد ياسر الصباغ في هذا الحوار. كيف انتقلت من سوريا إلى البوسنة والهرسك وأصبحت تحمل جنسيتها؟ كنت في سوريا ملاحقا سياسيا وأمنيا، ففي الثمانينيات لا تحتاج السلطات الأمنية أن توجه لك تهمة حتى تعتقلك، فأي شخص له علاقة بشخص متدين أو يصلي في المسجد يعتبر معاد للدولة. وذنبي الوحيد أنني كنت أدرس في الثانوية العامة (البكالوريا) في فصل فيه إخوة متدينون وملتزمون دينيا، وأحد الإخوة كان يدرس معنا استشهد في حمص في إحدى المداهمات الأمنية، فأصبح 40 تلميذا في الفصل (القسم) متهمين بمعاداة الحكومة وموضوعين في القائمة السوداء، فتم الزجّ بي في السجن مرتين وعمري لا يتجاوز 17 سنة، رغم أنني كنت أعتبر قاصرا بكل المعايير الدولية، فارتأى أهلي أن خروجي من سوريا أفضل من بقائي فيها، وغادرت بلدي بجواز سفر بقي منه سبعة أيام فقط، حيث منحتني الحكومة السورية جواز سفر لمدة ثلاثة أشهر، ثم زجوا بي في السجن، واحتجزت المخابرات جواز سفري، وبعدها أطلقوا سراحي دون أن يسلموني جواز سفري إلى أن لم يبق من صلاحيته سوى سبعة أيام فقط، ولم تكن أي دولة في العالم تمنح تأشيرة لجواز سفر ليس فيه سوى سبعة أيام صلاحية، باستثناء يوغسلافيا سابقا التي كانت تتعاطف مع المعارضة السورية والحالات الاستثنائية وتعطيهم تأشيرة دخول، وسافرت إلى يوغسلافيا واستقريت في البوسنة، وهناك سلمت جواز سفري إلى السفارة السورية وسلّمت نفسي إلى السلطات الأمنية في يوغسلافيا، فقالوا لي: ”ابق هنا ما شئت، فأنت في أمان”. والحمد للّه، بقيت هناك، وأنهيت دراستي الجامعية، وتزوجت، وأنجبت ثلاثة أطفال ولديّ الآن حفيدة. كيف تفككت يوغسلافيا إلى عدة جمهوريات، رغم أنها كانت من أبرز دول عدم الانحياز؟ بعد سقوط حائط برلين وتوحيد الألمانيتين الشرقية والغربية، بدأت الحركات في أوروبا الشرقية، وبدأ التحول من دول شيوعية بحتة إلى دول ديمقراطية تتمتع بالتعددية الحزبية، وكان هذا مصير يوغسلافيا، فبعد أن كان هناك الحزب الشيوعي اليوغسلافي (الحزب الواحد) أصبح هناك تعددية حزبية في الجمهوريات اليوغسلافية السابقة. نعلم أن يوغسلافيا سابقا كانت مكونة من سبع جمهوريات ضمن اتحاد فيدرالي، وبدأت هذه الجمهوريات في سنة 1990 وما بعدها تطالب ببعض الاستقلالية الذاتية، وجرت مباحثات مكوكية بين رؤساء جمهوريات يوغسلافيا السابقة لتشكيل كيان ديمقراطي جديد، لكن لم يتم الاتفاق، وحينها أعلنت جمهورية سلوفينيا انفصالها عن يوغسلافيا، وبعدها أعلنت كرواتيا انفصالها هي الأخرى، لكنها دخلت في حرب أهلية بين مكوناتها الإثنية المتمثلة في الصرب الذين يتبعون الكنيسة الأرثوذوكسية والكروات الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية، وحدث قتال عرقي بين الطائفتين، أما جمهورية البوسنة فمكوناتها العرقية أكثر تعقيدا من كرواتيا، لوجود ثلاث قوميات فيها، فإلى جانب المسلمين هناك أيضا الصرب والكروات، بالإضافة إلى أقليات صغيرة من اليهود والغجر والألبان والأتراك، وجرى استفتاء في البوسنة حول انفصالها عن يوغسلافيا أو بقائها ضمن ما تبقى من يوغسلافيا سابقا، فقاطع صرب البوسنة هذا الاستفتاء، وكانت النتيجة بالتالي لصالح الاستقلال. ما نسبة المسلمين في جمهورية البوسنة والهرسك؟ المسلمون كانوا يشكّلون 47 بالمائة من سكان البوسنة حسب إحصاء 1992، والصرب نحو 35 بالمائة، ثم الكروات بنسبة أقل. عايشت الحرب في البوسنة والهرسك والمجازر المرتكبة في حق المسلمين، كيف تلخص لنا تلك المأساة؟ الحرب التي دارت في البوسنة ما بين 1992 إلى 1995 كانت بين من يريدون الاستقلال ومن يريدونها أن تبقى ضمن الدولة اليوغسلافية، وفي كلتا الحالتين هناك خسارة وهناك أرباح، خسارة لأن هناك أرواحا سقطت، سواء من المسلمين أو الصرب أو الكروات، أما الأرباح فتتمثل في تحقيق الاستقلال وتصبح غير خاضع لطرف آخر. ودامت الحرب من 1992 إلى 1995 دون تدخل أي طرف أجنبي، والهدف كان على ما أعتقد هو إخضاع المسلمين أو القضاء عليهم. ولكن بعد التغييرات السياسية والعسكرية في المنطقة في 1995 تغيرت موازين القوى في معادلة الحرب في البوسنة، وقويت شوكة المسلمين في البوسنة، وأثبتوا وجودهم وبقاءهم، وهذا ما دفع أمريكا وأوروبا إلى اتخاذ قرار التدخل في البوسنة وإنهاء الحرب في 1995. صرب البوسنة ارتكبوا العديد من المجازر في حق المسلمين بالرغم من أنهم أقلية، فمن كان يدعمهم؟ صرب البوسنة كانوا مدعومين بشكل كبير من جمهورية صربيا ومن روسيا واليونان وحتى من أوكرانيا، والآن بدأت تتجلى بعض الأمور بعد انفصال القرم. الكثير من صرب البوسنة ذهبوا إلى القرم مباشرة للقتال إلى جانب الروس، وقالوا نحن نردّ الدين الذي علينا، لأنه كان هناك أوكرانيون حاربوا إلى جانب صرب البوسنة، بالإضافة إلى مرتزقة من رومانيا. ومن هي الدول التي دعمت البوشناق المسلمين لقلب موازين الحرب في 1995؟ الدعم الكبير كان يأتي من السعودية وإيران وبعض الدول العربية بشكل عام، لأن سوريا لم تعترف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة حتى انتهاء الحرب وترسيم الحدود، وحينها فقط اعترفت بالبوسنة والهرسك وبكرواتياوسلوفينيا، وخلال فترة الحرب كان نظام حافظ الأسد يدعم الصرب ضد المسلمين. وهل كان هناك دعم جزائري للمسلمين في البوسنة والهرسك؟ الجزائر- بحكم ارتباطها مع روسيا أكثر من الغرب- أعتقد أنها لم تدعم البوسنة، حتى إنني لم أسمع بمهاجرين بوسنيين لجأوا إلى الجزائر، خاصة وأن الجزائر كانت منشغلة في أمورها الداخلية. لكن كان هناك متطوعون جزائريون في هيئات الإغاثة الإنسانية، هل تعرّفت على بعضهم؟ نعم، كان هناك إخوة جزائريون في البوسنة، حتى إن أحد الجزائريين الذي تم اعتقاله من بين الستة الذين أرسلوا إلى سجن غوانتنامو بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أتصور أنه إذا رأى نملة في الشارع يتجنبها حتى لا يدوس عليها، وهذا الشخص كنت أعرفه جيدا، وعملية الاعتقال تلك كانت إجحافا كبيرا في حق الإخوة الجزائريين، وهذا لأن الحكومة الاشتراكية التي كانت تقود البوسنة حينها لديها نقمة على المسلمين، رغم أنه كان فيها مسلمون، لكن كما تعلم المسلمون فيهم الصالح وفيهم الطالح. وهل عُرف عن هؤلاء الجزائريين التشدد؟ لم يكونوا إسلاميين متشددين، ولكن يمكن القول عنهم إنهم مسلمون ملتزمون. سألت مرة رئيس حكومة جزائري: لماذا لم تتدخلوا لحماية هؤلاء الجزائريين؟ فأجابني: هؤلاء لم يذهبوا إلى البوسنة للسياحة. فهل شارك هؤلاء الجزائريين في عمليات قتالية في البوسنة؟ نعم هؤلاء الجزائريون لم يذهبوا للسياحة في البوسنة، ولكني أقول له هؤلاء لم يذهبوا للجهاد في البوسنة والهرسك، هم ذهبوا في حملات إنسانية بحتة لمساعدة سكان البوسنة والهرسك. هم أشخاص لم يحملوا السلاح في حرب البوسنة، بل كان لهم دور في الهيئات الإغاثية التي تنشط في البوسنة والهرسك. ولماذا أصرّت أمريكا على اعتقالهم ما داموا ناشطين إنسانيين؟ أتذكر أن الأمريكان وجدوا أن أحد الإخوة الجزائريين كانت له اتصالات مع بعض الأشخاص في باكستان ليس أكثر، وهذه أمور شخصية، فمن الممكن أن أتصل بصديق لي في باكستان، فهل هذا يعني أني شخص إرهابي؟ والتهمة ملفقة في نهاية الأمر. ولكن المحكمة العليا في البوسنة برّأتهم، فلماذا سلّمتهم الحكومة البوسنية لأمريكا؟ حتى المحكمة الأوروبية برّأتهم من تهمة الإرهاب، لكن الأمريكان عندما يركبون رؤوسهم مثل حبات الجوز الصلب مهما ضربت لا ينكسر. هل هناك جالية جزائرية حاليا في البوسنة؟ هناك عدد لا بأس به من الجالية الجزائرية في البوسنة، يتجاوز 20 شخصا، أغلبيتهم موجودون في سراييفو، ومتزوجون من نساء بوسنيات، ويحملون الجنسية البوسنية، ولديهم أطفال بعضهم وصل المرحلة الثانوية، وارتباطهم بالجزائر عميق، وكلهم يعودون في الإجازة الصيفية إلى الجزائر، وغالبيتهم يعمل في العمل الإنساني، وقليل منهم من ينشط في العمل التجاري. هل اعترفت الجزائر بجمهورية البوسنة؟ أعتقد أن الجزائر اعترفت بالبوسنة، ولكن لا يوجد تمثيل دبلوماسي مع البوسنة، وسفارة الجزائر في روما هي التي تتولى الأمور الدبلوماسية في البوسنة. ما هو الواقع السياسي لجمهورية البوسنة بعد قرابة 20 سنة من نهاية الحرب؟ للأسف الشديد اتفاقية دايتون للسلام التي فرضها عليهم الأمريكان والأوروبيون وضعت البوسنة في وضع بحيث تكون غير مستقرة سياسيا دائما، فأول مبدأ، على سبيل المثال، والمتعلق برئاسة الدولة، بحيث تكون عبارة عن مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أفراد، مسلم وصربي وكرواتي؛ قرارات هذا المجلس لا تكون إلا بالإجماع، وكل ستة أشهر يتداول على رئاسة المجلس شخص من ثلاثة طيلة أربع سنوات من الولاية الرئاسية، وهذه أول نقطة تدل على أن الوضع غير مستقر، ولغاية الآن ليس هناك أي شيء مستقر في البوسنة التي هي عبارة عن ثلاثة كيانات، فهي ليست دولة متحدة، كل كيان لديه أجهزته الإدارية والقضائية الخاصة، ويوجد بعض الوزارات على مستوى الدولة كوزارة القضاء والخارجية والدفاع والمالية وهذه الأمور لا تعني توحيد دولة، فالبوسنة حتى تقوم على أساس متين لا بد من توحيدها وليس ثلاثة دول في دولة واحدة، فلدينا فيدرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة ولدينا كيان اسمه برشكوك ديتسي فرتشكا. ففي جمهورية صرب البوسنة أقلية من المسلمين لديهم حقوق المواطنة، ولكن صوريا وليس فعليا. ولكن قلت إن المسلمين هم الأغلبية، فلماذا القول الآن إنهم أقلية؟ في جمهورية صرب البوسنة المسلمون يعتبرون أقلية بعد التطهير العرقي خلال الحرب، حيث تراجعت نسبتهم إلى 30 بالمائة، ورغم أن هناك قرارات دولية بإعادة المهاجرين إلى مواطنهم الأصلية وإعادة توطينهم ولكن الأمور هذه لم تتم، فبعد 13 سنة من انتهاء الحرب مازالت هناك صعوبات في توطين المسلمين في أراضي جمهورية صرب البوسنة، لأن المسلمين عندما يعودون إلى جمهورية صرب البوسنة لا يجدون عملا أساسا، لأنه من الصعب إيجاد عمل لدى الحكومة والعمل التجاري من الصعب أن تستمر فيه. ليس للمسلمين إمكانية العيش في جمهورية صرب البوسنة لذلك يضطرون للبقاء في فيدرالية البوسنة، كما أن التقاعد في جمهورية صرب البوسنة أقل بكثير من التقاعد في فيدرالية البوسنة ولا يكفي الحد الأدنى للعيش الكريم للمتقاعد، لذلك يفضّل الناس البقاء في فيدرالية البوسنة، وهذا لا يشجع المسلمين للعودة إلى ديارهم في جمهورية صرب البوسنة. من يحمي استقلال البوسنة إذا كان الجيش البوسني غير متجانس؟ هذا سؤال يطرح بشكل دائم، من يحمي سيادة البوسنة إذا حصلت حرب في البوسنة، خاصة وأن عدد أفراد الجيش البوسني لا يتجاوز 10 آلاف جندي، ربما يحميها الغرب.. ربما. على ماذا يقوم الاقتصاد البوسني؟ البوسنة دولة مستهلكة أكثر مما هي دولة منتجة، فالميزان التجاري يسجل عجزا ضخما جدا، فالواردات أكثر بكثير من الصادرات، وتعتمد على تصدير الفحم الحجري والخشب والملح، وتعتمد بشكل جزئي على السياحة والصناعات التقليدية، لأن الصناعات الثقيلة التي كانت موجودة دمرت خلال الحرب، والأوروبيون فرضوا الخوصصة على البوسنة فقامت ببيع المؤسسات العمومية بأسعار زهيدة، وأصبح هناك عدد كبير من العاطلين عن العمل، وأزيد من 30 بالمائة عاطلين عن العمل، فالوضع الاقتصادي للبوسنة سيء، بل هو أدنى من السيء. هل هناك دعم اقتصادي من الخارج للبوسنة؟ هناك دعم اقتصادي أوروبي، لكن هذا الدعم مشروط بتحقيق استقرار سياسي. البوسنة كل سنة تخسر ملايين من الدولارات من الدعم الأوروبي بسبب عدم إصدار بعض القرارات السياسية التي تهمّ البلد، بسبب الخلافات السياسية الكبيرة، ما يؤدي إلى صدور قرارات سياسية متأخرة أو أنها تفرض عليهم من الخارج. فالأوروبيون عندما يريدون تقديم مساعدات يشترطون ”الضمان السياسي”، والضمان السياسي غير متوفر في البوسنة.