السؤال الأبرز هو كيف ستتعامل موسكو مع كيانٍ جديد غير مرغوب به دولياً على الخريطة السياسية الاوروبية بعد استفتاء تقرير المصير؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها سلطات كييف المعنيّة تجاه «جمهورية دونيتسك الشعبية»، بعدما خسرت قبل ذلك شبه جزيرة القرم أحد أهم مرافقها الإستراتيجية والحيوية؟ الحراك السياسي الروسي لا يدلّ إلى أنّ موسكو في صدد ضمّ مناطق «الدونباس الاوكراني» الى قوامها، على رغم أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة قد حصل على تفويض من مجلس الإتحاد الروسي بدايةَ شهر آذار الماضي لاستخدام القوات المسلحة على الأراضي الأوكرانية حتى عودة الاستقرار السياسي والاجتماعي لهذا البلد، زد على ذلك أنّ أقاليم جنوب وشرق أوكرانيا غنيّة بما يكفي من الثروات الطبيعية لتوفير حاجاتها الإقتصادية. لكن على المستوى السياسي، لا يمكن أن تتخلّى روسيا عن ملايين المواطنين الذين هتفوا لها ورفعوا أعلامها فوق سطوح منازلهم ومؤسساتهم الرسمية، لذلك فإنّ الخيار الوحيد حالياً أمامها هو السعي الى توفير غطاءٍ سياسي لهم بصرف النظر عن الصيغة التي سيخلص اليها حراكهم الميداني، ويبقى الحلّ الأمثل هو تكرار سيناريو «بردنيستروفيه» او ما يُعرف «ترانسنيستريا» التي انفصلت عن مولدافيا عقب انهيار الإتحاد السوفييتي ولم تحظَ باعترافٍ دوليّ ككيان مستقل الى الآن، وقد ساهمت روسيا في الحفاظ على وجودها خلال 15 عاماً على رغم عدائية جارتيها كييف وكيشنيوف. والدليل على أنّ هذا السيناريو لم يسقط من حسابات روسيا هو إعادة تذكير نائب رئيس الوزراء ومبعوث الرئيس الروسي إلى جمهورية بريدنيستروفيه دميتري روغوزين أمس «أنّ تواقيع سكان بريدنيستروفيه لطلب دخول الجمهورية غير المعترَف بها إلى قوام روسيا الإتحادية موجودة في موسكو»، وعلى رغم ذلك، لا تزال اوساط الخارجية الروسية تؤكد أنها ماضية في البحث عن حلّ سياسي للأزمة، وأنّ موسكو قد باتت مستعدة لكلّ السيناريوهات المحتمَلة في أوكرانيا السياسية وغير السياسية منها. أما كييف، فالخيارات معدومة لديها على ما يبدو، وهذا ما بدا واضحاً من خلال التصعيد العسكري الذي انتهجته في مدينة سلافيانسك تزامناً مع بدء الاقتراع في دونيتسك ولوغانسك. ولا شك في أنّ اعتماد كييف مبدأ استخدام القوة يوم الإستفتاء لم يأتِ من فراغ، خصوصاً وأنه جاء عقب دعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الى «ضرورة أن تمتنع كييف عن العمليات الهجومية في شرق أوكرانيا قبل الانتخابات الرئاسية»، ما يعني أنّ كييف أدركت أنّ مصالح الإتحاد الأوروبي مع روسيا أكبر من أن تختصرها الأزمة الأوكرانية، وبذلك يذهب رهانها على دعم الإتحاد الأوروبي أدراج الرياح، بعدما أثبتت التجارب السابقة أنّ بروكسل غير قادرة على اتخاذ إجراءات تصعيدية وحاسمة بحق موسكو نظراً لتقاطعات سياسية واقتصادية، وهذا ما دفع بالقيادة الأوكرانية المعنيّة في الآونة الاخيرة الى الاستدارة في اتجاه واشنطن، التي يبدو ومن خلال مروحة مواقفها منذ بدء الأزمة في أوكرانيا، أنها لن تخرج عن إطار فرض العقوبات على مسؤولين ومؤسسات روسية، ولعلّ زيارة قادة أوكرانيا المرتقبة الى واشنطن ستكون إحدى محاولات كييف الاخيرة للحفاظ على وحدة ما تبقى من أقاليم في البلاد تحت رايتها، وذلك بعد فشل محاولاتها العسكرية في وقف إجراءات الإستفتاء.