ينتظر أن تعرف مناطق أخرى في شرق أوكرانيا اليوم، تنظيم استفتاء آخر للانفصال عن الدولة المركزية في كييف، وضمن حلقة أخرى من حلقات مسلسل تفتيت السيادة الترابية لهذا البلد بعد انفصال شبه جزيرة القرم شهر فيفري الماضي. وأصر المتمردون في منطقتي دونتسك ولوغانسك في أقصى شرق البلاد، على تنظيم استفتاء يخير سكان هاتين المنطقتين الحدوديتين مع روسيا بين البقاء ضمن الدولة الأوكرانية، أو الانفصال عنها رغم تحذيرات السلطات الأوكرانية والدول الغربية التي رأت في المسعى تصرفا لا يحظى بأية شرعية. وقد سعت السلطات الروسية، من اجل إقناع قادة التمرد على العدول عن مسعاهم أو حتى تأجيله الى حين، إلا أنهم اعتبروا ذلك خيانة وطعنة في الظهر وتمسكوا بموقفهم بتنظيم هذا الاستفتاء الذي سيشكل ثاني تجربة في أوكرانيا، بعد استفتاء القرم شهر مارس الماضي. ولم تتمكن السلطات الانتقالية في كييف من صد مثل هذا المسعى رغم التدخل العسكري الذي شنته مؤخرا في عدد من مدن شرق البلاد الناطقة بالروسية، والتي يشعر سكانها البالغ عددهم بأكثر من سبعة ملايين نسمة من أصل 45 مليون نسمة بالولاء لروسيا أكثر منه الى أوكرانيا. ولكن مخاوف العملية تكمن أيضا في كون المنطقتين تضمان الأحواض المنجمية لمنطقة دونباس التي يعني استقلالها تمكين روسيا من اكبر مناجم أوروبا، ويجعلها في غنى عن كثير من المواد الأساسية لقطاعها الصناعي. وهو ما يفسر حدّة مخاوف الدول الغربية، وهي ترى روسيا تستعيد أقاليم واسعة في دول أوروبية خرجت من دائرة المعسكر الشيوعي، وهو ما يمكنها من استعادة مكانتها في قارة أوروبية مازالت قيد التشكيل حتى بعد مرور عقدين بعد سقوط جدار برلين. ولم يخف فياتشيسلاف بونوماريف، زعيم المتمردين في مدينة سلافيانسك إحدى اكبر مدن منطقة دونتسك، أن الجمهورية الشعبية لدونتسك ستنضم الى روسيا إن أبدى سكانها رغبة في ذلك مباشرة بعد الكشف عن نتائج الاستفتاء التي يتوقع أن تكون لصالح فكرة الانفصال. وإذا تأكد مثل هذا المنحى بعد فرز أصوات الناخبين، فإن ذلك يعني تأجج الحرب الباردة بين موسكو والعواصم الغربية الأخرى، التي أصبحت تنظر الى روسيا بكثير من الريبة والشك حول نوايا دولة كانوا يعتقدون أنها طوت صراع ستين عاما بعد الحرب الثانية، وزادهم إحياء الرئيس فلاديمير بوتين، لذكرى الانتصار على النازية الهتلرية أول أمس، بعاصمة شبه جزيرة القرم من درجة هذه الهواجس. وكان استعراض الرئيس الروسي لقوات بلاده في ميناء سيباستوبول، على ضفاف البحر الأسود بمثابة رسالة تحد صريح تجاه الدول الغربية التي راحت تحذّر موسكو من عواقب وخيمة في حال تم تنظيم استفتاء آخر في شرق أوكرانيا.