يَحلّ علينا اليوم شهر رمضان المبارك وهو شهر مغفرة الذّنوب وشهر القبول ومُضاعفة الحَسنات وشهر العِتق من النّار، الشّهر الّذي "تُفتَح فيه أبواب الجنّة وتُغلَق فيه أبواب النّار وتُصفَّد فيه الشّياطين" أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو الشّهر الّذي فيه "يُنادي منادٍ: يا بَاغي الخير أقْبِل، ويا باغيَ الشرّ أقْصِر، ولله عتقاء من النّار، وذلك كلّ ليلة". روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ”أُعْطِيَتْ أمَّتِي خمسَ خِصَال في رمضانَ لم تُعْطهُنَّ أمَّةٌ من الأمَم قَبْلَها: خُلُوف فم الصّائِم أطيبُ عند الله من ريح المِسْك، وتستغفرُ لهم الملائكةُ حتّى يُفطروا، ويُزَيِّنُ الله كلَّ يوم جَنّتهُ ويقول: يُوْشِك عبادي الصّالحون أن يُلْقُواْ عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتُصفَّد فيه مَرَدةُ الشّياطين فلا يخلُصون إلى ما كانوا يخلُصون إليه في غيرهِ، ويُغْفَرُ لهم في آخر ليلة، قِيْلَ يا رسول الله أهِيَ ليلةُ القَدْرِ؟ قال: لاَ ولكنَّ العاملَ إِنّما يُوَفَّى أجْرَهُ إذا قضى عَمَلَه”. ولقد أنعم الله به على عِباده بفَضيلة شهر الصّيام، ففيه مضاعفة للحسنات، وتكفير للسّيِّئات، وإقالة للعثرات؛ ولذلك نُذكِّر بهذه الوقفات: -محاسبة النّفس: يجب على كلّ مسلم أن يأخُذ العِبرة من سرعة تصرُّم الأيّام واللّيالي فيقف مع نفسه محاسبًا، حسابًا يَدفعه إلى العمل الصّالح وهجر الذّنوب والمعاصي، قال الله سبحانه وتعالى {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُر نَفْسٌ مَا قَدَّمَت لِغَد}، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: [أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسكم من الأعمال الصّالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربّكم]. -التّوبة النّصوح: المسلم ليس معصومًا عن الخطأ، فهو معرَّض للوقوع في الذّنوب والآثام، وقد بيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك وبيّن أنّه من طبع البشر وبيّن عِلاجه فقال ”كلُّ بني آدَمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التّوّابون” أخرجه أحمد والترمذي من حديث أنسٍ رضي الله عنه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”والّذي نفسِي بيَدِه، لو لم تذنِبوا لذَهَب الله بكم، ولجاءَ بقوم يذنِبون فيستغفِرون اللهَ فيغفِر لهم” أخرجه مسلم. فحريٌّ بالمؤمن الصّادق الّذي مَدّ الله في عمره حتّى أدرك هذا الشّهر، أن يَغتَنِمه بتوبة صادقة وانطلاقة جادة بعزيمة أكيدة، فيُجدِّد العَهد مع الله تعالى، بأن يلتزم بطاعته، وأن يأتمر بأوامره، وينتهي عن مناهيه، ويستقيم على دينه حتّى يَلقاه، فإنّ العِبرة بالخواتيم. -تزكيّة النّفس: فشهر رمضان المبارك فرصة لتطهير القلوب وتصفية النّفوس وتزكيّتها والسّمو بها إلى المعالي، بالالتزام بأخلاق وآداب الإسلام، وقد نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمّا يوغر الصّدور ويَبعث على الفرقة والشّحناء، ففي الصّحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ”لا تَباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ”، وعندما سُئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أيُّ النّاس أفضل؟ قال ”كلّ مخموم القلب صَدوق اللّسان”، قالوا: صدوق اللّسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال ”هو التّقيّ النّقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غِل ولا حسد” رواه ابن ماجه والطبراني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. أنشر على