له تعالى أن يختار من مخلوقاته ما يشاء فيقرّبه ويغدق عليه من أفضاله، لا يسأل عمّا يَفعل سبحانه، فكما اختار من عباده واصطفى عددًا فجعلهم أنبياء ورسلًا وفضّلهم على جميع خلقه كما قال تعالى {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} الحجّ:75، وقال {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} آل عمران:33، وكما اصطفى موسى عليه السّلام كما قال {إِنّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} الأعراف:144، واصطفى عيسى وإبراهيم ونوحًا، واصطفى نبيّنا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم على سائر الرّسل، وجعله آخرهم وخاتمهم. وكما اصطفى من النّساء عددًا فضّلهنّ على جميع النّساء وجعلهنّ قدوة لهنّ، كمريم عليها السّلام وآسية امرأة فرعون وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخديجة أمّ المؤمنين وعائشة وغيرهن رضي الله عنهنّ. وكما اصطفى الله تعالى من البلاد بلدانًا ومن الأزمنة أزمانًا، ومن الأيّام أيّامًا، كذلك اصطفى الله وفضّل من الأشهر شهورًا، وفضّل شهر رمضان على سائر الشّهور واختاره من بينها، والدّليل على هذا الاختيار والتّفضيل أنّه تعالى أوقع فيه واحدة من أعظم العبادات وركنًا من أركان الإسلام ألَا وهو ركن الصّيام، يقول عليه الصّلاة والسّلام ”بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسول الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم رمضان وحجّ البيت لمَن استطاع إليه سبيلًا” متفق عليه، وجعل صيامه فرضًا وقيامه سُنّة، واختاره لينزل فيه أعظم كتبه القرآن الكريم الّذي سيكون حجّة على العالمين جميعًا فقال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} البقرة:185، والقرآن هو أعظم هدية من الله للبشرية السّائرة في الغيّ والضّلال، لينقذها به. كذلك من الأدلة على فضل هذا الشّهر على سائر الشّهور أنّ الله تعالى جعل فيه ليلة هي خير من ألف شهر ”ليلة القدر”، يقول تعالى {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر:1-3، وهي اللّيلة المباركة الّتي توزّع فيها الأرزاق والأقدار على الخلق {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان:3، وجعل صيام رمضان وقيامه كفّارة للذّنوب فقال عليه الصّلاة والسّلام ”مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، وقال أيضًا ”مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، وقال ”مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”. وفي هذا الشّهر الكريم تفتح أبواب السّماء، وتصفّد الشّياطين وتغلق أبواب جهنّم، كما قال عليه الصّلاة والسّلام ”إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ” رواه البخاري، وغيرها من الفضائل والجوائز والهدايا الّتي توزّع في هذا الشّهر على الفائزين الصّائمين القائمين. فعلينا أن نُشمِّر على سواعد الجدّ والاجتهاد لنفوز بهذه الهدايا الثمينة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون المُجِدُّون الرّاغبون في ثواب الله عزّ وجلّ ورضوانه. أستاذ جامعي بالإمارات أنشر على