سُئِلَتْ السيّدة عائشة رضي اللّه عنها: "كيف كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصنع في بيته إذا كان عندك؟"، قالت: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خلا في بيته ألين النّاس، وأكرم النّاس. كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر. كان يكون في مهنة أهله- يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمَل أحدكم في بيته، فإذا حضرت الصّلاة خرج إلى الصّلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادمًا”، أخرجه البخاري من طريق الأسود. وصفت أمّ المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها زوجها سيّد الخلق صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّ معاملته عليه الصّلاة والسّلام لزوجاته وأولاده ولكافة النّاس كانت أكمل معاملة وأتمّها، كما تَشهد بذلك كتب الحديث والسِّيرة، فقد روى الترمذي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيركُم لأهلي”، والأهل هنا يشمل الزّوجات والأقارب والأولاد، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهُم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خُلُقًا” رواه أحمد والترمذي. وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يُوصي أصحابه بزوجاتهم خيرًا ويقول: “إنّما هُنّ عَوَانٌ عندكم” أي اسيرات، رواه الترمذي. ويَدُلّ الحديث السابق “كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا خلا في بيته ألين النّاس، وأكرم النّاس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا..” على إعانته صلّى اللّه عليه وسلّم لأهله، لا كما يتوهّمُه بعض النّاس من أنّ ذلك نُقص وعيْب أن يُعين الرجل أهله في أعمال البيت، وهذا التّعاون يولد الألفة والمحبّة بين الزّوج وزوجته كما لا يَخفى. وأمّا معاملته عليه الصّلاة والسّلام لخَدَمِه فكانت أحسن معاملة، كما يحكي ذلك خادمه أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: “خدمتُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عشر سنين واللّه ما قال لي: أفًا قطّ، ولا قال لي لشيء: لِمَ فعلتَ كذا وهلّا فعلتَ كذا” متفق عليه واللفظ لمسلم. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: “كانت الأَمَة من إماء أهل المدينة لتأخُذ بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتَنطلق به حيث شاءَت”، وهذا يدلّ على تواضعه الجمّ، وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “وما تواضع أحد للّه تعالى إلّا رفعه” رواه مسلم. ويحمِل توصيف عائشة رضي اللّه عنها لزوجها الرّسول الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم عدّة معان، منها: “ما كان إلاّ بشرًا من البشر”، كانت تقصِد بشريّته عليه الصّلاة والسّلام في التّعامل الأسري، حيث إنّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدخل بيته ليس على أنّه القائد أو الزّعيم أو الإمام، ولكن على أنّه الزّوج ليعيش حياة السكن الزوجي مع أهله.