انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زرعُ فرنسا القاتل على الحدود
مهرّبون مغاربة تاجروا في بيع الألغام للجماعات الإرهابية
نشر في الخبر يوم 05 - 12 - 2014

حين كان الجزائريون يحتفلون بالذكرى الستين لثورة الفاتح من نوفمبر 1954 مسترجعين بطولة شعب رفض هيمنة استعمار فرنسي ظالم، في الثاني من نوفمبر 2014، وفي بادية بلدية العريشة الحدودية بولاية تلمسان أقصى غرب الجزائر، انفجر لغم من مخلّفات خطي شارل وموريس، داخل خيمة تأوي عائلة جزائرية فقيرة تمتهن رعي الأغنام، فقتلت الأم والأب وجرح وصدم الأطفال، فكان الانفجار "هدية فرنسا للجزائر" في ستينية الثورة.. "الخبر" عادت إلى مسرح الجريمة واستمعت إلى معاناة ضحايا الزرع الفرنسي القاتل على الحدود.
دفع اللهيب المتصاعد لثورة التحرير المباركة ما بين 1954 و1956 الاستعمار الفرنسي بالجزائر إلى الجنون والتمادي في الغطرسة والقمع، فكانت خطّة فرنسا في إقامة خطي “شال” و”موريس” على الحدود الغربية والشرقية للبلاد، من أجل خنق ثوار جيش التحرير الوطني. وحسب إحصائيات وتقديرات رسمية، فإن الأراضي التي أنجز عليها الخطّان المكهربان قد زرعت بأكثر من ثلاثة ملايين لغم من مختلف الأنواع والأحجام، إضافة إلى ثمانية ملايين لغم زرعتها فرنسا في مختلف أرجاء البلاد، في الفترة الممتدة مابين نهاية 1954 و19 مارس 1962، تاريخ وقف إطلاق النار.
وقد تمكنت الجزائر بعد الاستقلال، من خلال وحدات الجيش الوطني الشعبي، من نزع ثمانية ملايين لغم في إطار مسار اتفاقية “أوتاوا” لنزع الألغام التي وقّعت عليها الجزائر. ورغم كل هذه الجهود، لازالت الألغام الفرنسية وبعد 52 سنة من الاستقلال تسيل دماء الجزائريين، فتقتل من تقتل، وتعيق من تعيق، تذهب بأيديهم وأرجلهم أحيانا، وتذهب بأبصارهم وأسماعهم أحيانا أخرى.. شيوخ وكهول وأطفال، رجال ونساء، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في رحلة البحث عن الرزق للكبار، وفي رحلة البحث عن اللهو واللعب للصّغار.
“الخبر” التقت بعيّنة من ضحايا الألغام من سكان الشريط الحدودي الغربي للبلاد، وسجّلت مدى البؤس والضرر الذي لحق بهم وبعائلاتهم طيلة سنوات الإعاقة.
خط “موريس”
سمي باسم آندري موريس، وزير الدفاع في حكومة بورجيس مونروي، وعرض المشروع على البرلمان الفرنسي، وصادق عليه. ويهدف الخط المكهرب إلى عزل الثورة عن تونس شرقا وعن المغرب غربا. انطلقت به الأشغال في أوت 1956، ويمتد الخط شرقا على مسافة 750 كلم من عنابة شمالا إلى نقرين جنوبا، وعرضه من 30 مترا إلى 60 مترا، وغربا على المسافة نفسها (750 كلم) ويمتد من الغزوات شمالا إلى بشار جنوبا.
سلّم 350 لغم لمصالح الجيش ويحتفظ ب100 لغم قرب بيته
يحيى بن شيخ: “على فرنسا أن تعترف بجريمتها في حقّنا”
كان في السابعة من عمره سنة 1968 حين غادر القسم الدراسي بمدرسة العابد الحدودية في بلدية البويهي. وفي طريقه إلى البيت، أو بالأحرى إلى الخيمة التي تأوي إليها عائلته ببادية مسيون على بعد كيلومترين من المدرسة، وبفضوله الطفولي التقط كتلة حديدية غريبة، قرّبها من أذنه فسمع شيئا يتحرّك بداخلها، أصرّ على استخراجه بواسطة حجر، ولسوء حظه فقد كان لغما يدويا، انفجر عليه فتقطّعت أصابع يده اليسرى، وذهب بصره بعينه اليمنى، إضافة إلى جروح في كل مواضع الجسد. وبشجاعة الكبار، يقول يحيى، واصلت السير نحو خيام العائلة والدماء تنزف من ذراعي. ولأنّ دوي الانفجار كان قويا، سمعه والده، وهرع مسرعا نحوه، فالتقيا في منتصف الطريق ونقله والده إلى مستشفى تلمسان، حيث مكث خمسة وأربعين يوما، فقد فيها يده وبصره، وهو، اليوم، يستفيد من منحة لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار.
وقال لنا يحيى بكل ثقة “فرنسا هي المسؤولة وعليها الاعتراف بجرائمها في حق ضحايا الألغام. لقد توفي أمامي ستة ضحايا للألغام التي زرعتها فرنسا بالحدود. وإضافة إلى واقعة الانفجار الذي ذهب بيدي أصبحت مهتما بموضوع الألغام، ولقد جمعت لوحدي 350 لغم من منطقة العابد وسلّمتها للجيش الوطني، ووعدوني بالمساعدة، ولكن إلى غاية اليوم لم يتحقق شيء من هذه الوعود، ولم يمنعني هذا من جمع قرابة المائة لغم موجودة الآن بمنطقة العايدي، وسأسلّمها لمصالح الأمن في الوقت المناسب”.
وعند حديثنا عن “هواية” جمع الألغام عند يحيى، راح يكشف لنا أنه رصد في نهاية التسعينيات نشاطا مشبوها لمهرّبين مغاربة كانوا يقصدون المنطقة لجمع الألغام، وزادت شكوكه في نواياهم حين كانوا يقولون له إن هدفهم من نزع الألغام وجمعها هو حفر الآبار المائية من أجل نشاط الفلاحة والرعي، في حين كانوا يقومون ببيع هذه الألغام للجماعات الإرهابية المسلّحة، التي كانت تتخذ من الأراضي المغربية ملجأ للفرار من ملاحقة مصالح الأمن الجزائرية مثلما يعتقد.. هكذا هو حال عمي يحيى، لا مهنة ولا تقاعد، منحة بثلاثة آلاف دينار، ومشروع صغير موّلته به جمعية “الحياة” للمعاقين بمدينة سبدو لتربية عشرة رؤوس من الماشية.
جيلا بعد جيل.. ألغام المستعمر تصيب شباب الجزائر المستقلة
سيول الوادي تدفع بذخيرة متفجّرة نحو ميلود
بقدور ميلود من مواليد سنة 1981، أعزب دون مهنة، مقيم بقرية تي غزة، ببلدية عين غرابة دائرة منصورة. في أواخر سنة 1995 كان في عمره خمسة عشر سنة.. لا مكان للعب الأطفال بالمنطقة سوى المروج والوديان. ولأنه كان وقت الشتاء وفيضان الوادي، التقط ميلود شيئا غريبا حملته سيول الوادي، وظلّ يلعب به ويضربه على عمود كهربائي، حيث كانت تستهويه تلك الموسيقى المنبعثة من نقر المعدن الحديدي الذي التقطه بالعمود الحديدي الناقل للكهرباء، وفجأة تحوّلت الموسيقى إلى انفجار ذهب بيده اليمنى، لأن المعدن الذي التقطه لم يكن سوى لغم من مخلّفات الاستعمار الفرنسي. وبعد مدّة من العلاج استفاد من عجز بنسبة سبعين بالمائة، ويتلقى منحة باثنتي عشرة ألف دينار شهريا، منحة لا تغني شيئا بالنسبة لشاب فقد يده. قال لنا ميلود: “نحن لا نتسوّل من فرنسا نقودا، ولكن عليها الاعتراف بجرائمها في حق ضحايا الألغام..”. ضحايا وجدناهم في أمسّ الحاجة للتكفل بهم من قِبل سلطات بلادهم أولا من الناحية الاجتماعية والنفسية خاصة.
فاطمة ومريم.. أو حين يتحوّل حلم العرس إلى كابوس اللغم
قدراوي فاطمة تبلغ من العمر ستين سنة، وقدراوي مريم ذات ال64 سنة، بنات عمومة، لم تكونا تفترقان في الصبا، تلعبان معا وترعيان “شويهات” العائلة معا. تقول مريم التي التقيناها بمقر جمعية “الحياة” للمعاقين بمدينة سبدو: “لقد رأيت ليلتها حلما غريبا، لم يكن عمري يتجاوز ثلاث عشرة سنة. رأيت في المنام أن فاطمة ستزّف عروسا، وفي الصباح أخبرتها بالحلم. لقد كنا فرحين بالعودة إلى أرضنا بعد خروج الاستعمار. عائلتنا كانت مهاجرة في المغرب. كنا يومها نرعى الأغنام بالقرب من قرية خليل؛ أسرعت فاطمة لمنع القطيع من التوجه نحو الأسلاك الشائكة من بقايا خط “شال” و”موريس”، وفجأة انفجر لغم أرضي فسقطت فاطمة أرضا وقطعت رجلها اليسرى. ولأنني كنت قريبة منها أصبت في يدي بجروح خطيرة، واستفدت من عجز مادي ومن منحة أربعة آلاف دينار مؤخرا، في حين ظلت الدولة تدفع لي مبلغ ألف دينار لسنوات طويلة”. في حين تقول فاطمة إن منحة سبعة آلاف دينار لا تكفيها لمصاريف رجلها الاصطناعية، ومصاريف النقل والأمراض المزمنة التي أصيبت بها مثل السكري.. حالة صحية مزرية تتطلب كشوفات ومتابعات بمدن وهران وتلمسان، لسيدتين وضحيتين من ضحايا الألغام الفرنسية.. فاطمة ومريم قالتا بصوت واحد “نطالب بمراعاة حالتنا الاجتماعية من قِبل المسؤولين في بلادنا.. عانينا الأمرّين.. الفقر والمرض بعد الانفجار. واليوم يعاني أبناؤنا.. لا سكن ولا عمل”، ختمت السيدتان المكلومتان حديثهما ل”الخبر”.
حمليلي ميلود (67 سنة)
“وزارة المجاهدين تصرف لنا منحة ب5 آلاف دينار فقط”
يعتبر من أوائل ضحايا انفجار الألغام التي خلّفتها فرنسا بالحدود الغربية، كان عمره أربع عشرة سنة حين انفجر أسفل قدمه لغم أرضي بمراعي منطقة البويهي السهبية، فبترت ساقه اليسرى وثلاثة أصابع من يده اليسرى. عاش طفولة صعبة، وظل لسنوات طويلة يعيش بمنحة خمسة آلاف دينار، كانت تصرف له من وزارة المجاهدين، كمعاش للعطب. وقال لنا الشيخ حمليلي ميلود: “أنا أعيل خمسة أفراد من العائلة، ولو بقيت لي رجلي لما طلبت من أحد الصدقة والعون”. ويضيف متسائلا: “كيف تعترف بنا وزارة المجاهدين ك”معطوبي حرب”، مستظهرا وثيقة أخرجها من جيبه.. ولكن لا تعاملنا بالتساوي في الحقوق مع المجاهدين.. ألسنا مثلهم ضحايا الاستعمار الفرنسي؟”.
حسين بلبشير ناشط حقوقي مهتم بالملف
“الجزائر ملزمة بتطهير أراضيها من الألغام آفاق 2017”
حسين بلبشير، إعلامي سابق وناطق رسمي لجمعية “الحياة” للمعاقين حركيا بمدينة سبدو في ولاية تلمسان، على اطّلاع واسع بالمعاناة الاجتماعية لضحايا الألغام، بحكم عضويتهم في الجمعية. شارك سنة 2012 في سويسرا بالمؤتمر الدولي لمركز جنيف الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية، كان دليلنا ومرشدنا في رحلة الحديث إلى ضحايا الألغام من مخلّفات الحقبة الاستعمارية، حيث قال ل”الخبر”: “نحن في جمعية “الحياة” للمعاقين حركيا مهتمون بملف الألغام في جانبه التحسيسي والتوعوي والتضامني التكافلي، لكون الضحايا هم في الأوّل والأخير معاقين حركيا، وبالضرورة هم من المنتسبين للجمعية”، مضيفا “وكانت جمعية “الحياة” قد استضافت اللقاء التحسيسي الأول حول مخاطر الألغام سنة 2011، وشمل اللقاء مدارس ومتوسطات المنطقة وحتى من جامعة تلمسان، وكانت للمشاركين خرجات ميدانية إلى البادية الآهلة بالبدو الرّحل، وهي الأماكن الخطيرة القريبة من خطي “شال” و”موريس”، بكل من قرية العابد ببلدية البويهي وبلدية العريشة في المنطقة السهبية الجنوبية لولاية تلمسان”. القول إن اللغم قديم.. خطأ قاتل ويقول حسين بلبشير: “لقد وجدنا من خلال المعاينة الميدانية أن النّاس لا يهتمون باللغم لكونه قديما ومرّ على زرعه من قِبل عسكر فرنسا قرابة الستين سنة، وهذا خطأ قاتل. وهناك رصدنا بقايا لذخائر غير متفجّرة وألغام تعرّف عليها البدو، فقمنا بإبلاغ مصالح الدرك الوطني لنزعها وتطهير أراضي الرعي منها”.
وعن أهم الانشغالات والمعاناة التي يطرحها ضحايا الألغام، وهم من كل الفئات العمرية، أجاب محدّثنا “من خلال جلسات الاستماع التي تنظمها الجمعية توصلنا إلى فهم المعاناة الاجتماعية لضحايا الألغام، وهم في غالبيتهم أرباب أسر، وأحسنهم يستفيد من صرف معاش العطب من وزارة المجاهدين بمنحة لا تتجاوز 12 ألف دينار، وهم يقولون نحن “ضحايا استعمار”، ولكن الدولة تميّز بيننا وبين المجاهدين، ولهذا تحاول الجمعية من خلال مصادرها في التمويل بعث مشاريع اقتصادية اندماجية لصالح ضحايا الألغام، مثل مشروع تربية المواشي دون فوائد ربوية، حيث يستلم ضحية الألغام عشرة من رؤوس الأغنام وبعد سنة يعيد رأس المال والناتج والربح السنوي يسلّم لضحية أخرى، ويجد المشروع إقبالا ونجاحا كبيرين”.
ولأن جمعية “الحياة” عضو في المنظمة الدولية للإعاقة، وتعتبر ممثلا للمجتمع المدني في اللجنة الجزائرية الوزارية المشتركة لمتابعة تنفيذ اتفاقية “أوتاوا” لحظر الألغام، والتي أمضت عليها الجزائر سنة 2007، سألت “الخبر” المتحدث عن قدرة الجزائر في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها أمام المجتمع الدولي لتطهير كل الأراضي المزروعة بالألغام الفرنسية قبل نهاية سنة 2017، فكان ردّه “أن الحكومة الجزائرية ومنذ سنة 2004، حيث أعطى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 24 نوفمبر 2004 بحاسي بحبح ولاية الجلفة إشارة انطلاق عملية تدمير ونزع كل المخزون من الألغام المضادة للأفراد من مخلّفات الحقبة الاستعمارية؛ من يومها والجيش الجزائري يطهّر سنويا آلاف الهكتارات من الأراضي بالشريط الحدودي، والعملية مستمرة رغم الصعوبات والمخاطر. وأعتقد أن الجزائر ستكون في الموعد قبل نهاية 2017، وسيكون موعدا للقضاء النهائي على كابوس قاتل اسمه “الألغام الفرنسية المزروعة في الحدود الجزائرية”.
المعاهدات والاتفاقيات
هناك عدد من الاتفاقات الدولية التي تنظّم، أو تحظر، استخدام الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار. وهذه الصكوك هي جزء من كيان القانون الإنساني الدولي الذي يهدف إلى الحدّ من آثار النزاع المسلح لأسباب إنسانية. ومجموعة مدونات قانون حقوق الإنسان الدولي تبيِّن الخطوط العريضة لحقوق الأشخاص المتأثرين بهذه الأسلحة.
وقيام الأمم المتحدة بأعمال تتعلق بالألغام يُستَرشَد فيه بالقانون الدولي ذي الصلة، وهو يشجِّع بنشاط التمسك الكامل والالتزام من جانب الدول وأطراف النزاع المسلح، حيثما يكون منطبقاً بالمعاهدات والصكوك الدولية ذات الصلة، وخاصة معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد، والاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية والصكوك الدولية لحقوق الإنسان. وسياسة الأمم المتحدة بالنسبة للقيام بأعمال تتعلق بالألغام تتمثل في الإسهام في الجهود الأكبر التي تبذلها الأمم المتحدة للمساعدة في ضمان الالتزام بالقرارات ذات الصلة وبالأعراف والمعايير القانونية الدولية.
إن اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد “اتفاقية أوتاوا” تقرر تبنّيها في عام 1997، وهي أكثر الاتفاقيات شهرة. ونتجت الاتفاقية، التي تفرض حظراً كاملاً على الألغام المضادة للأفراد، عن مفاوضات قادها تحالف قوي وغير عادي اشتركت فيه حكومات والأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وما يزيد عن 1400 منظمة غير حكومية، من خلال شبكة معروفة باسم “الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية”. وهذا التحالف الذي لم يسبق له مثيل استخدَم المناصرة لزيادة الوعي العام بأثر الألغام الأرضية المضادة للأفراد على المدنيين ولحشد الدعم العالمي من أجل فرض حظر كامل.
وفي ديسمبر 1997، مُنِحَت للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية ولمنسّقها، جودي ويليامز، جائزة نوبل للسلام. ومعاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد دخلت حيِّز التنفيذ في 1 مارس 1999. وفي 1 مارس 2007 كان عدد البلدان التي صدَّقت على الاتفاقية أو انضمت إليها 153 بلد.
وعندما يصبح أحد البلدان “دولة طرفاً” في الاتفاقية، فإنه يكون قد وافق على ألاّ يقوم في أي وقت باستخدام أو تطوير أو إنتاج أو تخزين أو نقل ألغام أرضية مضادة للأفراد، أو مساعدة أي طرف آخر على القيام بهذه الأنشطة؛ وعلى أن يدمِّر خلال فترة أربع سنوات جميع مخزونات الألغام الأرضية المضادة للأفراد؛ وعلى أن يزيل خلال فترة 10 سنوات جميع الألغام الأرضية المضادة للأفراد التي تم زرعها؛ وعلى أن يقدِّم المساعدة، في حدود إمكاناته، لأنشطة إزالة الألغام والتوعية بالألغام وتدمير المخزونات ومساعدة الضحايا في جميع أنحاء العالم. بموجب المادة 7، يتعيّن على كل دولة طرف أن تبلِّغ الأمين العام للأمم المتحدة بالتدابير الملائمة التي اتُخذت للوفاء بما عليها من التزامات بموجب الاتفاقية.
خط “شال”
سمي باسم قائد القوات الفرنسية آنذاك شال موريس، وأقيم بالجبهة الشرقية من الوطن خلف خط موريس لتدعيمه ومساعدته في منع مرور المجاهدين، وبني بتقنيات الخط الأول نفسها، وأخذ مساره بالتوازي معه أيضا من الشمال إلى الجنوب، وكانت بداية الأشغال به مع نهاية سنة 1958.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.